إبراهيم أصلان

مجرد وردة من أجل الشهيد

الجمعة، 10 يونيو 2011 07:17 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا أعرف من الذى قال إن الألفاظ المجردة كلها، مهما بلغ شأنها، سواء تلك التى نطيق سماعها أو التى لم نعد نطيق، هذه الألفاظ سواء بقى تأثيرها أو تبدل أو زال، لا تقوى على الخلود مثلما تخلد ذكرى الأماكن، والأزقة، وذكرى الناس.

وميدان التحرير احتل مكانته فى قلوب الناس وأصبح هو الشاهد، والموئل والملاذ. والدماء الزكية الغضة التى خضبت أرض مصر لن تذهب سدى، ولن ينفع أبداً أن يفر قاتل فى رقبته نقطة من دم الشهيد، ونحن لا نشك أن ذلك سوف يحدث، لكن علينا نحن أن لا ننتظر كثيراً قبل أن نضع توقيعنا فى ركن من هذا الميدان (نصب صغير للشهداء)، يمكن أن نبدأ به ويتم تعديله فيما بعد، وأنا يحضرنى الآن، كمثال للاسترشاد ليس إلا، نصب الشهيد أو الجندى المجهول على مقربة من حوائط الكرملين فى موسكو، ليس لكى نقلده، ولكن للأخذ بالفكرة الباهرة التى ارتبطت بهذا النصب واتخذت كتقليد لتعميق العلاقة ما بين أبناء الأمة وشهدائها على مر الأيام، والتى سوف أحدثك عنها بعد قليل، ولكن لا بأس أن أعطيك فكرة عن نصب بالغ البساطة، والمهابة، والتأثير.

هناك جدار يمثل خلفية المشهد حفرت فيه كلمات تقول:
«اسمك مجهول..
ومأثرتك خالدة».

أسفل هذا الجدار مصطبة كبيرة من الرخام البنى المحروق ترتفع أقل من المتر وتعلو الأرض بثلاث درجات، أعلى هذه الدرجات هناك حاجز من حبل حريرى مجدول يمتد بعرض المصطبة محمول على قوائم من نحاس مجلى فوقها، وعلى جانب منها مصطبة أخرى صغيرة نوعاً، من الرخام الأسود، عليها ما يشبه الوشاح المفروش، نصفه على هذا الرخام الأسود ونصفه يتهدل بشراشيب حريرية ثقيلة، وفوقه خوذة موضوعة، والمساحة الخالية من هذا الوشاح تتراكم عليها الورود.

على جانب آخر من هذه المصطبة الشاسعة يوجد حوض غير عميق محفور، فى قلبه نجمة رخامية ومنها تتوهج شعلة صغيرة لا تنطفئ، وهناك فى أماكن متباعدة، أكشاك صغيرة من زجاج له قباب شفافة ينتصب فى كل منها جندى شاب بثياب عسكرية غاية فى الأناقة، إنهم هناك على مدار الساعة، يتزاحم السياح فى مواقيت معلومة للفرجة على عملية تبديل طاقم الحراسة المكون من أربعة أو خمسة أفراد، ولأن الأفراح لا تنتهى إلا فى آخر الليل، فسوف ترى بعينيك ذلك التقليد الرائع الذى هو بيت القصيد من هذا الكلام كله. لا يعقد قران فى موسكو كلها، أو فى غيرها من البلدان، حيث لا تقام احتفالات الزفاف، إلا ويتوجه العروسان قبل الذهاب إلى بيتهما مباشرة إلى هذا النصب لكى يضعا وردة على الوشاح المفروش، ولسان حالهما يقول:
سعادتنا، مرجعها إليكم.

ذلك التقليد بالتحديد، هو ما أدعوا شبابنا من العرسان أن يشرعوا فيه، وليتخيروا أى موقع فى الميدان للقيام بهذا الطقس حتى يتم الانتهاء من شىء مناسب ودائم. وهو الطقس الذى يمكن، بل يجب، تعميمه فى محافظات مصر كلها.

وربما آن الأوان أن نتخذ إجراء واحداً عملياً بأن يضع شعب مصر توقيعه كما قلت، ويرسى تقليدا يتيح لأجيالنا الشابة ألاّ تبدأ حياتها الجديدة قبل التعبير عن امتنانها لهؤلاء الشهداء: مجرد وردة ثم الذهاب إلى البيت. هذا النصب المقترح، لا شك، هو المؤهل ليكون المزار الأشهر والأكثر قيمة ودلالة بين مزارات العالم أجمع.

ربما أمكن للسيد رئيس الوزراء أن يلجأ إلى عدد من كبار فنانينا من أمثال آدم حنين وغيره، ونحن نثق بأننا قادرون على إنجاز تصميم يليق بسادة فن النحت فى هذا العالم. الشرط ألّا يلجأ السيد رئيس الوزراء لأحد معاونيه من أجل ذلك أبداً.

وأنا أظن أن المساحة الكبيرة أمام مبنى المجمع أكثر من كافية.





مشاركة




التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

elgindy

مجرد ورده من اجل شهدائنا

رحمك الله ، دائما استمتع بكتاباتك

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة