شنَّ الناقد الدكتور صلاح فضل مقرر لجنتى الأدب والثقافة بمجمع اللغة العربية ثورته الثانية بعد مضى أكثر من ست سنوات على ثورته الأولى عليه، رافضًا منهج المجمع فى اختياره للشيوخ الطاعنين فى السن بدلاً من التركيز على الشخصيات الناضجة وكبار الأدباء والمفكرين، ومؤكدًا على أن البيروقراطية والنمطية والتآكل الداخلى قد لعب دورًا فى تحجيم دور المجمع، وهو ما دفعه لتقديم استقالته داعيًا إلى ضرورة تداول السلطات فى كل المستويات بالمجمع.
وقال د.صلاح فضل فى تصريحات خاصة لــ"اليوم السابع" هناك مفارقة واضحة فى المجمع بين الصورة الخارجية التى يتخيلها الناس عنه، والحقائق التى يلمسونها عندما يتسنى لهم أن يتطلعوا على مجريات الأمور فيه، مضيفًا، فلا شك أن اللقب الذى حازه المجمع باعتباره "مجمع الخالدين" هى صورة ذات هالة رفيعة أحاطت بكيانه منذ فترات ازدهاره عندما كان يضم كبار مثقفى مصر مثل طه حسين وعباس العقاد ومن قبلهم لطفى السيد، وقد أخذت تتغير بمرور الأيام وانتهى به الأمر الآن إلى أن يصبح فيه جملة غير معروفة باستثناء بعض الأسماء اللامعة فيه، وأعتقد أن البيروقراطية والنمطية والتآكل الداخلى قد لعب دورًا فى تحجيم دوره وأثره وساعد على ذلك عدة عوامل.
أولها، لم يعد المجمع حريصًا على أن يستقطب كبار المفكرين وقادة الرأى وأعظم الأدباء من الشعراء والروائيين والفلاسفة والنقاد ويكفى أن نذكر أن عملاق الرواية العربية نجيب محفوظ قد عاش طيلة القرن العشرين ولم يفكر أحد فى أن يدعوه لعضوية المجمع، بينما كان أثره البارز فى إحياء اللغة العربية وتكييف أساليبها وضخ دماء الحيوية فيها ليفوقوا أثر المجمعيين بأكملهم، ونحن نجد الآن أن الشعراء الكبار مثل أحمد عبد المعطى حجازى، ومحمد إبراهيم أبو سنة، وروائيين فى ذروة الإبداع مثل إدوارد الخراط، وبهاء طاهر وجمال الغيطانى، وخيرى شلبى، وصنع الله إبراهيم، مازالوا خارج المجمع، ونقادًا أمثال الدكتور جابر عصفور وعبد المنعم تليمة ومحمد عبد المطلب ويوسف نوفل بالرغم من المحاولات الجادة فى السنوات الأخيرة لترشيح بعضهم للعضوية، إلا أن أحدًا منهم لم يستكمل الأصوات الضرورية لدخولهم حتى الآن.
وثانيًا، هو أن غالبية أعضاء المجمع اليوم، هم من خيرة علماء مصر فى الفروع العلمية والبحثية وفى اللغويات وبعض العلوم الإنسانية، لكن انكفائهم على تخصصاتهم الدقيقة العلمية واللغوية والتاريخية وغيرها جعلهم لا يقدرون من يسهمون فى الحياة العامة، ويظفرون بقدر من الشهرة والتأثير المجتمعى، بل يرون أن ذلك نقصًا فى المرشح، لأنه مشهور أكثر مما ينبغى، على الرغم من أن الشهرة الفكرية والأدبية تشهد لصاحبها بقوة التأثير وليس بمجرد الشيوع الإعلامى كما يتصورون.
وثالثًا، أنهم يميلون الآن إلى اختيار الشيوخ الطاعنين فى السن بدلاً من التركيز على الشخصيات الناضجة التى مازلت لديها مساحة من الوقت والطاقة قد تسهم جديًّا فى رفع شأن المجمع وتفعيل تأثيره.
وذكر فضل: مازلت أذكر أن العالم الجليل الدكتور محمد عبد الفتاح القصاص عندما انتخب لدخول المجمع فى العام الماضى وهو قد تجاوز التسعين من عمره قال فى خطاب دخوله "ليتكم تذكرتمونى قبل عشرين عامًا عندما كان بوسعى أن أبذل جهدًا لإعلاء اللغة العربية".
وأضاف رئيس الجمعية المصرية للنقد الأدبى "إن هذا النزوع لاختيار الشيوخ بعد استنفاذهم لطاقاتهم يسبب عاملاً رئيسيًا فى ركود نشاط المجمع، بالرغم من محاولات المجمع الدائبة للقيام برسالته وأحسب أن ثورة 25 يناير الشابة لا بد لها أن تؤثر بشكل ما على معايير الاختيار حتى تسمح لا للشباب اليافعين وإنما للرجال الناضجين بأن يأخذوا طريقهم إليه.
وكشف فضل لقد أثرت فى آخر جلسة للمجمع فى الأسبوع الماضى عن أهمية تجديد شباب المجمع عن طريقة تشكل فرقة بحث من شباب اللغويين والأدباء تعمل فى مشروعات مستقلة من أجل تنمية اللغة العربية، وتصبح هى النواة لتطعيم المجمع بالعناصر الشبابية الفتية، وعلى الرغم من أن لدينا قرابة عشر أماكن شاغرة حتى الآن فإن الانتخابات فى السنوات الأخيرة لم تسفر سوى عن دخول عضو أو اثنين كل عام مما يفرض علينا ضرورة أن نملى كل هذه الفراغات فى الدورة القادمة وأن نستأنف مرحلة جديدة تتسق مع روح ثورة مصر ونهضة شبابها.
وأضاف، كما دعوت فى هذه الجلسة أيضًا إلى ضرورة تداول السلطة والديمقراطية فى المجمع وألا يستمر أى فرد فى مركزه القيادى أكثر من دورة أو اثنين على الأكثر، وبدأت بنفسى وقدمت اعتذارى عن عدم استمرارى فى عملى واستقالتى كمقرر للجنتى الأدب والثقافة لإتاحة الفرصة ليقدم زملائى ما لديهم من أجل نهوض المجمع.
وتابع فضل: هذه هى المرة الثانية التى أحاول فيها تجديد آليات العمل بالمجمع، فكانت المرة الأولى منذ ست سنوات عندما طالبت المجمعيين بضرورة العناية باللغة العربية فى التعليم وفى وسائل الإعلام المختلفة وفى مؤسسات المجتمع المدنى، وكان من نتائج ذلك تكوين ثلاث لجان تولد عنها هذه المؤتمرات الأخيرة التى عنيت بقضايا اللغة ومؤسسات الإعلام والمجتمع المدنى.
المجمع يحتاج إلى أن تضافر جهود منظمات المجتمع المدنى وأن تنشط جميعها وتتبنى قضايا اللغة العربية وإعطائها ما تستحقه من أولوية وعناية وأن تدرك أن اللغة العربية هى هوية مصر وهى صانعة عقلها ومستقبلها، وهى الرافعة التى تنهض بها فى مختلف جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية.
موضوعات متعلقة:
مثقفون يتساءلون: متى تصل الثورة لـ"مجمع اللغة العربية"؟
عدد الردود 0
بواسطة:
سعد عبد الرازق
نبض صادق
عدد الردود 0
بواسطة:
سعاد
موقف محترم
عدد الردود 0
بواسطة:
سيد
حظيرة أخرى!!!
عدد الردود 0
بواسطة:
ماهرماقاوى
غريبة