على عكس ما يحدث كل سنة، فقد أُعلنت هذا الأسبوع أسماء الفائزين بجوائز الدولة فى الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، ولم يعقبها- كالعادة- حملة صحفية وإعلامية عنيفة، تتهم أعضاء المجلس الأعلى للثقافة الذين يصوتون على اختيار الفائزين بهذه الجوائز، من بين عشرات من المرشحين لها، بأنهم موظفون فى الحكومة، ويتلقون تعليمات منها لمنح الجائزة لبعض من يفوزون بها، تصل أحياناً إلى إقامة دعاوى أمام المحاكم يطلب أصحابها سحب الجائزة من أحد الفائزين، لأنه فى رأيهم لا يستحقها.
تلك حملات فشلت كل المحاولات لإقناع الذين يقومون بها، بأنها تقوم على غير أساس وتنطوى على اتهام لا يليق لأكثر من 60 من كبار المثقفين- هم أعضاء المجلس الأعلى للثقافة- بأنهم مجرد إمعات بلا ضمير ولا كرامة، وأن لهذه الجوائز قانونا ينظم الترشيح لها، ولائحة تنظم إجراءات التصويت عليها، بحيث يكون سرياً، ويجرى على ست جولات، ولا يفوز بالجائزة إلا الذى يحصل على ثلثى عدد الأعضاء الحاضرين، وهى شروط يستحيل معها أن يتحكم أحد فى إدارة المصوتين، حتى لو كانوا إمعات تافهة، وليسوا فريقاً من ألمع الشخصيات الثقافية.
وكان ذلك هو ما دفعنى منذ عامين إلى أن أقترح على المجلس- باعتبارى عضواً به- أن يتيح للصحفيين متابعة جلسة التصويت من خلال شاشة تليفزيونية فى القاعة المخصصة لهم، تنقل إليهم وقائعها لحظة بلحظة، وهو ما حدث هذا الأسبوع، وتأكد الصحفيون أنه يستحيل أن يكون هناك ترتيب مسبق لمنح أحد المرشحين الجائزة، إذ لم يفز أحد بالجائزة من أول تصويت، وفاز معظمهم فى التصويت الرابع والأخير، بعد منافسة جادة وساخنة، ولم تعد هناك مناطق معتمة أو غامضة تتيح لأحد الفرصة للاستنتاج أو للبحث عن مؤامرة وراء الفوز!
ولعلها مجرد مصادفة أن محكمة الجنايات التى تحاكم وزير الداخلية الأسبق، حبيب العادلى، وعددا من قيادات وزارة الداخلية فى قضية قتل المتظاهرين حلت مشكلة - من النوع نفسه - أحاطت بالشكوك موقف المحكمة من المتهمين فى القضية على امتداد الأسابيع الأخيرة، بسبب إحاطة قفص الاتهام الذى يودعون فيه بساتر من قوات الشرطة يحول دون رؤية المواطنين الذين يتابعون المحاكمة- ومعظمهم من أهالى الضحايا- لهم، مما أشاع الظن بينهم وبين غيرهم أن الذين فى القفص ليسوا المتهمين، بل موديلات أو دوبليرات لهم، ولم يقنعهم القول بأن الهدف من هذا الإجراء هو حماية المتهمين من أى إجراء عنيف قد يتخذه أهالى الضحايا ضدهم، وفى أسوأ الأحوال حمايتهم من نزعات الشماتة التى دفعت كثيرين للإصرار على المطالبة برؤيتهم وهم بملابس السجن فى قفص الاتهام.
ومع أننى لم أتحمس كثيراً لمشاعر الشماتة والثأر المتفشية فى مصر الآن، لأنها مشاعر بدائية تقلل من قيمة الثورة، وتشغل أصحاب المصلحة فيها بالثأر من الماضى بدلاً من الانشغال ببناء المستقبل، إلا أننى لا أجد مبرراً - كذلك - لإصرار أقطاب النظام السابق من المتهمين فى قضايا الفساد واستغلال المال العام، وقتل المتظاهرين وأقاربهم وأنصارهم، على حمايتهم من كاميرات الإعلاميين، وتحصينهم ضد التصوير حتى لو كان ذلك من حقهم بمقتضى قرار المجلس الأعلى للقضاء بحظر التصوير أو التسجيل فى قاعات المحاكم.. فليس فى مثول أى مواطن أمام القضاء ما ينتقص من مكانة أى شخص، بل قد تكون له مصلحة فيه، إذا ما حكم القضاء ببراءته من هذه التهم، أو من بعضها، وكان يجب عليهم أن يرحبوا بذلك إذا كانوا يثقون فى براءتهم، وأن يواجهوا كاميرات الإعلام بشجاعة الذين يؤمنون بأنهم لم يرتكبوا جريمة، ولم يخطئوا فى حق شعبهم.
أما المهم، فهو أن هذا التناقض بين إصرار المحكمة التى تحاكم وزير الداخلية الأسبق ومعاونيه على وضع حاجز بشرى أمام قفص الاتهام، وإصرار المتهمين فى هذه القضية وفى غيرها من أقطاب النظام السابق على التصرف بطريقة يبدو معها كأنهم يعتبرون مجرد مثولهم أمام القضاء عملا شائنا لا يمكن أن يقبلوه، وهذا التناقض أدى إلى أن تسود الشكوك فى عدالة الإجراءات التى تتخذها الهيئات القضائية، وهو ما أجج مشاعر الشك وأشعل نيران الثأر بحيث بدا وكأن رؤية حبيب العادلى وغيره من أقطاب النظام السابق وهم يرتدون ملابس السجن ويجلسون فى قفص الاتهام، هو الهدف الذى قامت من أجله الثورة.
وكان لابد من النظر إلى هذه المشاعر- مهما رأينا فيها- باعتبارها واقعا لابد من التعامل معه، وهو ما فعله رئيس المحكمة فى جلسة الأسبوع الماضى، إذ ما كادت واحدة من أهالى المتهمين تصرخ فى بداية الجلسة فين حبيب العادلى؟.. عايزن نشوف المجرم ده؟ حتى أمر القاضى بإزالة الساتر البشرى، وبدأ ينادى على المتهمين واحداً بعد الآخر، لكى يراه أهالى الضحايا.. فيسألهم فى النهاية: استريحتم؟!
وسوف يرتاح هؤلاء ونرتاح جميعاً لو أن هذه المحكمة وغيرها من المحاكم التى يمثل أمامها أقطاب النظام السابق اتبعت الأسوة الحسنة التى اتبعها المجلس الأعلى للثقافة، فأذاعت الجلسة عبر شاشة تليفزيونية فى قاعة خاصة لأهالى الضحايا وكل من يعنيهم الأمر.. ساعتها سيكتشف الجميع أن مشاكل وشكوكا كثيرة يمكن حلها بإجراءات بسطية مثل شكة الدبوس؟
عدد الردود 0
بواسطة:
سلوي
يا استاذنا الشفافية مطلوبه ولكن
عدد الردود 0
بواسطة:
طه شلبى
رؤيتهم فى القفص
عدد الردود 0
بواسطة:
واحد وبس
امال ايه المفهوم
عدد الردود 0
بواسطة:
مجدي المنسي
رائع يا أستاذ صلاح