بالرغم من انتهاء دورته السابعة والسبعين، والتى ناقشت دور "مؤسسات المجتمع المدنى فى الحفاظ على اللغة العربية"، يبقى مجمع اللغة العربية جسدًا هامدًا بلا حراك ولا يشعر أحد بجدوى مؤتمراته السنوية التى يعقدها لمناقشة واقع ومخاطر تهدد اللغة العربية، وتبقى عضويته بعيدة عن كبار الأدباء والشعراء والمترجمين، وهو ما فسره البعض بأن التربيطات والمصالح هى التى تحكم العضوية.
الروائى خيرى شلبى قال لـ"اليوم السابع" إنه مشفق على المجمع فى هذه الآونة الحرجة من تاريخ مصر، والتدهور الملحوظ للغة العربية، خاصةً أن الفضل يعود لمصر فى تطوير اللغة العربية ونقلها من المعاجم القديمة والطبيعة الصحراوية للغة حضارية إبداعية متجددة وسلسلة، مشيرًا إلى أن أهم قاموس فى اللغة العربية "لسان العرب" وضعه المصرى ابن منظور.
وقال شلبى، كان المجمع فى عهد مهدى علام وشوقى ضيف وطه حسين وأمثال هؤلاء العمالقة يقدم نشاطًا كبيرًا فى تعريف المصطلحات الأجنبية وبدائل المفردات العربية لكل مفردة أجنبية وفرضت نفسها بحكم التقدم، فمثلاً إذا أخذنا الرياضة نجد أن المصطلحات العربية فى لعبة كرة القدم أجمل بكثير من لغته الأجنبية ضربة ركنية أفضل من "الكورنر" وحارس المرمى أفضل من "الجوول كيبر" إلى آخره، وكان المجمع بدوره يقدم هذه البدائل لأجهزة الاتصال الإعلامية لكى يستخدمها الكتاب والمفكرون وكل من يعمل بالكتابة والأدب.
وتابع، وكان هناك التزام حقيقى ونوع من الفرح بظهور بدائل تثرى اللغة العربية بمفردات جديدة ولكن بعد ثورة يوليو بدأ التدهور، فحينما تنحى رجال التربية والتعليم عن القيام بواجبهم وتضع فى أماكنهم ضابط الجيش كمال الدين حسين مع احترامنا الشديد له كواحد من الضباط الأحرار ولكنه ليس خبيرا بفنون التربية، ثم جاءت الطامة الكبرى فى عصر الانفتاح الساداتى وهو من أسوء العصور من وجهة نظرى وفيه حدث الانفلات والتشرد وانتشرت اللافتات الأجنبية على المحلات وعجزت الحكومة عن إلزام أصحاب المحلات والشركات باختيار أسماء عربية لمحلاتهم وشركاتهم وصدر أكثر من قرار يلزم باستخدام اللغة العربية وأصبحنا نمشى وكأننا فى أمريكا أو أى بلد أجنبى.
وأبدى شلبى استياءه من تدهور اللغة العربية عند الكثير من المثقفين، مضيفًا "أندهش كثيرًا حينما أشاهد مثقفين يفترض أنهم كبار بل وبعضهم أساتذة بالجامعة ويتحدثون فى الندوات فلا ينطقون بكلمة واحدة صح ويستمرون بوجوههم الكالحة فى أحاديثهم، فمثلاً عندما يريد أحدهم أن يمدح أحدا فيقول عنه "الأكفاء" وهو لا يعلم بأنه مفردها كفيف وهو الأعمى، وكل هذه الأخطاء تأتى لعدم درايتهم بكيفية النطق ومفردات المعانى".
وقال شلبى برأيى أن المجمع لا ذنب له فهو المعتدى عليه لأنه لا يستطيع أن ينفذ قراراته وهذه مهمة الدولة والتى عليها أن تصدر قرارات حاسمة بتغيير كل اللافتات الأجنبية فى الشوارع وحتى اللافتات على السيارات، ويكفى أن معلق رياضة المصارعة فى سوريا والأردن يحدث بالفصحى أما نحن فلغتنا "سوقية" جدًا، ويتأثر بها الأطفال وهو ما ساهم أيضًا فى تدهور اللغة.
وأكد شلبى على أهمية إعادة النظر فى مناهج تعليم اللغة العربية، مشيرًا إلى أن هذا ما طرحه عدد من المثقفين خلال لقائهم مؤخرًا بوزير التربية والتعليم الدكتور أحمد جمال الدين موسى، موضحًا أنه إذا استمر وضع اللغة العربية على ما هو عليه لعشر سنوات قادمة سوف تنتهى اللغة العربية تمامًا من على اللسان العربى، وخاصة الشعب المصرى الذى يتجه إلى التعليم الأجنبى وأولياء الأمور الذين يتباهون بإلحاق أولادهم بمدارس أجنبية ويتعلمون فيها الثقافة الأجنبية تبعًا لتلك المدارس وتضيع ثقافة مصر، وبالتالى فإننا نربى أبناءنا ونعدهم ليكونوا أجيالاً أجنبية ونافعين فيما بعد لبلاد أجنبية تشبعوا بثقافتها وتعلموا لغتها من الطفولة وحتى الجامعة.
وحول عدم حصوله على عضوية المجمع، أوضح شلبى أنه كان مرشحًا للحصول عليها فى الدورة السابقة، ولكن "محصلش نصيب كانوا عايزين مجموعة أكفأ".
