فصل من رواية عمار على حسن "شجرة العابد" التى تصدر قريباً

الإثنين، 20 يونيو 2011 11:45 م
فصل من رواية عمار على حسن "شجرة العابد" التى تصدر قريباً عمار على حسن

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
شعرت بالفراغ الكبير الذى تركته نمار فى حياتي. هذه المرة لم أكن أكابد شوقا إليها، لكنى كنت احتاج إلى قدرات جنية حصيفة كى تنقذنى من الورطة التى سقطت فيها. من بوسعه أن يفك الطلاسم التى وجدناها فى قلب الجرة؟ هل أنا؟ أنا كنت مجرد ناقل أمين لما كانت نمار تبوح به. ألقى إليها أذنى مليا، ثم يبدأ لسانى فى الترديد كالببغاء. لا حول ولا طول. لا قوة ولا جاه. قشة أنا فى مهب الريح. قطرة ماء واحدة على حجر صوان فى ظهيرة صيف قائظ، ومضة باهتة فى ظلام دامس، بعضه فوق بعض.

اليوم حفصة ملأت روحى عشقاً. لم أعد أرى غيرها. لكن هل حفصة تأتينى بخبر ليس بوسعى الوصول إليه كما كانت تفعل نمار؟ لا أعتقد أبداً. رحت أمشى ذهاباً وإياباً فى غرفتى الوسيعة. أردد كالمجنون صرخاتى المكتومة: آه يا عاكف، كيف يمكن أن تنام الليلة؟ فى مثل هذا الوقت من الغد ستكون جالسا على فشلك وزيفك، والمعاصير تجهز كى تهرس جسدك، فيصمت كذبك إلى الأبد.

كررتها عشرات المرات ثم ألقيت نفسى على السرير فاستيقظ الأرق، وأطلق أشواكه فى روحي. ساعات أتقلب مكانى حتى نضح النور من خصاص النوافذ، وراح ينبعث فى جنبات الحجرة. نهضت متثاقلا، ورميت بصرى نحو النيل المنساب فى هدوء، والخضرة الكثيفة التى تمتد على الشاطيء الغربى حتى تلتقى بطرف السماء. ملأت عينى من شجرة كافور عالية، تقف شامخة بين الزرع، وقلت فى نفسي: لو كان السلطان يطلب منى أن أكتشف له هذه الشجرة لعبرت الماء إليها وأهديتها إليه، ثم ضحكت فى مرارة، وقلت بصوت مسموع:
ـ شجرة الكنز، شجرة الدواء، شجرة العشق الإلهي، شجرة الإنس، شجرة الجن، شجرة الكون الفسيح، شجرة البداية والنهاية، أى شجرة هي، أى شجرة أنت.
ووصل صوتى إلى الحارس، فأتى مسرعاً وقال:
ـ أتأمر بشيء يا شيخنا؟
فنظرت إليه بابتسامة مرة وقلت:
ـ إلى بالرخ؟
فضحك وقال:
ـ إلى أين تريد أن تطير يا شيخ عاكف؟
فقلت وأنا أطالع عروق الذهب التى أهدتها الشمس للماء:
ـ إلى السماء البعيدة، عند نمار وأهلها العارفين.
فنظر إلىَّ بعينين كليلتين وقال:
ـ السماء نعرفها، لكن من نمار هذه؟
فقلت له دون ترتيب:
ـ هى طريقى إلى ما هو أبعد حتى من السلطان، وطريقى إلى الكذب والحيرة والضياع.
ونظرت إلى السماء فوقعت جمرة الشمس فى عيني، فارتد بصرى حسيرا. جلست مكانى وزحفت على نفسى جيوش من الكآبة. فى شرودى وصمتى الطويل جاء إلى ذهنى فجأة كلام نمار الأخير: "أفق لنفسك يا عاكف، سأتركك الليلة، وعليك أن تجلس مع نفسك طويلا تحاسبها وتعاتبها، ثم أغمض عينيك وابحث عن الطاقة المطمورة داخلك فاستحضرها وستغنيك عني، وستعرف بعد حين أن الإنسان هو خليفة الله فى أرضه، أعطاه من صفاته ومنحه من قدراته.، لكن أكثر الناس لا يعلمون".

أعدت كلماتها فى سرى مرات ومرات، وصرخت داخلي: "كيف السبيل إلى الطاقة المطمورة فى نفسى يا نمار؟ كيف أستحضرها؟ هل بوسعها حقا أن تغنينى عن خدماتك الجليلة التى أوصلتنى إلى هذا القصر وجعلت السلطان يتودد إليَّ؟

كان الحارس يقف على رأسى وأنا عنه ذاهل، فلما رفعت بصرى وجدته ثابتا وفى عينيه عجب. أمرته بالخروج، فقال وهو يهم إلى الباب:
ـ هل أنادى الخدم يحضرون فطورك يا شيخنا؟
هززت رأسى رافضا. خرج وأغلق الباب وتركنى لوحدتي.
ثقلت رأسى فأخذت جسدى وألقيته على الأريكة، وراح النوم يغزونى رويدا. يأتى ويذهب، فلا أنا يقظان ولا أنا نعسان. فى سنة من النوم رأيت الشيخ القناوي. كان يرتدى حلة خضراء لم أرها عليه من قبل. اقترب منى وأخذ يدى فى يده، وسحبنى إلى صدره برفق، وضمنى ضمة قوية اختلفت لها ضلوعي، ثم تركني، وابتعد عنى خطوتين وقال:
ـ كيف حالك يا عاكف؟
ـ ضائع بعدك يا شيخي.
ـ قلت لك ما لو وعيته ما ضعت أبداً.
ـ محنة قاسية ألمت بى وأنستنى الكثير.
فابتسم وقال:
ـ معلق أنت بين الأرض والسماء.
ـ بل مشدود بينهما بحبال غليظة، وأكاد أتمزق بين تحت وفوق.
فابتسم مرة أخرى وقال:
ـ ثبت قدميك فى التراب، الذى خلقت منه، وأطلق روحك تحلق فى الأقاصي، ولا تتعجل، فسيأتيك نصيبك فى أوانه.
ـ ثقلت همومى يا شيخي، واقتربت ساعة رحيلي.
فاتسع وجهه بابتسامة عريضة وقال:
ـ عمرك يا عاكف أطول مما تظن بكثير. لا تستعجل ما لم يتم فيه قضاء، وأمامك ما لم تعرف، فتذّوق على مهل، حتى تأتينا صافيا كأنك ماء رقراق.
نظرت إليه فى تعجب وقلت:
ـ لِمَ تقول ما لا أفهم يا شيخي؟
ـ لا تتعجل، فستفهم كل شيء فى أوانه، وتسترجع الكثير وأنت جالس تحت ظل شجرة لا مثيل لها، تشتم أريج زهرها الجميل، ورائحة فاكهتها اللذيذة، وتطل على الدنيا من عل، الناس هناك كالنمل يسعون إلى ما يسد رمقهم، وكالخراف الضالة يجرون وراء شهواتهم، وأنت تنعم بشجرتك المباركة أيها العابد.
ـ شجرتى المباركة، أعرفت حكايتى يا شيخى الطيب؟
ـ كثيرون هنا يعرفون حكايتك.
ـ أين؟
ـ ألم أقل لك لا تتعجل.
ثم تقدم نحو الباب، وقال قبل أن ينصرف:
ـ سر فى الطريق الذى سار فيه من قبل الحاج حسين.
ـ وطريقك أنت يا شيخي؟
ـ ليس لك.
ـ طيلة السنين التى خلت وأنا أظن أنه لي، وأننى سأعود إليه يوماً، وطالما تمنيت أن أظل عند حسن ظنك.
وهنا توقف عند الباب ورفع وجهه غاضباً، ووضع عينيه فى عينيَّ، وقال:
ـ ليس لك، ولا تجادل.
ثم تبخر.
استيقظت مذعوراً. وشعرت بضيق فى صدري، شيء لا أعرف ما هو قبض عليه حتى كاد أن يخنقني. جلست مكانى مشتت الذهن، وكلام القناوى الأخير يتردد فى رأسى بانتظام، يوخزنى كأنه مسامير حادة. نهضت وناديت الخادم وقلت له:
ـ أريد كسرة خبز يابسة.
نظر إلى متعجباً وقال:
ـ الفطور السلطانى جاهز يا شيخنا.
ـ لا شهية لي، ومثلى يجب ألا تخدعه لذة لن تدوم.
قضمت الكسرة بنفس غير راضية، ثم تركت الأمر لقدمى تذهبان بى إلى حيث شاءتا.
وجدت نفسى أمام مسجد الأمير لاجين السيفى بمئذنته القصيرة الرائعة، فدخلت وجلست إلى جانب العمود الأخير من الناحية اليمنى، وأخذت أنفاسا عميقة كأننى أريد أن أطرد بالهواء الجديد هواء فاسدا راكدا فى جنبات صدري. غلبنى نعاس فنمت حتى أذن المؤذن لصلاة الظهر، وجاء الناس يدبون على الأرض بمراكيبهم الخشنة القاسية، فتوضأت وصليت معهم، وخرجت أجر قدمى كيفما شاءت، فوجدت نفسى أمام خانقاه الأميرين سلار الناصرى وسنجر الجاولي.

رحت أبص فى وجوه الذاكرين الوضيئة، وأتفرس فى حروف الخط الكوفى البديعة. بدت لى وقتها أشبه بالطلاسم المرسومة على ظهر الورقة التى وجدتها فى "خص" الحاج حسين. سرت إلى مدرسة الأمير صرغتمش، ورأيت طلاب العلم يخرجون بعمائمهم البيضاء فى جماعات، وتذكرت أيام القناوى الذى درّس فيها ذات يوم الحديث النبوى والفقه الحنفي، وكثيرا ما أفاض لنا فى إعجابه بإيواناته الأربع وفسقيته البديعة. انتهى تسكعى عند جامع أحمد بن طولون، فطفت حول مبناه الكبير الذى يغطى ستة أفدنة كاملة.

هاهى مئذنته الملتوية ذات السلم الخارجي، تشبه جسدى الذى ترنح إعياء من التجوال بلا هدف، وهاهى محاريبه الجصية، وسوره العالى الممتد، يقبضان على عينى الكليلتين، فتتلهى بهما، إلى أن تحين الساعة المحتومة.

ها أنا أتجول فى المكان الذى حللت به قديما. رآنى رجل أتفرس فى المنمنمات العجيبة، مأخوذاً بها، لا أحيد عنها، فوضع يده على كتفى وسألنى السؤال الذى ألفته منذ مجييئى إلى المحروسة:
ـ الرجل غريب؟
فالتفت إليه، وقلت له:
ـ من الصعيد.
فابتسم وقال:
ـ لو ذهبت إلى مسجد السلطان حسن ستنسحر أكبر يا صعيدي.
فقلت له سأذهب، فقال:
ـ حمارى خارج المسجد إن كنت ستكتريه.
فخرجت معه، وقفزت راكبا. فلما استويت على ظهر الحمار، سحب هو اللجام، وقال بصوت أجش آمراً حماره:
ـ إلى جامع السلطان حسن.

كنت أعرف كم هو مسجد بديع، فطالما تحدثنا فى الزمان البعيد عنه باعتباره ذروة الفن الإسلامي. قلت لنفسى سأذهب، وأضرب بقدمى جوار القلعة العتيدة. ومشيت الهوينا، متلفتا حولي، وكأنى لص فى سوق، حتى امتلأت عيناى بقباب المسجد ومآذنه الشاهقة. ودخلت من الناحية الشمالية، ومررت تحت حنية عميقة مزينة بحشوات هندسية بديعة تنتهى بنصف قبة تتدلى منها المقرنصات حتى سطوح الجدران.

اتكأت على مصطبة محلاة بالرخام الملون، وعينى تتنقل بين شباك الجص والمستطيلات الزخرفية التى نحتت فى الحجر بيد صناع مهرة، حتى وصلت إلى الدركاة المعقودة التى تنتهى إلى الصحن الكبير المربع المفروش برخام ينطق بالروعة، وتتوسطه ميضأة تعلوها قبة خشبية بديعة محمولة على ثمانية أعمدة رخامية. تهت لدقائق فى آية الكرسى المكتوبة بدائر القبة.
"اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَى الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِى يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا! شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِى الْعَظِيم"
***

انتهى بى الحال إلى جلسة قصيرة أمام المحراب والمنبر، أملى عيني، وأقول فى سري:
ـ يا لروعة الفن.
ربما أردت أن أودع كل شيء ويكون عالمى القديم الجميل آخر ما تراه عينى من المحروسة. كنت أسكن فى منزل ملاصق لمسجد الأمير شيخون العمرى الناصري، الذى كان يحوى خانقاه طالما أفاضت علينا بأرزاق لا تنسى. أهبط من غرفتى الوسيعة بالطابق الثانى إلى حيث ينتظر الدراويش طعامهم، فأقف بينهم وآكل مما خصص لهم. يلتهمون طعامهم ويعودون إلى الذكر، وأزدرد أنا ما نلته وأعود إلى مطالعة كتب الفقه، والتفكير مبتهجا فى الخروج الكبير على السلطان، والذى ستصنعه سواعدنا الفتية، وهى تلمع بسيوف قاطعة تتراقص خلف عمامة القناوى البيضاء.

كل شيء راح. ذهب القناوى إلى حيث يذهب الناس فى النهاية، ودخلت سيوفنا أغمادها إلى الأبد، وتفرقت بنا السبل فى البلاد، وراكم الزمن على نفوسنا من الخذلان ما ليس بوسعنا أن نطرده بيسر.

انتهت حياتى من التمرد إلى البحث عن الشجرة، والشجرة هنا لن تكون شيئا سوى أساطير الأولين، إن لم أمسسها أو أراها أو أتذوق طعم ثمارها أو أستظل بوارف أوراقها العريضة الطويلة، فلن أقول لأحد إنها موجودة على ظهر الأرض. لكن منذ متى كان الموجود هو ما نحسه، أليس فى الكون من المعجزات ما لا نستطيع أن نمسك به. ألم أر الأرض وأنا هناك فى الفضاء البعيد مع نمار برتقالة سوداء ضائعة فى الهواء؟
آه من تصاريف القدر. لماذا تتهادى إلى ذهنى فى هذه اللحظة خواطر عن الكون الفسيح والنهايات المكتملة؟ لماذا أتفرس فى ملامح البنايات كأننى أودعها إلى الأبد؟ أهى نهايتي؟ أبينى وبين الرحيل لحظات؟
هناك على بعد خمسمائة خطوة من هنا يوجد سلطان منتظر فى قلعة عالية الأسوار، من يدخلها ينغلق وراءه كل شيء، وتنقطع صلته بأسباب كثيرة. ساعات قليلة ويطلبنى وأذهب إليه محمولا على خوفى وخيبتي.

قبيل العصر قفلت راجعاً، وأنا أشعر فى كل خطوة أخطوها أن عيونا كثيرة تتابعني. فالسلطان لن يترك رجله الثمين يتنقل فى المحروسة بلا حراسة، وكل البصاصين جاهزون لأداء هذه المهمة، التى يمارسونها ليل نهار.
وصلت القصر فوجدت رسولاً من والى منفلوط ينتظرني. صافحته وقلت له:
ـ خيراً.
فهمس فى أذني:
ـ أريدك على انفراد.
ابتسمت وقلت ساخراً:
ـ نحن على انفراد.
تلفت حوله وقال:
ـ هذه العيون تراقبك، الحراس والخدم وحتى تراب الطريق الذى تسير عليه فى تجوالك الدائم. كل هذا يعمل عليك عمل البصاصين.
استرجعت كل شيء فى لحظة وقلت له:
ـ لندخل.
دخل ورائى حتى جمعتنا غرفة داخلية بلا نوافذ، قال وهو يفتحها:
ـ أوصانى الوالى أن أتحدث إليك فيها، ووصفها لي، إنها غرفة الأسرار، تبتلع أحجارها الصماء الكلام فلا يصل إلى كل من يسترق السمع.
لما اختلينا قال بصوت هامس:
ـ عرف الوالى نبأ لا بد من اطلاعك عليه قبل أن تذهب إلى السلطان الليلة.
ـ ما هو؟
ـ السلطان مريض.
تهللت أساريري:
ـ سيؤجل الموعد المشهود.
ـ لا تأجيل.
ـ ما الأمر إذاً.
ـ لهفة السلطان على الوصول إلى الشجرة المباركة ليست من أجل الكنز فقط، بل بحثا عن شفاء لابنه من داء عضال.
ضربت كفا بكف وصرخت:
ـ اكتملت المصيبة.
رفع الرجل وجهه إلى مندهشاً وقال:
ـ أبعد الله المصائب يا شيخ عاكف، كل ما فى الأمر أن حاجة السلطان إلى الشجرة أصبحت أكثر إلحاحاً.
ـ وهل هذا يضر والى منفلوط؟
ـ السلطان يعتقد أن شفاء ابنه لا يكتمل إلا إذا استحم مرات بالسائل الذى سينضح من تحت لحاء الشجرة، وقد يستأثر بكل ماء الشجرة فلا يحصل مولاى على شيء.
ـ كيف لى أن أرد طمع السلطان وأنت تعرف طبعه؟
ـ تقول له أنه يكفى المريض أن يستحم مرة واحدة من ماء الشجرة، ويشرب منه عشرة كؤوس على ثلاثين يوماً.
ـ هل تريد منى أن أكذب عليه؟
ـ لا كذب يا شيخنا الطيب، أوهام السلطان تركها فى ذهنه ساحر مغربي، علمه قليل لا يضاهى علمك، ثم رحل.
ـ لكن السلطان لا يزال يصدق هذه الأقوال.
ـ يصدقها فقط لأن الساحر استطاع أن يعالجه قبل خمس سنوات من مرض القولنج. كان السلطان فى كرب، يعانى من إسهال دموى وألم مفرط، وقد نحل جسمه وزاغ بصره، فتمنى وقتها الموت. شفى السلطان وأجزل للساحر العطاء وأعاده مكرماً إلى بلاده، فلما راح داء غريب ينهش كبد ابنه أرسل فى طلب الرجل فجاءه مسرعاً. وصف أدوية، وأعد رقيات، وكتب تعاويذ، وأطلق بخوراً، وقال وفعل كل ما فى وسعه بلا فائدة. الولد لا يزال مريضاً، والسلطان يخفى الخبر عن الجميع لأنه يطمع أن يرث ابنه السلطنة، لكن لا سر يظل خافياً بين المماليك.
ـ أهو الساحر الذى دل السلطان على الشجرة؟
ـ لا، ساحر غيره، وكان هذا قبل سنوات. السلطان أيامها لم يكن يهمه من الشجرة سوى أنها كنز عظيم.
هززت رأسى وقلت له:
ـ ليقضى الله أمرا كان مفعولاً.
جزع من قولي، واقترب منى متوددا وهمس فى أذني:
ـ أرجوك يا شيخ عاكف، لا تنس طلب مولاي، هذا معروف تؤجر عليه، وأنت رجل صالح.
ثم استدار وغادر الحجرة صامتاً، وتبعته حتى خرج من القصر.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة