خيرى شلبى

صورة جمال عبدالناصر

السبت، 25 يونيو 2011 05:37 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى طفولتى حدث مهم يطل من ذاكرتى المحفور فيها بين حين وآخر، له فى أعطافى حضور قوى كأنه حدث البارحة، ففى سنة خمس وخمسين وتسعمائة وألف- تقريبا- خطر فى بالى أن أرسل خطابًا شخصيًا إلى الرئيس جمال عبدالناصر أعبر فيه عن إعجابى به وعن فرحى بالثورة المباركة، وأطلب منه أن يرسل لى صورته لكى أبروزها وأحتفظ بها «للتاريخ»، وربما كان الدافع إلى كتابة ذاك الخطاب ليس فحسب إعجابى وجيلى كله بشخصية جمال عبدالناصر وفرحتنا بالثورة، إنما كان هناك حافز مشجع هو افتتانى بأساليب كبار الكتاب الذين وقعت فى أسرهم آنذاك، خاصة طه حسين ومصطفى صادق الرافعى ومحمود تيمور وغيرهم، ولم يكن يدور بخلدى مطلقاً أن ساعى البريد سوف يعنى بتوصيل خطاب إلى رئاسة الجمهورية، بل أن تعنى الرئاسة نفسها بقراءة خطاب واضح من عنوانه أنه من تلميذ فى قرية على شمال الدلتا، لعل الرئاسة لم تسمع بها على الإطلاق!.. ولكن لذتى بكتابة الخطاب كانت متعة فى حد ذاتها، وكانت تكفينى حتى لو لم أتلق ردًا على خطابى.
غير أننى بعد نحو أسبوعين فوجئت بأحد الخفراء يطرق باب مندرتنا ثم يدخل هاتفاً فى غبطة ملفوفة بالرهبة فين الولد فلان، فوقع قلبى فى الأرض مع كوب الشاى، غاب عن فطنتى أن صندوق البريد مثبت فى جدار دوار العمدة وأن ساعى البريد يسلم الخطابات لمن يلتقيه من الخفراء أو غيرهم ويتطوعون بتوصيلها ما لم تكن مسجلة بعلم وصول ينتظرها أصحابها، كل الجالسين فى المندرة راحوا ينظرون لى فى استرابة وقلق، سيما وقد ظهر الشحوب على وجهى خوفًا مما فعلت فقال أبى فى توجس: عمل إيه الواد؟ فأخرج الخفير من سيالته خطابا صلب القوام مكتوبا عليه رئاسة الجمهورية، وصاح: جاى لك جواب من جمال عبدالناصر، أى والله تلاتة بالله العظيم أهه، ثم قدمه لى وجلست طالبا كوباية شاى ثقيل حلاوة هذا الخبر.
حين خرجت صورة جمال عبدالناصر من المظروف المحترم، وقرأنا على ظهرها إهداء بخط يد جمال عبدالناصر وتوقيعه «إلى ولدنا فلان الفلانى مع الشكر»، طارت من حنك أمى زغرودة كفردة الحمام صارت ترفرف وتحوم فوق رؤوسنا ثم انطلقت إلى الشارع، التم الأهل والجبران وانتفضت الكلاب الراقدة فى الشمس ورفعت آذانها تستفهم من أصداء الزغرودة عن حقيقة الخبر.
راح الجميع يتخاطف الصورة ويقرأ ما خلفها، والمظروف واسم رئاسة الجمهورية، خرجت الصورة من المندرة إلى أهل حارتنا، ومن الحارة إلى الشارع داير الناحية، ومنه لفت شوارع البلدة كلها والكل فى بلدتنا انبهروا بالصورة والدهشه تعلو وجوههم، كأنهم يريدون التأكد من أن الصورة لجمال عبدالناصر فعلاً، وإذ يتأكدون بدليل إضافى هو المظروف المطبوع، يتعجبون كيف لرئيس فى جلال وهيبة جمال عبدالناصر أن يهتم ويبعث بصورته لمثل هذا التلميذ الفقير فى بلدتنا هذه البعيدة؟! حتى أبى الذى لم يكن معجبًا بجمال عبدالناصر بسبب موقفه من حزب الوفد ومن الرئيس الطيب محمد نجيب، سرعان ما ابتسم فى اغتباط وزهو، وبدا مستعدا لتغيير رأية بكل أريحية.
باتت الصورة حديث الناس فى مدرستنا وفى جميع أنحاء البلدة لوقت طويل، وأصبح الكثيرون من أبناء بلدتنا وكل البلدان يرسلون إلى جمال عبدالناصر فى طلب صورته فيرسلها إليهم ممهورة بتوقيعه، إلا أن الصورة كانت حدثاً لعب دورا كبيراً جداً فى توثيق علاقتى بعبد الناصر فى وقت مبكر جداً، وظلت العلاقة تزداد عمقاً وحميمية حتى فى أسود اللحظات التى عشناها تحت الهزيمة المنكرة فى 67 أصبحت أتصور أنه يعرفنى شخصياً، وأننى بذلك قد تميزت بشرف عظيم كأننى حصلت على رتبة، ومن ثم يجب أن أكون جديراً به وبها، أن أكون شيئاً مهما ذا قيمة من نوع ما، ولست أبالغ إذا قلت إن تلك الصورة كانت كثيرا ما تضىء فى ذاكرتى فى لحظات قاتمة من اليأس والإحباط وضراوة البؤس، فتشق فى جدار الظلمة سردابًا من الضوء، سرعان ما يأخذ فى الاتساع.





مشاركة




التعليقات 9

عدد الردود 0

بواسطة:

نحن بحاجه اليك ياجمال

الله يرحمك ياجمال ...كنت اسد

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد كامل

الزعيم

اخلاق الزعيم

عدد الردود 0

بواسطة:

عواطلي

يا ريته ما كان مغرور

عدد الردود 0

بواسطة:

محمود

أنبل رجال مصر

عدد الردود 0

بواسطة:

ناهد عنان

الزعيم والانسان ..

عدد الردود 0

بواسطة:

نبض مصر

الرجولة

عدد الردود 0

بواسطة:

حـامـد غـانـم

صورته فى القلب...

عدد الردود 0

بواسطة:

ابو العربى

الزعيم

عدد الردود 0

بواسطة:

نصر

جمال عبد الناصر القائد الخالد أبدا....حبيب الملايين

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة