فى آخر مرة صوت فيها الأتراك فى انتخابات عامة عام 2007 كانت المعارضة تخشى أن يحول الحزب الحاكم المحافظ اجتماعيا تركيا إلى دولة إسلامية على النسق الإيرانى.
وبينما يتوقع أن يبقى الناخبون غدا الأحد حزب العدالة والتنمية الذى يتزعمه رئيس الوزراء رجب طيب أردوجان فى السلطة لثالث فترة على التوالى يساور منتقدين وبعض المحللين حاليا القلق من أن يكون المسار المستقبلى للديمقراطية معرضا للخطر.
وتركيا قوة صاعدة صاحبة اقتصاد حر مزدهر وحليف للولايات المتحدة، كما تطمح أن تنضم للاتحاد الأوروبى. وتعتبر مثالا للمزاوجة بين الإسلام والديمقراطية وهى واحة استقرار فى منطقة تعصف بها انتفاضات "الربيع العربى".
كما يشرف حزب العدالة والتنمية على أكثر فترة تشهد استقرارا ورخاء فى تاريخ تركيا مع إصلاحات مؤيدة للسوق وبدء محادثات العضوية مع الاتحاد الأوروبى، فى حين فتح أسواقا جديدة فى آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا.
ومع تحقيق الاقتصاد معدلات نمو مثيرة للإعجاب يبدى المستثمرون تفاؤلا بشأن السياسة فى تركيا شريطة عدم العودة إلى دائرة الانقلابات والأزمات الاقتصادية الذين ابتليت بهما تركيا فى النصف الثانى من القرن العشرين.
وفرص حدوث انقلاب آخر بعيدة على ما يبدو بالنظر إلى حد حزب العدالة والتنمية من سلطات الجيش. ووقعت ثلاثة انقلابات فى تركيا منذ 1960 فى حين أجبرت حكومة رابعة على الاستقالة عام 1997. لكن اقتصاد تركيا يشهد نموا تضخميا مدفوعا بازدهار الطلب الاستهلاكى ويعتقد بعض المحللين أنه معرض جديا للاختلالات.
ويقول أردوجان الذى يسيطر حزبه على الحكومة والبرلمان وفاز العام الماضى فى استفتاء لإصلاح القضاء إنه إذا حقق "أغلبية عظمى" هذه المرة فسيعيد كتابة الدستور.
ويخشى كثيرون أن يحدث تحرك من هذا القبيل استقطابا فى المجتمع ويصرف انتباه الحكومة عن مواصلة الإصلاحات الهيكلية اللازمة. وتراجعت هذه الأيام القوة الدافعة لما يردده مثيرو الذعر من أن لحزب العدالة والتنمية جدول أعمال إسلاميا سرياً.
وقال وزير الشئون الأوروبية التركى ايجمين باجيس فى مارينا بنيت للأثرياء الجدد على مشارف إسطنبول "إذا كان لدينا بالفعل جدول أعمال سرى فسيكون هذا أفضل سر أبقى طى الكتمان على الأرض، لأن الشعب كان يرانا نعمل على مدى السنوات التسع الماضية".
وغير حزب الشعب الجمهورى العلمانى المعارض أساليبه بعد حالة الفوضى التى يشهدها منذ وصول العدالة والتنمية للسلطة للمرة الأولى عام 2002. فقد بدأ يقلل من حديثه عن سيطرة الإسلاميين مقابل الإسهاب فى التحدث عن مخاطر انقلاب أردوجان على الديمقراطية بالسيطرة على جميع مقاليد الدولة.
ويتهم كمال كلجدار أوغلو الزعيم الجديد للحزب أردوجان بعدم التسامح وبقيادة "حكومة تنصت" للسيطرة على الخصوم السياسيين وينتقد حزب العدالة والتنمية بسبب اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء برغم سنوات النمو القياسى والتضخم المنخفض.
وفى تركيا البالغ عدد سكانها 74 مليون نسمة لم تغب القضية الأزلية وهى الإسلام فى مواجهة العلمانية عن السطح أبدا.
ففى أعقاب انهيار الإمبراطورية العثمانية فى الحرب العالمية الأولى فرض مؤسس الجمهورية كمال أتاتورك إصلاحات علمانية جذرية، ومنها فصل الدين عن الدولة، وتجريم استخدام الطربوش وتغيير الأبجدية من العربية إلى اللاتينية.
ويتباهى الأتراك بأن النساء فى تركيا سمح لهن فى التصويت قبل الفرنسيين بفضل أتاتورك رغم أن تمثيلهن فى البرلمان لا يزال ضعيفا وفقا للمعايير الأوروبية.
لكن بعد أن كان الإسلاميون مستضعفين فى ظل الحكومات العلمانية السابقة أصبحوا فى تسع سنوات فقط من حكم حزب العدالة والتنمية يحظون بالاعتراف والتمكين فى أنحاء البلاد وأزاحوا العلمانيين وأطاحوا بالنخبة من السلطة.
وأصبح الجنرالات الذين نصبوا أنفسهم حماة العلمانية لا يبرحون ثكناتهم وباتت زوجتا أردوغان والرئيس عبد الله جول ترتديان الحجاب بكل ثقة.
ويقول الأتراك إن إظهار الاحتشام فى اللباس أو صوم رمضان من الأمور التى تسهل الحصول على الوظائف والعقود الحكومية. ويقول البعض إن رفع الآذان صار أعلى صوتا فى المساجد فى ظل العدالة والتنمية، وأن استطلاعات أظهرت ارتداء عدد أكثر من النساء للحجاب.
ورفعت الحكومة أسعار المشروبات الكحولية وتحاول استحداث قوانين أكثر صرامة على المبيعات والاستهلاك لحمل الشبان على الأخص على عدم تناول هذه المشروبات.
والتعليم قضية كبرى فى تركيا. فالمعلمون يشكون من أن زملاءهم الأكثر تدينا تجرى محاباتهم فى الحصول على وظائف فى المدارس الحكومية.
وقال مدرسة من مدينة أزمير تدعى إبرو عمرها 26 عاما، بينما كانت تدخن لفافة من التبغ بعصبية: "حصلت على درجة كبيرة فى اختبار المعلمين لكن المتدينين هم من عينوا".
مخاوف من تحول تركيا إلى دولة دينية على النسق الإيرانى
السبت، 11 يونيو 2011 03:44 م