كم تمنيت أن يختفى هذا المشهد المقيت كم شعرت بالأسى والحزن والضيق عندما رأيت هذا المشهد كم نحن ظالمين أنفسنا أتحدث عن الأم والأب وهما واقفان أمام المدارس فى انتظار خروج أبنائهما من لجان الثانوية العامة، كم هو محزن أن تجد الأب والأم والابن وهم يبكون، كم هو مؤلم أن تشعر أننا نجلد أنفسنا من أجل لا شىء كم هو مشهد قاسٍ عندما تجد قطرات الدموع الطاهرة تسيل من خد إحدى أمهاتنا ياااااااااااااااااااااه، أشعر بالضيق عندما أشاهد الأم أو الأب يحتضن الابن ويبكى بسبب صعوبة الامتحان أو عندما لا يوفق الابن فى الحل لماذا كل هذا؟؟!!
هذا المشهد يتكرر كل عام بنفس الدراما السوداء التى تصحبه ولكن الجديد فى الأمر هذا العام هو مشهد أشد خطورة من المشهد الذى سبقه، عندما تسير فى الشوارع وبجوار المدارس لتجد أفراد الجيش وهم يحيطون المدارس من أجل حمايتها، عندما تسير بجوار إحداها وتجد مجموعة من رجال الجيش وهم يعتلون أحد الأسوار المرتفعة داخل المدارسة لتأمين امتحانات الثانوية العامة، تشاهدهم وهم رافعين أسلحتهم الرشاشة وموجهة صوب كل من يفكر أن يعتدى على لجنة الامتحان، خطورة المشهد ليس فى وجود رجال القوات المسلحة فى حد ذاته - فهم مشكورون على هذا الجهد الذى يبذل فى أماكن أعتقد أن من المفترض عدم وجودهم فيها - خطورة المشهد فى دلالته عندما يكون امتحان سنة دراسية له أهمية بهذه الدرجة فهذا يدل على وجود خلل ما فى المنظومة التعليمية، عندما يقف ضباط جيش حاملين أسلحتهم من أجل امتحان لا يسمن ولا يغنى من جوع فهذا يدل على تراكم لمشكلة لا نريد أن نتخلص منها، عندما نهتم بأمر يجعلنا نعلن حالة الطوارئ داخل بيوتنا قبل أن يعلنها رجال القوات المسلحة فهذا يدل أننا لا نفكر فى انهاء هذا الكابوس عندما نظلم أبنائنا قبل أن يظلمهم شخص آخر عندما نربيهم على الخوف قبل أن يهاجمهم عندما نقمعهم قبل أن يقمعهم شخص آخر عندما نصيبهم بالفزع قبل أن يجدوه لذلك لا تتعجب أن تقوم الثورة على ظلم فاسد وجائر بعد ثلاثين عاما، ولم تقم الثورة طيلة هذه المدة، إننا قمعنا وظلمنا وربينا أبناءنا على الخوف قبل أن يظلمنا ويقمعنا النظام السابق أتساءل لماذا كل هذه الفزاعة من امتحانات الثانوية العامة؟!
كلنا يعلم مدى فشل هذا النظام العقيم وكلنا يعلم مدى تدهور نظامنا التعليمى لماذا هذه الفزاعة وكلنا يعلم نسبة البطالة داخل المجتمع المصرى إلى متى نظل نقتل الإبداع داخل أبنائنا، وإلى متى نفكر فى الحصول على شهادات دراسية دون النظر إلى جودة هذه الشهادات ألم يأن الأوان لكى تفكر الدولة فى وضع نهاية لهذه المهزلة؟ ألم يأن الأوان أن نعلم أبناءنا كيف تكونون مبدعين بدلا من أن نربيهم على إستراتيجيات الحفظ والتلقين؟ ألم يأن الأوان أن نفكر ملياً قبل أن نجبر أبناءنا على الانخراط فى بعض التخصصات من أجل جنى المال وفقط؟ ألم يأن الأوان أن نجعل أبناءنا يرسمون مستقبلهم بأنفسهم بدلا من أن نفرض عليهم مستقبلا متدنيا لهم ولبلدهم؟ أتركوهم يرسمون مستقبلهم، اتركوا أحلامهم تلامس السحاب اتركوهم يعيشون التجربة اتركوهم يفكرون فى طرق مبتكرة تقضى على مشكلاتنا المستعصية، أخشى من فرط التضخيم أن يأتى اليوم الذى نجد فيه الطلاب يؤدون امتحانات الثانوية العامة داخل دشم حربية أو تحت حراسة المروحيات القتالية.
