الوطن هو أغلى ما يعتز به الإنسان، لأنه مهد صباه، ومدرج خطاه، ومرتع طفولته ومأوى كهولته، ومنبع ذكرياته ونبراس حياته، وموطن آبائه وأجداده، وملاذ أبنائه وأحفاده، وأوطان الناس- كما يقال- هى قطع من أكبادهم، وحب الوطن والاعتزاز والفخر بالانتماء إليه يملك على الإنسان كل مشاعره وأحاسيسه، لأن وطنه هو دنياه ورمز سعادته وهناه، وعزته ومبلغ مناه، وكما يقول ابن الرومى:
حبب أوطان الرجـال إليهـم
مآرب قضاها الشباب هنالكا
إذا ذكروا أوطانهـم ذكرتهـم
عهود الصبا فيها فحنّوا لذالكا
ويقول أحد شعراء المهجر عندما ازداد حنينه لوطنه:
أخت العروبة هيئى كفنى
أنا عائد لأموت فى وطنى
أأجود من خلف البحار له
بالروح ثم أضن بالبدن
ويقول شاعر آخر:
بلادى وإن جارت على عزيزة
وأهلى وإن ضنوا على كـرام
ويقول الشاعر الشعبى:
حب الوطن بقلوبنا ماله حدود
ومن حبها يرخص لها كل غال
ومهما عطينا للوطن يطلب الزود
وأفديه بعيالى وحالى ومالى
والشعور بالحب نحو الوطن والشوق إليه ليس وقفًا على أرباب العواطف والشعراء بل إن جبابرة التاريخ أحسوا بذلك، ولقد قال نابليون بونابرت فى منفاه، وهو على سرير الموت: «خذوا قلبى ليدفن فى فرنسا»، وكما يقول الدكتور صالح بن على- مدير مركز البحوث بكلية المعلين فى أبها: «لا شك أن حب الوطن من الأمور الفطرية التى جُبل الإنسان عليها، فليس غريباً أبداً أن يُحب الإنسان وطنه الذى نشأ على أرضه، وشبَّ على ثراه، وترعرع بين جنباته.. كما أنه ليس غريباً أن يشعر الإنسان بالحنين الصادق لوطنه عندما يُغادره إلى مكانٍ آخر، فما ذلك إلا دليلٌ على قوة الارتباط وصدق الانتماء، وحتى يتحقق حب الوطن عند الإنسان لابُد من تحقق صدق الانتماء إلى الدين أولاً، ثم الوطن ثانياً، إذ إن تعاليم ديننا الإسلامى الحنيف تحُث الإنسان على حب الوطن؛ ولعل خير دليلٍ على ذلك ما صح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه وقف يُخاطب مكة المكرمة مودعاً لها وهى وطنه الذى أُخرج منه، فقد روى عن عبد الله بن عباسٍ (رضى الله عنهما) أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة: «ما أطيبكِ من بلد، وأحبَّكِ إليَّ، ولولا أن قومى أخرجونى منكِ ما سكنتُ غيركِ»). ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مُعلم البشرية يُحب وطنه لما قال هذا القول الذى لو أدرك كلُ إنسانٍ مسلمٍ معناه لرأينا حب الوطن يتجلى فى أجمل صوره وأصدق معانيه، ولأصبح الوطن لفظاً تحبه القلوب، وتهواه الأفئدة، وتتحرك لذكره المشاعر.
علم مصر
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
article@youm7.com
article@youm7.com
الله ينور يا معلم
عدد الردود 0
بواسطة:
د طارق جاد
مقال رائع