صدر عن مشروع "كلمة" التابع لهيئة أبو ظبى للثقافة والتراث، ترجمة عربية لكتاب "مدخل إلى التاريخ الإغريقى"، من تأليف المؤرّخ الإيطالى المعاصر لُوتْشانو كَنْفُرا، وترجمه من الإيطالية للعربية التونسى عز الدين عناية.
يندرج الإصدار ضمن معالجة مسائل التاريخ القديم، المتصلة بالحضارة الإغريقية، وهو كتاب تاريخى علمى، يتوجّه إلى المعنيين بقضايا الحضارات القديمة وبالمعرفة التاريخية، وبشكل عام تبقى الكتابات التاريخية الإيطالية المترجَمة إلى اللسان العربى قليلة العدد، حيث إن تلك المدرسة التاريخية، البالغة التطور فى معالجة قضايا التاريخ القديم، لا تزال أطروحاتها وأبحاثها مغفولاً عنها فى أوساط المؤرّخين والباحثين العرب.
وبصفة الكتاب مدخلاً تاريخياً إلى العالم الإغريقى، فهو يتعرّض إلى مسائل ذات صلة بالتاريخ الإغريقى، من منهج الكتابة التاريخية إلى معالجة الحدث التاريخى بعينه، ويستهلّ المؤلّف كتابه بالحديث عن مسألتىْ السماع والمشاهدة للحدث التاريخى لدى المؤرّخ، فرواية الماضي، والغابر منه بالخصوص، محفوفة بالظنون، لذلك نجد مفاضلة بين السماع والمشاهدة، حيث عُدّ السماع أقلّ صدقا من مرأى العين. ثم يتطرّق الكاتب فى موضع آخر إلى تفحّص مُعطى الوثيقة التاريخية، مقراً أنه لا ينبغى إضفاء "قداسة" على الوثيقة، فقد لا تمثّل الحقيقة بالضرورة، وبسبب ندرة المصادر الأوّلية، يجد المؤرخ نفسه مدفوعاً للتعامل مع مرويات القدماء التاريخية باعتبارها وثائق، إنه سياق طائش، ولكنه يشكّل الأساس مع رواية التاريخ الإغريقى.
ويمثل استنطاق الحجر أحد السُبُل لذلك، فضلاً عن معالجة مخاطر انزلاق المؤرخ نحو الوثائق المزوّرة فى تدوينه، وهى مسألة عويصة لطالما بخّست من مصداقية العمل التاريخى، فضلاً عن تناول الكاتب سبل تخلّص المؤرّخ من المرويات الأسطورية، بغرض صياغة نص علمى، خصوصاً عند تعامله مع التاريخ القديم.
من جانب آخر، يتعرض المؤلف إلى مسألة الحدود الزمنية والجغرافية للحضارة الإغريقية القديمة، متى تبدأ وأين تنتهى؟ كما يتناول بالتحليل إجراءات ومفاهيم لا تزال راهنة حتى يوم الناس هذا، كحيازة الجنسية، ونشأة مفهوم الديمقراطية، وتطور مفهومىْ الحرية والشعب. فما كان يُطلَق عليه تسمية الشعب فى الجمهوريات الديمقراطية فى العالم القديم لا يماثل ما نطلق عليه نحن اسم الشعب. ففى أثينا كان يشارك كافة المواطنين فى مداولات الشئون العامة، لكنهم لم يكونوا سوى عشرين ألفا من ضمن أكثر من ثلاثمائة ألف من السكان، فى حين الباقى من العبيد ممن لا يُخوّل لهم ذلك.
مؤلّف الكتاب هو المؤرّخ الإيطالى لوتشانو كنْفرا، وهو من مواليد 1942، هو أستاذ فقه اللغات الكلاسيكية بجامعة بارى ومدير مجلّة "دفاتر التاريخ"، نشر العديد من الأبحاث منها: "تاريخ الأدب الإغريقى" 2001، "نقد الخطاب الديمقراطى" 2002، "يوليوس قيصر: الدكتاتور الديمقراطى" 2003.
أما المترجم فهو عز الدين عناية، أستاذ تونسى يدرّس بجامعة لاسابيينسا فى روما، كاتب ومترجم نشر العديد من الأعمال منها: "نحن والمسيحية فى العالم العربى وفى العالم" 2010. آخر ترجماته المنشورة "الإسلام الأوروبى" 2010، لعالم الاجتماع الإيطالى إنزو باتشى.