عالم..داخلى
صورة أردوجان
تناول تقرير لمركز دراسات سياسية بواشنطن، "تنامى الدور التركى فى الشرق الأوسط والعلاقات التركية الأمريكية والانتخابات البرلمانية الأخيرة، وفوز رجب طيب أردوجان".
وفيما يتعلق بتركيا والشرق الأوسط، أوضح "مركز الدراسات الأمريكية والعربية" أن أردوجان أكد فى خطابه بعد النجاح الانتخابى الأخير على نية بلاده لعب دور أكبر فى الشئون الخارجية، خاصة فى الشرق الأوسط. وقال المركز فى تقريره، إن هذا التوجه يدل على الدور المتعاظم والحيوى الذى تلعبه تركيا فى أفغانستان وليبيا وسوريا وحتى مصر.. وفى البعد السورى، فإن تدفق اللاجئين عبر الحدود المشتركة مع تركيا يعتبر محط اهتمام السياسة التركية، ليس من وجهة نظر إنسانية فحسب، بل لدورها المقبل فيما تراه حقبة سورية جديدة حرجة مفتوحة الاحتمالات.. إذ استضافت على أراضيها انعقاد مؤتمر لرموز ما يطلق عليهم المعارضة السورية وتقديم كافة وسائل الدعم لهم.
لكن الوقائع على الأرض تشير، حسب قول التقرير، إلى أن الدور التركى فى تصعيد الأزمة فى سوريا لصالحها يدفع باتجاه صعود نمر سياسى قد يكون من الصعوبة إزاحته.. وبالرغم من رغبة تركيا فى رؤية جارتها السورية مطواعة، إلا أن الثمن الاجتماعى والسياسى قد يكون باهظا، خاصة أنها تخشى انتقال عدوى الأحداث فى سوريا إلى أراضيها فى المناطق الحدودية التى يقطنها العلويون.
وقال التقرير، إن ردة الفعل السورية جاءت سريعا باستغلالها الورقة الكردية وتلميحها إلى إقامة منطقة كردية تتمتع بالحكم الذاتى، الأمر الذى تأخذه تركيا بقدر كبير من الجدية.
وأوضح مركز الدراسات الأمريكية والعربية أنه لا ينبغى أن يتم تجاهل رغبة كل من سوريا وتركيا فى لعب دور إقليمى أكبر، خاصة فى العراق والمسألة الكردية.. مشيرا إلى أنه "كان من شأن الخطوة السورية باتجاه الأكراد تعاظم دورها فى المناطق الكردية فى شمال العراق وأيضا فى سوريا وتركيا".
أما فى الشق الفلسطينى، حسب هذه الدراسة، فإن الرعاية السورية لحركة حماس والقوى الفلسطينية الأخرى قد قلص من النفوذ الذى قد تلعبه تركيا فى البعد الفلسطينى.. علاوة على أن التحالف الإيرانى السورى بدعم حزب الله يعزل تركيا مرحليا من بسط نفوذها إلى داخل لبنان.
وأشارت دراسة مركز الدراسات الأمريكية والعربية إلى أن التحول التركى التدريجى من العلمانية إلى التحلى بالقيم الإسلامية قد عزز دور تركيا لدى الحكومة السعودية التى تمتلك استثمارات كبيرة فى تركيا، مما يشجع النمو الاقتصادى فيها، وهو الأمر الحاسم فى فوز حزب العدالة والتنمية.
لكن الاهتمام التركى الأساسى قد يكون فى محيط العراق وسوريا ولبنان، بل فى فلسطين، خاصة بعد احتضان الحكومة التركية لمسيرة القوافل لفك الحصار عن غزة، مما عزز مصداقيتها لدى الشعوب العربية.. وهنا تكمن المخاطرة لدى الطرفين السورى والتركى.. فتركيا جاهزة للعب بورقة العامل "الإسرائيلى" وعودة العلاقات الثنائية إلى سابق عهدها فى أى وقت تشاء وتسخين الجبهة الشمالية مع سوريا ولبنان، إن مضت سوريا فى تشديد الضغط على تركيا.. وهذا الوضع يكسبها نفوذا إضافيا لدى الولايات المتحدة.
وقد برزت بوادر مشجعة لعودة العلاقات الحميمية سابقا بين الأسد وأردوجان إلى عهدها، عبر التواصل الثنائى المباشر بينهما وعبر مبعوث الأسد الخاص لتركيا لنزع فتيل التوتر، ومعالجة مسألة اللاجئين على جانبى الحدود بينهما.
وفيما يتعلق بتركيا والولايات المتحدة، أوضح مركز الدراسات الأمريكية والعربية، أن الولايات المتحدة تنظر إلى تركيا من زاويتين، هما الموقف تجاه الاتحاد السوفيتى (سابقا) بحكم سيطرتها على مضيق البوسفور الحيوى، وسياستها نحو "إسرائيل".
وفى الزاوية الأخيرة، بذلت الولايات المتحدة جهودا كبيرة لتعميم النموذج الإسلامى التركى.. النموذج المتصالح والمطبع مع إسرائيل، وما تصفه الدراسة بـ"تغريب" القيم الدينية، وهو ما نشهده حاليا من تصدر تركيا القضايا الاستراتيجية التى تهم الولايات المتحدة فى المنطقة.. بدءاً من الملف النووى الإيرانى، مرورا بالحركات الإسلامية فى فلسطين ومناطق أخرى، وليس انتهاء بتسيير قوافل الحرية لقطاع غزة.. ولا يغفل على المرء الدور المركزى لتركيا فى حلف الناتو واستخدام أراضيها وأجوائها لدول الحلف و"إسرائيل".
وبانتهاء الحرب الباردة، سمح لتركيا بتعاظم قدراتها ودورها مع المحافظة على علاقتها التطبيعية مع إسرائيل، التى تؤتى أكلها حاليا فى استهداف سورية من الطرفين.. وعليه، تطورت نظرة الولايات المتحدة للدور الذى يمكن لتركيا أن تلعبه فى الإقليم، خاصة دورها الفاعل فى هجوم دول حلف الناتو على ليبيا، وهى التى نشرت ست قطع بحرية تركية فى مواجهة السواحل الليبية لفرض الحظر عليها.
ويعتقد بعض المحللين أن السياسة التركية تتسم بالبراجماتية والحسابات النابعة عن مصالحها الذاتية، خاصة أن لديها عدة استثمارات لشركات تركية فى ليبيا تقدر بعدة مليارات من الدولارات، مضافا إلى الحجم الكبير للقوة العاملة التركية فى ليبيا.
ومن هذا المنطلق، تدفع تركيا باتجاه إيجاد حل سياسى للأزمة الليبية بخلاف دول الناتو الأخرى التى تطالب بإقصاء الزعيم الليبى معمر القذافى بالقوة، ويتعاظم دور تركيا أيضا فى الحرب الدائرة فى أفغانستان، وهى التى أرسلت تعزيزات إضافية لقواتها المرابطة هناك استجابة للنداء الذى وجهه الرئيس أوباما قبل عام ونصف بدعم القوات المقاتلة بمزيد من القوات.
وتتمركز القوات التركية فى العاصمة كابول ومحيطها، حيث تقوم بتدريب قوات الشرطة والجيش الأفغانى، وفيما يتعلق بالانتخابات البرلمانية الأخيرة فى تركيا، فقد أوضح مركز الدراسات الأمريكية والعربية أنها وصفت بالتاريخية، نظرا لأنها جددت للمرة الثالثة الثقة فى حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوجان، الذى يعد أول رئيس وزراء فى تاريخ تركيا ينجح فى ثلاث دورات انتخابية متتالية.
ولكنه لفت إلى أن الحزب خسر نحو 15 مقعدا مما حرمه الأغلبية الدستورية المطلوبة لتمرير برنامجه وحده دون الالتفات إلى شركاء آخرين، وعليه فإن الانتخابات أسفرت عن بقاء الوضع الراهن كما هو، مع الإقرار بمركزية حزب العدالة والتنمية فى قيادة تركيا وتشكيله حكومة دون إشراك أى من الأحزاب الأخرى.. لكن النتيجة حرمت الحزب من إجراء تعديلات دستورية يعتبرها مفصلية دون استيعاب بعض منافسيه.
ومما لا شك فيه أن الفوز الكاسح لحزب العدالة والتنمية مرده نجاحاته المذهلة فى الاقتصاد التركى، وليس نابعا من الجدل المستديم حول الهوية الإسلامية مقابل الهوية العلمانية لتركيا، أو الاتجاه غربا أو شرقا فى الاهتمامات الإقليمية.. بل إن حزب العدالة والتنمية استثمر كثيرا فى البنى التحتية التى أدت إلى النمو الاقتصادى وثقة الشعب التركى به.
ولكن هذا النجاح، كما يقول المركز فى تقريره، يؤسس لرغبة الحزب المستقبلية بالاحتفاظ بالسلطة وإمكانية انتهاج سياسة خارجية نشطة.. وأصبح بديهيا أن أردوجان يستطيب موقع السلطة القوى، ويسعى إلى إدخال تعديلات دستورية تخوله الترشح للانتخابات الرئاسية على هدى النظام الرئاسى الفرنسى، أى انتخابات رئاسية مباشرة.
