مرحلة التحول الديمقراطى الحالية ستفرض على الحركة الإسلامية تحدياً على مستوى الطرح الفكرى والتجديد الفقهى، فالذى يجب أن تلتفت إليه الحركة جيداً أن المشروعات الفكرية الإسلامية الكبرى، إنما جاءت من خارج الإطار التنظيمى للحركة، من قامات فكرية عالية مثل المستشار البشرى، ود.محمد عمارة، ود.العوا... وغيرهم، والمفارقة الجديرة بالتأمل أن هؤلاء تعرضوا للهجوم من الحركة الإسلامية فى مرحلة من المراحل، قبل أن تستفيق الحركة على حجم المنجز الثقافى والفكرى الذى أتمه هؤلاء، ولم تتمكن الحركة من اللحاق بهم، وشغلتها الهموم التنظيمية والحركية عن الالتفات إلى أهمية التجديد الفكرى وطرح الإجابة عن إشكاليات هامة تتعلق بالعلاقة بين الإسلام والديمقراطية، والتعددية السياسية والثقافية فى المفهوم الإسلامى فى حقيقة مفهومها، وبيان مداها، والنظرة إلى الأقباط والإشكاليات المتعلقة بأوضاعهم وهمومهم، وقضايا المرأة وحقوقها فى ظل الاتفاقيات الدولية المعاصرة... إلى غير ذلك من المحددات الفكرية التى تحتاج إلى طرح جديد ورؤية جديدة، ظلت الحركة فى معزل عنها طيلة العقود الماضية فى ظل مفاهيم كانت موجودة على استحياء (ولكنها موجودة على أية حال) تدعو إلى الانشغال بقيام الدولة الإسلامية بدلاً من تضييع الأوقات فى تأصيل الأحكام وتقريرها فى ظل واقع غير معترف بها!!
ولكن الحركة اليوم مطالبة بتجديد شامل فى بنيتها الفكرية، مرتكزاً على الثوابت الإسلامية، ومبتكراً فى مضامين الخطاب وآلياته، فما زلنا حتى الآن نسمع بعض الأصوات التى لا تتردد فى القول بكفر الديمقراطية، وأن الأصل هو تأبيد الحكم لا تأقيته، أو أن الشعب ليس هو مصدر السلطات..!! فهذه التشوهات الفكرية بحاجة ماسة إلى معالجة صادقة وأمينة فى إطار فكرى متكامل.
كما أن التحولات الديمقراطية الحالية تفرض على الحركة الإسلامية طرح رؤية سلمية للتغيير والإصلاح، بعيداً عن القراءات الخاطئة لأقوال فقهائنا القدامى الذين انحصرت رؤيتهم فى التغيير فى أحد مسلكين: إما الخروج المسلح، وإما الصبر والتحمل، وأدى النقل الحرفى للرؤية القديمة إلى كثير من المفاسد بعد أن ترك الشباب أسيراً للقراءة الخاطئة التى لم تكن إلا توصيفاً من الفقهاء القدامى لما استقر فى عصورهم من آليات التغيير التى أدت فى معظمها إلى مفاسد جمة حفظتها لنا كتب التاريخ، ولكن العصر بتحولاته العميقة فرض علينا أشكالاً سلمية للتغيير، يجب أن تحل محل الرؤى القديمة، حتى لا نترك الشباب نهباً للقراءات الأحادية المنفصلة عن الواقع، مما يؤدى إلى مفاسد جمة عندما لا يجد الشاب أمامه رؤى فى التغيير سوى التى تسمع من بين أسطرها قعقعة السلاح.
كما أن التجديد الفكرى المأمول ينتظر منه أن يمتد إلى خطاب الحركة الدعوى والذى ظل لسنوات طويلة أسير نظرة «التحريم» حتى لو كانت المسألة محل الخلاف تتأرجح بين الجواز وعدمه. كانت النظرة تتجه رأساً إلى «التحريم» وذلك من باب «سد الذرائع»، والعمل على رسم رؤية إجمالية لعلاقة الحركة الإسلامية بالمجتمع المصرى، تعمل على احترام عادات وتقاليد المجتمع التى لا تتعارض مع الشرع.
ويتعين عليها أيضاً التجديد فى مضامين خطابها الدعوى حتى لا يعاد طرح قضايا عفى عليها الزمان، فعموم الشعب ينتظر اليوم من يقدم له حلاً لمشاكله الاجتماعية والتعليمية والصحية والحياتية بوجه عام، ولا يريد من يسحبه إلى قضايا ومشاكل مرت عليها القرون الطويلة ولم تعد تحتل مكاناً فى حياتنا كما كانت فى الماضى.
لقد ظلت الحركة الإسلامية طيلة العقود الماضية أسيرة الاندفاع الحركى على حساب التأطير الفكرى الذى كان يأتى فى مرحلة لاحقة للتبرير لا للتنظير... واليوم بات الأمر ملحاً لشكيل الإطار الفكرى الضابط لواقع الحركة ومسيرتها.
فأولويات المرحلة تقتضى من الحركة الاتجاه صوب التجديد والإبداع والانفتاح على الثقافات الأخرى، فأساس صحة الحركة: علم نافع، وتربية واعية، وإدارة رشيدة، تمتزج فى منظومة واحدة متكاملة.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ابوحفصة
بارك الله فيك
بارك الله فيك وسدد خطاك
عدد الردود 0
بواسطة:
سليمان حسين
المشكلة
عدد الردود 0
بواسطة:
امال
محتاجين وقت