تزامنت زيارة "بيوس كنوزل" رئيس مؤسسة "بروهيلفتسيا" الثقافية السويسرية مع التصويت على جوائز الدولة هذا الأسبوع، وما أثير حولها من جدل، وجاء هذا التزامن مناسبا، للمهمة التى جاء بها "كنوزل" للقاهرة، لمناقشة استقلال الثقافة عن الدولة، وكيف يمكن للفنان والمبدع أن يحصل على دعم المؤسسة الثقافية الرسمية دون أن تفرض عليه آراءها وتوجهاتها، ومن أجل ذلك ألتقى " كنوزل" فى القاهرة بعز الدين شكرى أمين عام المجلس الأعلى للثقافة، وكذلك الفنان التشكيلى عادل السيوى لبحث هذه الآليات، اليوم السابع ألتقت " كنوزل" وكان لها معه هذا الحوار.
هذه هى الزيارة الأولى لك لمصر بعد الثورة؟ ما هى انطباعاتك عنها؟
ذهبت إلى الأهرامات، وإلى سقارة، وإلى ممفيس، ومثل كل الناس تأثرت بتاريخ مصر وحضاراتها، ومن حركتى فى هذه المناطق، وتحديدا فى قرية ممفيس التى تجاور سقارة، لاحظت أن مصر لم تزل فقيرة رغم تاريخها العظيم، ولم يزل هناك الكثير لتقدم مصر، رغم أننى لاحظت أن الكل يقوم بعمله، وإذا قارنا مصر بأوروبا، فشكل البناء والهيكلة فى أوروبا أختلف لأن الناس هناك تعمل على المشاريع الكبيرة، لكن هنا الناس يعملون فى مشاريع صغيرة، ولاحظت أناس كثيرة تجلس فى الظل تنتظر، ولا أعرف إن كانوا ينتظرون مستقبلهم، أم ينتظرون ماضيهم، وهذا النوع من الانتظار انتهى فى أوروبا، وطبعا هذه ملحوظة عامة لشخص زار مصر للمرة الأولى بعد ثورتها التى سمعنا عنها.
هل شعرت أثناء جولاتك أن هناك إرادة جديدة للتغيير فى مصر؟
من خلال المشى والحديث مع الناس، شعرت أنهم يتغيرون، وأن هناك إرادة للتغيير، وشعرت بذلك عندما تجولت فى ميدان التحرير، وربما شعورى نتيجة لعلمى المسبق أن هذا الميدان حدث به شئ كبير، لكنى أتمنى طبعا أن تستطيع مصر تحقيق التطور.
هل هناك تشابه بين مؤسسة "بروهيلفتسيا" وأحد المؤسسات الثقافية فى مصر؟
أعتقد أن مؤسسة "بروهيلفتسيا" تشابه المجلس الأعلى للثقافة لديكم فى مصر، نحن أيضا نتلقى ميزانيتنا من الحكومة، ولكننا لسنا جزءا منها، ولدينا 25 أمين يتم تعيينهم من قبل الحكومة، ولكن باقتراح من المؤسسة، وأساس عملنا هو دعم الفنانين، والهيئات التى تدعم الفنانين، ونعتمد على التبادل مع كل دول العالم، حيث لدينا مكاتب فيها، لنتعاون مع الفنانين الذين لديهم قدرات، ونبحث إمكانية دعم مشروعاتهم الفنية.
هل صحيح أن هناك توجه لديكم لغلق بعض مكاتب المؤسسة الثقافية السويسرية فى الشرق الأوسط؟
لم يكن هناك أى نية على الإطلاق لغلق المكتب، لأن هناك مهام قانونية للمؤسسة لدعم التبادل الثقافى ما بين قطاعات سويسرا الثقافية المختلفة، وكذلك بين سويسرا والعالم، ونحن نحصل على دعم سنوى من الحكومة، ويناقشه البرلمان، وبالتالى نحن أحرار فى غلق أو فتح مكتب فى أى مكان فى العالم، وللوصول للأماكن المختلفة، نحن نرى أن مفهوم الثقافة العربية متقارب رغم الاختلافات بين مراكش والقاهرة والإمارات، ونحن أغلقنا ثلاث مكاتب فى التشيك وسلوفاكيا، ورأينا أن هذه الدول تمكنت من الاندماج فى الحضارة الأوروبية حتى أن التواصل تحقق بين الشركاء فى هذه الدول، وسويسرا بدون الاستعانة بمكتب، لكن لم تزل هناك فجوة بيننا وبين الثقافة العربية، تجعلنا نحتاج لمكتب لنعرف العالم الفنى هنا، وكذلك يتعرف العالم العربى على الحركة الفنية فى سويسرا.
وهل من الممكن أن يتم نقل مكتبكم من القاهرة إلى مدينة أخرى داخل العالم العربى؟
كانت هناك اقتراحات بنقل المكتب لطهران أو للإمارات، ورغم أهمية الثقافة الفارسية وأهمية وضعها، لكننا لم نزل نرى أن القاهرة هو بوابة العالم العربى الثقافية، ومن الأفضل أن نجلس على الباب ونتعرف على العابرين، من أن نذهب للإمارات حيث يتم تشكيل الثقافة بطريقة صناعية، أما طهران فوضعها السياسى يصعب إنتقالنا إليها، وثورة مصر ضاعفت مزاياها الثقافية، وتجعل وجودنا فيها حتميا، مع رياح التغيير.
هل تهتمون دائما بتصدير وجهات نظركم الفنية وفرضها على الآخر؟ أم تأخذ منه وتتعرف على هويته؟
عام 1939 عندما تم تأسيس مؤسسة "بروهيلفتسيا" كان الغرض الرئيسى الدفاع عن الهوية الثقافية السويسرية ضد المد الألمانى الفاشى، وحتى عام 1949، كان هناك اتجاه آخر، وهو أن تقوم سويسرا بتصدير ثقافتها للعالم، وليس عن طريق الفن فقط، وعندما قامت الثورة الطلابية التى غيرت وجه أوروبا عام 1968، بدأت " بروهيلفتسيا" تغير نظرتها، وبدأنا فكرة المشاركة، وليس فقط تصدير وجهة نظرها، لكن مازال الدعم الأساسى للتعريف بالثقافة السويسرية، ولكن ليس من منطلق فرضها، بل مشاركة الآخر.
هل هناك علاقة مباشرة بين زيارتك الحالية، والثورة المصرية؟
طبعا هناك علاقة مباشرة، بزيارتى للثورة، وهذا ليس له علاقة بالمشروعات الفنية والثقافية، التى أصبح فيها تركيز على القضايا المصرية فى الفترة المقبلة، وإنما جئت لمقابلة الدكتور عز الدين شكرى الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، لنبحث تجربة "بروهيلفتسيا" وكيف يمكن للمجلس أن يعمل برؤية ثقافية محافظا على استقلاله، وليس أداة لتنفيذ سياسات الحكومة، ونحن كل يوم نغير سياساتنا الحكومية ووجهات نظرنا، والقضايا الاجتماعية فى سويسرا تدفعنا لهذا التغيير.
كيف تدعم فنانا بدون التحكم فى إنتاجه؟ وماذا لو جاء إنتاجه الفنى معارضا لسياستكم؟
الفنان يتقدم لطلب منحة، وكل طلب يتم مناقشته بواسطة المختص فى هذا المجال، سواء كان موسيقى، أو رسم، أو عمل أدبى ما، وكل ما يحتاج الفنان لإثباته جودة العمل، وليس محتواه، وكذلك المكان الذى سيقوم بالتعاون معه، وفى النهاية لا نستطيع أن نناقش الشكل الأخير والنهائى لهذا المنتج الثقافى، حتى إذا كانت آراءه لا تتفق و الخط السياسى، فالفنان حر بأن ينفذ مشروعه بالشكل الذى يرغبه، فما يعنينا فقط هو الجودة، ونحن نثق أن الفنانين سينفذون ما وعدوا به، وليس على أجندتنا على الإطلاق مناقشة محتوى العمل، ومنذ عام 1968 حتى الآن، أصبح الفنان المستأنس الذى يقدم إنتاجا فنيا ترضى عنه الحكومة ولا ينتقدها، لا يحظى بدعم المؤسسة، وقبل الحركة الطلابية التى اندلعت عام 1968 فى أوروبا، كان هناك إقصاء للفنان المعارض دائما، لكن بعد ذلك تغيرت هذه النظرة تماما، وهو ما آمل أن يحدث هنا فى مصر، فمجرد رفع الغطاء عن الكبت، سوف تنتشر روح الإبداع، ولا أتمنى أن تصبح مصر مثل ألمانيا بعد عشرين عاما، وإنما أتمنى أن تصبح هى نفسها، لكن لديها الكثير من الأعمال الفنية والأدبية والسينمائية.
هل تؤثر المشكلات التى تحدث بين المسلمين والمسيحيين فى مصر على استمراركم فى العمل فى مصر؟
سويسرا قائمة على الأقليات والتعددية، والأكثرية تعامل الأقلية لدينا بكرم مبالغ فيه ، وقوة الأغلبية تكمن فى كرمها، وليس من السهل أن نملى على الآخرين أن يفعلوا المثل لكنها ثقافة، ومنذ 200 عام عندما تأسست الدول، وبدأت تبحث عن تميزها الخاص، بلغة واحدة وغيرها، اكتشفت أن التنوع مصدر أساسى للتطور، فاللغة الواحدة ليست كافية لأن تجعل الحياة أغنى، فالأغلبية تنتعش رؤياهم من خلال الأقليات الثقافية، وكل ذلك لن يجعلنا ننصرف من مصر، فالتنوع يدعم الروح الإبداعية للأقلية.
هل هناك علاقة بين تقدم أو تقهقر مصر فى طريق الديموقراطية وبين استمراركم هنا فى القاهرة؟
أنا سعيد جدا لما حدث فى مصر من تغيير نحو الديموقراطية، ولست متخصصا فى السياسة، ولكنى واثق أن مصر حتى لو أرتدت لنظام ديكتاتورى أسوأ مما كان، فسوف نستمر فى الدعم الثقافى والديموقراطى، لأن هذا جزء من مهمتنا، لأننا نؤمن بالفن الحر والثقافة الحرة، وفى الفترة الأخيرة زاد القمع فى الصين، وأرتفعت بعض أصوات الفنانين فى سويسرا تطالب بإغلاق مكتب " بروهيلفتسيا" فى الصين، لكننا عارضنا هذه الأصوات، وقلنا بالعكس هذا هو الوقت الذى يحتاج لنا المجتمع الصينى أكثر، لأننا لا ندعم الأنظمة، وإنما ندعم الفنانين والشعوب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة