سواء جرت الانتخابات «أولاً» أو «لاحقاً».. فإنها ستجرى يوماً ما، بل إن البعض قد بدأ الترتيب لها بالفعل.
وعندما نتحدث عن الانتخابات فإن الحديث يمتد بالضرورة إلى «الإعلام» بكل وسائله المقروءة والمسموعة والمرئية. فلا يمكن الحديث عن انتخابات «نزيهة» فى ظل تعتيم أو تضليل إعلامى، كما أن العملية الانتخابية لا يمكن وصفها بأنها ديمقراطية إذا لم يتم التعريف بالمرشحين المتنافسين والتعريف ببرامجهم كجزء من مساهمة نشطة من الإعلام فى التثقيف السياسى والانتخابى الذى يحث الناس على المشاركة ويزودهم بالمعلومات الأساسية التى تمكنهم من المفاضلة بين المرشحين. ورغم أن العلاقة تبدو للوهلة الأولى «بسيطة» بين الإعلام والانتخابات، فإنها فى حقيقة الأمر علاقة مراوغة والطريق بينهما ملئ بالألغام والأشواك والتعقيدات.
ولعلنا لم ننس بعد الدور السلبى الذى كانت تلعبه وسائل الإعلام (الحكومى) فى كل الانتخابات العامة التى جرت فى ظل النظام السابق، والتى كان آخرها انتخابات مجلس الشعب العام الماضى. حيث وصل التزوير إلى الحد الأقصى من التبجح ووصل التضليل الإعلامى الحكومى إلى ما فوق الكذب والتدليس.
لذلك رأينا أن الجزء «المهنى» المتبقى من الإعلام لم يحاول فقط التصدى لتضليل الإعلام الحكومى، وإنما حاول أيضاً وضع معايير وضوابط يتم الاسترشاد بها فى مثل هذه المعارك.
وتجسدت هذه المحاولات فى أكثر من مشروع، لعل من أهمها مشروع المدونة الذى قدمه الكاتب الكبير الأستاذ صلاح عيسى بهذا الصدد منذ عام تقريباً. وكان المأمول أن تهتم الجهات المعنية، وفى مقدمتها نقابة الصحفيين، بمناقشة هذه المبادرات البناءة. لكن شيئاً لم يحدث.
وقد يظن الكثيرون أن قيام الثورة قد أغلق هذا الملف الملغوم. لكن العكس هو الصحيح، إذ أنه ازداد تعقيداً، على الأقل من زاوية أن المشكلة فى السابق كانت تتركز أساساً فى حسنى مبارك ونظامه وحزبه وإعلامه. وبعد إجباره على التنحى، استمر النظام قائماً بمعظم سياساته ومعظم قياداته على مستويات مختلفة. وهؤلاء لم يرفعوا راية الاستسلام وإنما يواصلون أنشطتهم المناهضة للثورة بأساليب شتى، من بينها استخدام بعض وسائل الإعلام بصورة خبيثة. وإلى جانب بقايا النظام المترنح ظهرت تحديات جديدة، خاصة محاولات البعض استبدال الاستبداد السياسى بالاستبداد الدينى.
وفى مواجهة التحديات القديمة والجديدة يمكن أن تتحول الانتخابات العامة من «عرس ديمقراطى» إلى «مأتم» للحريات إذا لم يتفق الإعلاميون المصريون على مدونة مبادئ ومعايير بما يجوز نشره وبثه وما لا يجوز.
وهذه مسألة معقدة لأنها نسبية وتقديرية فى بعض الأحيان. وعلى سبيل المثال فإننى لا أنسى حيرة زميلنا الصحفى والاعلامى اللامع محمود سعد وهو يتساءل بصدق عما إذا يجوز له أن ينقل آراء أحد شيوخ السلفية التى يحرض فيها على غزو الدول غير الإسلامية وأخذ نسائهم وأطفالهم غنائم وبيعهم فى أسواق النخاسة حلاً لمشاكلنا الاقتصادية.
هل يجوز نقل مثل هذه الآراء أم لا؟.. الحيرة موجودة بدرجة أكبر من حيرة محمود سعد فى كثير من جوانب المنافسة الانتخابية. فماذا يجوز وما لا يجوز. هذا أمر يحتاج إلى اتفاق وتوافق. وليس العبرة ببيانات إنشائية، فقد خرجت علينا آخر وزارة إعلام فى النظام السابق بلوائح وبيانات رنانة لكنها فى التطبيق العملى، كانت مجرد ستار خائب لجرائم تزوير فجة.
ولذلك فإن التوافق على مدونة معايير للتغطية الإعلامية للانتخابات العامة، من كل الجوانب، يمثل أولوية على جدول أعمال الجماعة الصحفية والإعلامية لا يحتمل التأجيل، ويحتاج إلى شرح للمحررين المتخصصين من خلال برامج تدريب للعاملين فى كل وسائل الإعلام.
وكما قلنا.. فإننا لا نبدأ من الصفر.. بل إن هناك عدة مبادرات «أهلية» بناءة تصلح أساساً لحوار مجتمعى ومهنى، عسى أن يكون بداية تفتح الباب أمام وصول الثورة إلى البيت الإعلامى.
عدد الردود 0
بواسطة:
كريم فرج
مهنية
هى الكلمة دى موجودة فى الإعلام المصرى يا دكتور ؟؟؟