كنت فى مطلع الشباب أعيش فى دمشق الفيحاء حين جاءت إلينا الأنباء مخيفة عام 1982 أن الرئيس قال فى أحد مؤتمرات حزب البعث الحاكم: (أما الإخوان المسلمون فلا ينفع معهم إلا التصفية الجسدية)، وسمعنا آنذاك قول شقيقه رفعت الأسد: (سأجعل المؤرخين يكتبون كانت هنا مدينة تسمى حماة)! وقلنا إن هذا الموقف من حكام سورية العلويين ربما يكون تخويفا أو ترهيبا للقائمين بالانتفاضة الشعبية فى تلك المدينة الجميلة الآمنة، بعدها بعدة أيام جاءت الأنباء صادمة مريعة؛ لقد دكت المدينة دكا وهدمت هدما على رؤوس أهلها، وقتل أكثر من ثلاثين ألف سورى على أيدى النظام الحاكم السورى بأسلحة سوفيتية ثقيلة وخفيفة، ونفذ الرئيس وأخوه ونظامه إبادة شعب حماة.
جرت فصول هذه المجزرة عام 1982، وأطلقت فيها قوات الجيش السورى (الباسلة) نيرانها على صدور ورؤوس الآمنين فسلبوهم حق الحياة وضربوا حق المواطنة فى مقتل، وكان التبرير لإبادتهم حينها هو أنهم حاولوا قلب نظام الحكم! واستخدم السلاح السورى ضد السوٍريين العزل لا ضد من يحتل هضبة الجولان.
ومرت الأيام ومات حافظ الأسد، وقدم حزب البعث للعالم اختراعه الجهنمى (الأسر الجمهورية الحاكمة) فخلف الطبيب بشار الأسد أباه بعد تعديل الدستور فى ساعات لتنطبق شروط الترشح على شخص واحد فى العالم؛ ولا تنطبق على غيره، فجاء إلى الحكم، وسار على نهج أبيه خطوة خطوة، إرهابا وتقييدا، وإهانة وتقتيلا وسجنا وتعذيبا وفسادا وإفسادا، حتى فاض الكيل وخرج الناس إلى الشوارع يهتفون بسقوط الرئيس ونظامه القمعى هذه المرة من درعا.
وشاهدنا على شاشات التلفزيون عشرات الآلاف السوريين يخرجون فى الشوارع يتظاهرون ضد النظام، فما كان من ابن أبيه إلا أن تصرف كما فعل أبوه من قبل، فأرسل قواته لتخمد الثورة فى درعا، فقتلوا العشرات وجرحوا المئات، وفوجئوا فى الأيام التالية باندلاع الانتفاضة فى حلب وحمص وتل كلخ واللاذقية وبانياس وجسر الشغور ومدن سورية أخرى، وبدأت مهمة القناصة فى اصطياد المتظاهرين من فوق أسطح المبانى لتصفية الانتفاضة التى تكاد أن تصبح ثورة، وخرجت على العالم مستشارة الرئيس لتعلن أن ما يحدث فى سورية ما هو إلا مؤامرة خارجية هدفها إشعال فتنة طائفية، وأن عشرات الآلاف الذين نراهم ثائرين على الشاشات ليسوا إلا مجموعات متفرقة من عشرة أو خمسة عشر فردا (هكذا رأتهم)!
وقد أخطأت المرأة وأصابت، أما ما أخطأت فيه فهو التقليل الأبله من أعداد المتظاهرين، فالعالم كله يرى ما يحدث فى سوريا لحظة حدوثه بفضل الفضائيات والأفلام التى تصورها كاميرات التليفونات المحمولة فلم يعد هناك سر يخفى على نشرات الأخبار غير الحكومية، أما ما أصابت فيه فهو أن ما يحدث هو فتنة طائفية فعلا بمعناها السياسى، ولندرك هذا المعنى يجب أن نعرف من هم العلويون؟
العلويون طائفة من المسلمين عقيدتهم تتبع نفس سلسلسة أئمة الشيعة الأثنا عشرية، بداية بالإمام على بن أبى طالب ونهاية بالإمام محمد بن الحسن العسكرى الغائب (المهدى المنتظر)، وقد عرفوا بعدة أسماء منها النصيريون والخصيبية، أما عن التوزيع الطائفى والدينى فى سورية فهو كالآتى 74 % سنة، 13 % شيعة، وهم العلويون والإثنا عشرية والإسماعيلية، و10 % مسيحيون، و3% دروز، وعندما حكم العلويون سوريا لم يحكموها باعتبارها بلدا متعدد الأعراق والطوائف والانتماءات الدينية يتمتع المواطن فيها بكل حقوق المواطنة، ولكن باعتبارها عزبة علوية، فكل قادة الجيش والشرطة والسفراء وموظفى الخارجية والوزراء والمدراء، حرص الرئيس العلوى على وجوب انتمائهم للطائفة العلوية بدءا من موظفى أمن المطار حتى الرئيس.
ولضمان خضوع الشعب غير العلوى لسلطة حكامه العلويين فرض تطبيق قانون الطوارئ منذ عام 1963، وتدخل به سوريا موسوعة جينيس للأرقام القياسية! فالتجمهر ممنوع والتعبير عن الرأى ممنوع، حتى الصلاة فى المساجد ممنوعة، والقبض على من يشتبه فى تآمره على السلطة ممكن فى أى وقت وفى أى مكان، ويسجن دون محاكمة، ووصل الخوف بالناس إلى حد لا يصدقه عقل فالابن يخاف من أبيه، والأخ يخاف من أخيه، وورث الأبناء الخوف من آبائهم الذين ورثوه بدورهم عن آبائهم، الكل يخاف من الكل، حتى أصبح الخوف من السلطة سمة مميزة للشعب السورى!
إذن.. فما يحدث فى سوريا هذه الأيام هو ردة فعل طبيعية للقمع والقهر والسجن والتقتيل لأكثر من أربعين عاما، لم تطلق خلالها رصاصة واحدة فى سبيل تحرير الجولان، ومن المؤكد أن باقى طوائف المجتمع السورى من غير العلويين ستشارك فى الانتفاضة وتحولها إلى ثورة عارمة، تطيح برأس النظام العلوى، وتعود جميع طوائف الشعب السورى لتعيش معا فى نسيج متجانس دون فتن طائفية، يصلحون ما أفسده حكامهم عبر عقود طالت، وتعود دمشق الفيحاء لتثبت وجودها كأقدم عاصمة فى التاريخ، والله من وراء القصد.
حافظ الأسد
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
عبير حجازى
وما النصر إلا من عند الله
الله ينصر شعب سوريا الشقيق ضد الظلم والاستبداد
عدد الردود 0
بواسطة:
عبداللطيف أحمد فؤاد
صراحة اهانة للعرب وللمسلمين بقاء بشار لانه الجمهوملكية
عدد الردود 0
بواسطة:
د. طارق النجومى
لهم الله من قبل ومن بعد
عدد الردود 0
بواسطة:
nourhan
العلويين والسنة
عدد الردود 0
بواسطة:
لمياء بدران
ربنا على الظالم
عدد الردود 0
بواسطة:
نرمين كحيلة
الله معكم يا أهلنا فى سوريا
عدد الردود 0
بواسطة:
هشام المصرى
لا بد للقيد أن ينكسر
عدد الردود 0
بواسطة:
بدر الدين
جزار أم حاكم؟
عدد الردود 0
بواسطة:
عمر ناصر
حرام والله
عدد الردود 0
بواسطة:
منتصر عامر
من أنتم؟