وقال الشاعر أحمد عبد المعطى حجازى إنه لا يمكن لمجمع اللغة العربية أن يؤدى دوره بشكل فعلى إلا إذا تبنت كافة مؤسسات الدولة والحكومة قراراته، وأن يتمكن المجمع من مراقبة استعمال اللغة العربية وأن يصحح لنا ما نقع فيه من أخطاء وأن يزودنا أيضًا بكل ما نحتاج إليه من مفردات ومصطلحات جديدة، مؤكدًا على أن هذا الدور لا يمكن أن يتحقق أيضًا إلا إذا تبناه المتكلمون باللغة العربية والمهتمون بالحفاظ عليها.
وأضاف حجازى: ولكن كيف يتم ذلك ومازلنا نرى أساتذة اللغة العربية فى الجامعات يخطئون فى لغتهم، بالإضافة إلى المسئولين الكبار فى الدولة والذين لا يتورعون عن الكلام بالعامية دون اضطرارهم واحتياجهم لذلك، كما تخطئ وسائل الإعلام المختلفة ونجد الصحافة تقع فى أخطاء شنيعة والمذيعين وإعلاميين لا يعرفون من اللغة العربية شيئا، فلن يصحح من هذا الوضع ويحافظ على اللغة العربية إلا مجتمع غيور على لغته القومية، ولكننا للأسف اللغة العربية لا تحترم فى بلادنا.
وتابع حجازى وهذا لا يعنى أن مجمع اللغة العربية لا يخطئ فهو يفرط أيضًا فى أداء دوره، لأن غالبية من انضموا إلى المجمع لا يستحقون هذه العضوية، وعندما نقارن بين عدد من الأعضاء الموجودين حاليًا، وممن كان المجمع يتشرف بعضويتهم من مبدعين كبار فسوف نتأكد من ذلك.
وحول تفسيره لعدم حصوله على العضوية حتى الآن، قال حجازى: من المؤكد أننى أعرف اللغة العربية أفضل من كثيرين ممن يحتلون مقاعد فى هذا المجمع، ولكن المجمع أصبح دائرة من دوائر بعض المؤسسات الجامعية، وأنا شخصيًا لا أعرف عددًا كبيرًا من أعضاء المجمع الحالى إلا القليل منهم، لأنهم أسماء كبيرة وجديرة بالاحترام، وربما يكون هذا الموقف هو ما يفسر عدم منحى عضوية المجمع.
وقال الشاعر والمترجم رفعت سلَّام إن المجمع لا يقوم بأى دور يتعلق باللغة العربية، فليس هناك قاموس محترم بين أيدى الكتاب والمترجمين، مضيفًا "وبالتالى فعليه أولاً أن يقوم بدوره اللغوى وهذا أضعف الإيمان، وأن يحشدوا خبراء اللغة العربية فى مصر من أجل اجتماعات دورية بلا نتيجة يحس بها الأدباء والمترجمون فذلك هو العبث، فمنذ عشرات السنين لم يصدر عن المجمع سوى معجمين الصغير والوسيط، ولم يستطعوا على مدى عشرات السنوات أن يتجاوزوا هذين المعجمين اللذين يناسبان طلبة الثانوية العامة".
وتساءل سلاَّم "لا أدرى ماذا يفعلون وإذا كنت كشاعر ومترجم مهتم اهتمامًا جادًا باللغة العربية ولا نجد ثمرة متاحة من هذا المجمع فلا بد وأنه لا يقوم بأبسط أدوراه"، مضيفًا "أما ارتباطه بالحركة الجماهيرية والثورية فى مصر فلم نسمع سوى عن بيان أخير يشبه إبراء الذمة بعد نجاح الثورة، وربما نكون فى حاجة إلى إعادة النظر فى هيكل هذا المجمع لزيادة فاعليته وارتباطه بالحركة الثقافية المصرية، لأنه من منقطع بالفعل عن هذه الحركة وعن الحياة المصرية".
وأوضح سلاَّم أن طريقة عمل المجمع بيروقراطية لا أكثر، وهذه الطريقة أدت مع أسباب أخرى إلى الانحدار المزرى للغة العربية فى أجهزة الإعلام فى المدارس والجامعات وعلى كل المستويات، ولو أنه يقوم بدوره الفعلى فى الحفاظ على اللغة العربية لساهم فى صد هجمة الابتذال اللغوى التى سادت العشر سنوات الأخيرة، ولاستطاع حفز هيئات ومؤسسات أخرى على القيام بدورها فى المحافظة على اللغة العربية لكن إذا كانت الهيئة الأساسية والأولى المعنية برقى وصيانة اللغة لا تقوم بواجبها فى الحالات الأدنى ولا يهما سوى الأداء البيروقراطى الشكلى فى المؤتمرات والبيانات والمطبوعات وغيرها فلا بد أن نعذر تلك المؤسسات الأخرى، وهو ما يؤكد أهمية إصلاح هذا المجمع وإعادة الحياة إليه.
وفسر سلَّام عدم حصوله على عضوية المجمع لأن المجمع بالنسبة للحياة الثقافية كيان محافظ معزول عن الشارع المصرى ويرشح الأعضاء أصدقاءهم، وشأن أى تكوينات بيروقراطية من هذا النوع أن تكون التربيطات والمصالح هى التى تحكم العضوية، وهذا ما يفسر أن غالبية الأعضاء ستجدهم من أساتذة كلية دار العلوم والآداب، أما الشعراء والروائيون والمترجمون فلا مكان لهم فى هذا الكيان.
ويذكر أن كلا من الروائى الكبير بهاء طاهر، وإبراهيم عبد المجيد، صنع الله إبراهيم، والناقد الكبير الدكتور محمد عبد المطلب لم يحصلوا حتى الآن على عضوية المجمع.
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد الصعيدي
شكرا جزيلا
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد نشأت محمد عبد الله زمرة
واضحه