من بين سوءات وعاهات النظام المخلوع، أنه لم يستثن مؤسسة من المؤسسات المؤثرة فى المجتمع من الاستقطاب والاحتواء داخل عباءته، ضمانا لالتزامها بمبدأ السمع والطاعة وسيرها فى الاتجاه الذى يختاره، مما كان سببا حاسما فى تجفيف منابع الاستقلالية فيها، باستثناء حالات فردية هنا وهناك تكفلت الأجهزة الأمنية بمعاقبتها بقسوة وحدة على شقها صف الرضوخ والانصياع لما يهبط عليها من أوامر وتوجيهات.
ولم ينج الأزهر الشريف والكنيسة الأروثوذكسية من الخضوع لمتطالبات المعادلة السالفة، وتحولا فى نظر الكثيرين إلى إدارة حكومية لا تخطو خطوة للأمام أو إلى الوراء، إلا بعد الحصول على إذن كتابى من السلطة، وفى أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير استبشرنا خيرا باستعادة الأزهر والكنيسة استقلالهما المسلوب، غير أن هناك من يرفض ذلك.
الاستهلال السابق كان لازما قبل الدخول فى صلب الموضوع المتعلق بالزيارة التى قام بها عمرو موسى المرشح المحتمل فى انتخابات الرئاسة، للبابا شنودة فى الكاتدرائية المرقسية بالعباسية نهاية الأسبوع الماضى.
وبمنتهى الصراحة والوضوح لم يسعدنى تصريح عمرو موسى بأنه ذهب للكاتدرائية بصفته الشخصية، لأننى اعتبرته استخفافا بعقول وذكاء المصريين، فالطفل الصغير فهم أنه زار المقر البابوى، طلبا لدعم وتأييد المسيحيين عند ذهابهم للادلاء بأصواتهم فى انتخابات الرئاسة المقبلة.
وبدا من مجريات اللقاء والحفاوة التى كانت بانتظار عمرو موسى، أن البابا شنودة يميل لتولى أمين عام الجامعة العربية السابق الرئاسة، ظنا بأن ذلك سيعود بالنفع على الأقباط، واضعا فى حساباته العلاقة القديمة الوطيدة بينه وبين عمرو موسى منذ شغله حقيبة الخارجية فى التسعينيات من القرن العشرين، وأن الرجل ـ عمرو موسى ـ لن يقترب من مناطق شائكة، من بينها ما حصدته الكنيسة من مكانة بديلة للدولة فيما يخص حل مشكلات المسيحيين، مهما كانت صغيرة وغير ذات صلة بالجانب الدينى الذى لا يجوز منازعة الكنيسة فيه.
ومع تقديرى واحترامى البالغ للبابا شنودة ولقدرته السياسية الفائقة، فإنه يعمل بنفس الطريقة المعهودة فى عهد حسنى مبارك، من خلال إقامة تحالف بين السلطة والكنيسة التى شجعت المسيحيين على التعبير عن أنفسهم دوما بانتمائهم الدينى وليس الوطنى، بمعنى أنهم مصريون أولا وأخيرا ويعانون مثلما عانى وسيعانى المسلمون فى هذا البلد.
ثم ما الدافع وراء انخراط الكنيسة فى شأن سياسى يتصل باجرائها استطلاعا للرأى حول الخيارات المفضلة للمرشحين الرئاسيين؟ ولنفترض أن النتيجة جاءت مغايرة ومخالفة لما تطمح إليه رأس الكنيسة ماذا سيكون التصرف، وهل يعنى هذا أنها ستوجه رعاياها لانتخاب مرشح بعينه؟
وظنى أن قداسة البابا شنودة لن يختلف معى على أن المسجد والكنيسة اسمى وارقى من الزج بهما فى دهاليز وكواليس السياسية بما فيها من تلوث ومؤامرات ومكائد لا يصح ولا يجوز ان يكونا طرفا فيها، ولو من بعيد، وأن المصلحة العامة كانت تقتضى امتناعه عن استقبال المرشحين للفوز بالمقعد الرئاسى، حتى تبقى هذه المؤسسة الدينية العريقة على الحياد، ولكى لا يفهم من مثل هذه اللقاءات أنها أمر من البابا باختيار فلان، نفس القاعدة تسرى على الأزهر المطالب بتحصين نفسه من مطبات وغدر السياسة.
أن وقوف الكنيسة والأزهر على مسافة واحدة من مرشحى الرئاسة ومجلسى الشعب والشورى يزيد قدرتهما على مكاشفة السلطة بأخطائها وعيوبها ودعوتها لتصحيحها سريعا، والجميع يذكر جيدا أن هاتين المؤسستين لم ينطقا بحرف يكشف ما اقترفه نظام مبارك بحق الوطن والمواطنين، على الرغم من أن سيئاته كانت واضحة وضوح الشمس، وهذه دعوة خالصة من ناحيتى لهما بالابتعاد عن مأزق العمل السياسى حفاظا على طهارة ثوب الأزهر والكنيسة ومكانتهما الروحية.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
helmy
كلام منطقى
عدد الردود 0
بواسطة:
سمير اسحق بولس
زياره
عدد الردود 0
بواسطة:
د/عادل
الى الكاتب
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرى مسيحى
الى السيد كاتب المقال
عدد الردود 0
بواسطة:
مراقب
ليس الا
عدد الردود 0
بواسطة:
amr
مقال اكثر من رائع
عدد الردود 0
بواسطة:
مواطن مسيحى
تحليل غير منطقى للأسف
عدد الردود 0
بواسطة:
مواطن
لانكن سذج
عدد الردود 0
بواسطة:
حكيم - طوكيو
عجبي !!!!
عدد الردود 0
بواسطة:
شريف
قول علمانى وخلصنا