قال الناقد الدكتور صلاح فضل مازلت أذكر كلمة الزعيم المصرى الليبرالى مصطفى النحاس عندما كان يقول "السياسى الذى يبدأ خطابه الدينى قائلاً بسم الله ليس إلا نصابًا، لأنه باعتباره سياسيًا لم يفوضه الله سبحانه وتعالى ولا أى بشر أن ينطق باسمه، فالسياسى لا يملك إلا أن يلتمس التصويت من صاحب الإرادة الحقيقة وهو الشعب؛ ولذلك فمن ينطق بسم الله يضلل المستمعين إليه"، وذلك فى السياسة على وجه التحديد.
وأضاف فضل خلال الندوة التى عقدها منتدى الحوار التابع لمكتبة الإسكندرية، أمس الأول ببيت السنارى، أن ما حدث بعد ثورة 25 يناير وحتى الآن، هو أن جماعات كثيرة كانت محرومة من التعبير والحوار ومن حق الوجود أساسًا، إلا أنها نفسها فجأة حرة وللمرة الأولى، دون أن تتدرب وتستعد لهذه اللحظة، ودون أن تتربى لممارسة هذه المرحلة.
وتابع: كنت دائما أواجه من يقولون بأن الشعب المصرى غير قادر على ممارسة الديمقراطية بـ"أن الديمقراطية مثل السباحة، مهما قرءنا من الكتب عنها فلن نستطيع أبدًا أن نطفو بأجسادنا فوق المياه، إلا عند اللحظة التى نخلع فيها ملابسنا ونرتعش عند ملامسة الماء البارد لأجسادنا ونكاد نشهق ونحن نواجه الغرق ونصنع كل ما بوسعنا كى نطفو بجسدنا فتلك هى اللحظة التى نتعلم فيها السباحة"، وتلك هى اللحظة التى نعيشها الآن مثل الأطفال حينما يتعلمون كيف يحافظون على توازنهم.
وأوضح فضل أن الجماعات التى كانت محرومة من الحوار والأخرى التى كانت تحدث نفسها لابد أن تمضى عدة شهور حتى تتبين عيناها كيف تنفتح فى الضوء ويعرف لسانها كيف يتبادل حوارًا مع الآخر، ويعرف ممثلوها كيف يعترفون بوجود هذا الآخر، فالمشكلة الأساسية فى تقديرى التى تؤدى إلى كثير من توترات اليوم هى أن مجموعات كثيرة لم تتعود على الحوار، ولم تتمرس بالحياة العامة وكيف تجعل من الاختلاف أكثر الأشياء طبيعيةً وتلقائيةً، وتتدرب على قبول هذا الاختلاف عمليًا، وليس نظريًا.
وأكد "فضل" على أن من يقول إن الشعب المصرى، شعبٌ متدين، لا يخطئ فى ذلك؛ لأن حقيقة الرصيد الروحى للشعب المصرى من العهد الفرعونى إلى اليونانى البيزنطى إلى القبطى إلى الإسلامى حتى اليوم حقيقة يعرفها كل من يعرف تاريخ هذا الوطن المتمثل فى الرصيد الروحى والفنى والإبداعى والثقافى، مضيفًا، ولكن هذا الحس المرهف الدينى العميق الإسلامى المسيحى لا ينبغى على الإطلاق أن يكون موضوعًا للمزايدة السياسية، ولا وسيلة لنفى الآخر ولا سبيلاً إلى سدّ طريق التطور الديمقراطى أمامنا، فليس من حق أحد أن يحتكر الحديث باسم الدين، ومازلت أذكر كلمة جميلة للزعيم المصرى الليبرالى مصطفى النحاس عندما كان يقول "السياسى الذى يبدأ خطابه الدينى قائلاً بسم الله ليس إلا نصابًا، لأنه باعتباره سياسيًا لم يفوضه الله سبحانه وتعالى ولا أى بشر أن ينطق باسمه، فالسياسى لا يملك إلا أن يلتمس التصويت من صاحب الإرادة الحقيقة وهو الشعب ولذلك من ينطق بسم الله يضلل المستمعين إليه"، وذلك فى السياسة على وجه التحديد.
وشدد فضل: إذن فالحد الفاصل بين رعاية الشعور الدينى الذى نشترك فيه جمعيًا مسلمين ومسيحيين برصيدنا الروحى وتراثنا الحضارى وقيمنا التاريخية أن نضرب بشكل قاسم على يد أى جماعة تحاول أن تشوه هذا التراث، وأن تحرق به جسور التواصل والتعايش المشترك، وأن تستبعد به غيرها وأن تبتز مشاعر الناس لكى تقفز على السلطة.
وتابع: ففى الدول الأوروبية الديمقراطية – وقد عشت فيها عقدين من عمرى فى شبابى – فإن المحور الأساسى الذى ترفعه الأحزاب هو برامج للتصنيع والتقدم العملى والنهضة والتعمير وكل مشروع لأى حزب يحدد عدد أدواره، ولا يدخل أحد بعموميات ولا يزايد بشىء معنوى لا يملكه هو.
وأشار إلى أننا إن لم نحتكم إلى الفكر العلمى، ونحترم قيمنا الدينية والروحية ولا نعرضها للابتزاز وإن لم نتخاطب فى السياسية بلغة البرامج المحددة، فإننا لا نسير على طرق الديمقراطية بل طرق أخرى مسدودة تجعل المستقبل أسوأ من العهد الذى ودعناه، الشرط الأساسى للممارسة السياسية فى ظل سقفٍ من الحرية يحتضن الجميع وحلم علينا أن نشترك فيه أن نؤمن بأننا حقًا كلنا على درجة كافية من التدين تجعلنا ننحى الدين جانبًا فى نزاعاتنا السياسية ونتفاهم بلغة الأحزاب ولغة البرامج ولغة المستقبل التى لا تبعد أحدا ولا تحتكر وتستبعد أحدا، لأننا فى النهاية لسنا بصدد توزيع جنة الآخرة، ولكننا بصدد تعمير جنة الأرض وهى كنانة الله مصر الحبيبة.
هذا وقد تسببت المقولة التى استشهد بها "فضل" لـ"مصطفى النحاس" جدلاً كبيرًا بينه وبين عدد كبير من الحاضرين، فبدأ عصام سلطان المحامى ونائب رئيس حزب الوسط – وأحد المشاركين فى الندوة – كلمته بـ"بسم الله الرحمن الرحيم ...دون أن أكون نصابًا أو مضللاً"، وهو ما دفع الحاضرين إلى الضحك، وتطرق سلطان خلال كلمته إلى بدايات انقسام الشعب المصرى إلى ثلاث كتل، وأسباب هذه الانقسام، والتى تعود إلى يقظة الشعب المصرى على صوت المدفع الفرنسى، وآلة الطباعة، وغيرها من الصناعة التى أبهرت الشعب المصرى، فدفعت كتلة منه إلى المطالبة باللحاق بركب الحداثة، فظهرت أمامها كتلة اتهمتها بالكفر ظنًا منها أن الحداثة ستمحو عروبتهم وشرقيتهم، فاتهمهم المطالبون بالحداثة بالخيانة، وأصبح هناك كتلة فى الوسط لا تميل إلى الاثنين، مؤكدًا على أننا بحاجة شديدة إلى إعادة تحرير العديد من المفاهيم مثل العلمانية والمدنية والديمقراطية وغيرها والاختلاف الذى يراه الكثير فى كونى مسلمًا ليبراليًا أو ديمقراطيًا.
وأشار سلطان إلى أن أول رفض للدولة الدينية كان بالخروج على الكنيسة عندما أعلن البابا شنودة الثالث تأييده لمبارك، إلا جموع الإخوة المسيحيين خرجوا لميدان التاريخ، وتمثل ذلك أيضًا بخروج السلفيين وشباب الإخوان على قيادتهم ومشاركتهم فى الثورة، وأضاف "تم إسكات الشعارات الدينية فى التحرير مرتين، الأولى عند المتحف أثناء الدفاع عنه، والثانية أمام هارديز".
وخلال مداخلات الحاضرين، تعرض فضل إلى انتقادات حادة، واتهامات بأنه هو والروائى الدكتور علاء الأسوانى والدكتور ممدوح حمزة يملكون وسائل الإعلام ويبثون رسائلهم كيفما شاءوا وتطالبون بالدولة المدنية والديمقراطية، وهو ما رد عليه فضل بـ"بسم الله الرحمن الرحيم..بالتأكيد" وأكمل: هناك من تعمد إساءة فهم الاستشهاد الذى ذكرته، بالرغم من وضوحه الشديد، وفى قواعد الشرع فإن التسمية تكون سرًا والجهارة شيء من الرياء، وإنما الأعمال بالنيات، والاستشهاد على وجه التحديد يرفض ابتزاز الشعوب من الناحية الدينية، ولكن الإصرار على سلب الموضوع من معانيه فإن هذا لا يمكن قبوله، أما عن المصطلحات فلم أتحدث عنها ولا تعنينى بقدر ما يهمنى إرساء القواعد والمبادئ التى نسير عليها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة