هل يمكن أن ينحرف هؤلاء الشباب عن الأهداف التى خرجوا مطالبين بها، أو على الأقل ينحرف بعضهم؟! هل يمكن أن تفعل الرغبة فى القيام بدور سياسى، أو التطلع لمنصب فى الدولة ما لم تفعله خراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطى بل الرصاص الحى؟
سؤال قد يعده البعض منكرا من القول وزورا، أو ربما صدر من فلول النظام، أو بقايا الحزب الوطنى، أو بعض المتلونين الذين يغيرون آراءهم أسرع مما تغير الحرباء لونها.
الشباب الذين دعوا إلى الثورة وتقدموها، وغامروا بمستقبلهم، وتحدوا جهاز الأمن فى ذروة مجده، الشباب الذين تحدوا حبيب العادلى فى عيده، وأجبروا حسنى مبارك على الرحيل، وأصروا على محاكمة رموز الفساد، الشباب الذين حملوا أرواحهم على أكفهم، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من فقد عينه، ومنهم من يعيش بقية حياته بعاهة مستديمة، الشباب الذين خلفوا وراءهم أولادا أيتاما، وزوجات أرامل، وأمهات ثكالى، وأحبة حزانى.
رغم كل ما سبق يبقى هذا سؤالا مشروعا، والإجابة عنه نصيحة واجبة.
ولم لا؟ وفيدل كاسترو ثار على فولغينسيو باتيستا لأنه ألغى الانتخابات البرلمانية، فلما صار رئيسا ظل فى الحكم 49 سنة بالتمام والكمال، ثم ورث الرئاسة لأخيه.
ومعمر القذافى ثار على الملك وصعد إلى الحكم من 1969م ولم ينزل وحتى الآن، 42 سنة كاملة.
والحبيب بورقيبة ظل فى الحكم 30 سنة، وغيرهم كثير من قادة الثورة والمشاركين فيها.
لقد رأينا مجموعة من الشباب والشابات أيام الثورة يقودون المظاهرات، ويصرحون للتليفزيونات والصحافة، فلما حققت الثورة ما يريدون انصرفوا إلى ما ينفعهم أو ينفع بلدهم من أعمال بعيدا عن الكاميرات والقنوات.
أين هؤلاء، لماذا لم ينصبوا أنفسهم للحديث نيابة عن الشعب، انصرفوا إلى حال سبيلهم وتركوا الشعب المصرى ليعبر عن نفسه.
والبعض الآخر للأسف وكأنه ورث الثورة، فهو المتحدث باسمها فى كل الفضائيات، اليوم فى دريم، وغدا فى المحور، وبعد غد فى الحياة، إلى آخره، هم من يعرفون ما يتوافق مع مبادئ الثورة وما يتعارض معها، وهم من يحددون من يظل وفيا لدماء الشهداء، ومن يخون دماء الشهداء بمواقفه، هم صانعو الثورة ومنظروها وحارسوها والمتحدثون باسمها ومن ينبغى أن يحصد مكاسبها، وهم من ينبغى أن يضمهم مجلس الشعب القادم واللجنة التى ستنتخب لوضع الدستور، وأى حوار أو وفاق وطنى أو قومى، وأى وفد يمثل مصر فيما يستقبل من أيام.
إن الأبطال الحقيقيين للثورة هم الذين كانوا فى الصفوف الأولى يضربون بالحجارة والمولوتوف والقنابل المسيلة للدموع والرصاص، هم الذين قدموا أرواحهم رخيصة فداء وطنهم، هم الذين خرجوا من المظاهرات بعيون مفقوءة، وبصر كليل، وأطراف مكسرة، هم الذين فقدوا الأبناء أو الآباء أو الأزواج أو الإخوة.
لو كان الحق الحصرى للحديث عن الثورة لأحد من الشعب المصرى لكان لهؤلاء لا لغيرهم، وكل من عداهم من الشباب الثوار يؤخذ من كلامه ويترك فى الشأن العام.
وكأن الشعب المصرى فاقد الأهلية، لا يستطيع أن يعبر عن نفسه، فإما أن يعبر عنه النظام السابق، أو يعبر عنه مجموعة لا يتجاوز عددها أصابع اليدين من شباب الثورة.
وكأن الشعب المصرى لا يحسن الاختيار، فإما أن تزور الانتخابات فى الماضى لتأتى بمن هم أدرى بمصلحته، وإما أن تؤجل الانتخابات فى الوقت الحاضر لأن الشعب سيأتى بفلول الحزب الوطنى أو بالرجعيين من الإخوان والسلفيين.
وكأن الشعب المصرى متهم قبل الثورة وبعدها، فقبلها شعب خانع سلبى لا يشارك فى العملية الديمقراطية، ولا يحمى صناديق الانتخاب، وبعدها شعب مضلل، حين يخرج من سلبيته يسىء الاختيار، ويساق بالشعارات الدينية.
بعض شباب الثورة ضرب رقما قياسيا فى البرامج الفضائية، والحورات الصحفية، والتصريحات الإخبارية؟ ومجالات العمل لمصلحة مصر أوسع من أن تختصر فى كاميرا فى فضائية، أو ميكروفون فى ندوة، أو حوار فى صحيفة.
هناك مجالات من العمل لا يراها إلا الله وعدد قليل من بسطاء الشعب المصرى فى القرى والكفور والنجوع النائية والأحياء العشوائية، هناك الأعمال الخيرية والاجتماعية والتنموية والثقافية، وهى خير وأبقى عند الناس، وقبلها عند من لا يضيع أجر من أحسن عملا.
يا من طالبتم بحرية الشعب المصرى احترموا حريته، يا من ناديتم بكرامة الشعب المصرى احترموا كرامته، يا من ثرتم للحصول على حق الشعب فى الاختيار احترموا خياراته، ولا تمنوا على مصر وشعبها بجهد مهما كان.
إن الشعب المصرى لا يستطيع أن يقول للمشاركين فى الثورة والمؤثرين فيها: ما ضركم ما عملتم بعد اليوم، هكذا بإطلاق، ولكنه يقول: ما ضركم ما عملتم بعد اليوم، طالما كان عملكم موافقا للمبادئ العليا والقيم الكبرى التى ثرتم من أجلها.
وليد أبو النجا يكتب: هل يمكن أن ينحرف بعض شباب الثورة عن مسارها؟
الثلاثاء، 14 يونيو 2011 03:59 م
ثورة يناير
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة