14 ساعة متواصلة قضيتها فى منطقة إمبابة ألهث وراء الأحداث، ما بين كنيسة مارمينا ومسجد التوحيد وكنيسة العذراء ومستشفى الموظفين، تنفست خلال هذه الساعات الهواء مختلطاً برائحة البارود والدماء.
رصدت عينى وقلمى ما تفرضه علىَّ طبيعة المهنة، ولكن طوال هذه الساعات كان عقلى مشغولا بسؤالين هما أين ثورة يناير، وأين أخلاق ميدان التحرير، هل ذهبت الثورة وأخلاقها، ولم يتبقَ لنا منها سوى ذكريات تقاسمنا فيها رغيف الخبز، وشاهدنا فيه القداس يقام بجوار صلاة الظهر، مع بداية أحداث أطفيح بدأت هذه الأسئلة تطاردنى، ومع أحداث منشية ناصر والمقطم بدأت أشعر بأن الثورة بنت موت، بما يعنى أن أجلها قصير.
لا تعتقد يا صديقى أننى أكتب هذه الكلمات، وأنا متأثر بما شاهدت وسمعت فى إمبابة أثناء موجات الكر والفر فى شوارعها بين أشقاء الوطن، أو هى إحدى نوبات المزاج السوداوى، الذى ينتابنى أحيانا، ولا أخفى عليك حاولت أن أتخلص من هذا الإحساس، عن طريق بعض المناقشات مع العديد من الناس على كافة المستويات، وكان آخر هذه المناقشات ما دار بينى وبين أستاذ للعلوم السياسية فى جامعة جورج تاون، الدكتور مأمون فندى، حيث قال رداً على سؤالى متى نستطيع أن نقول إن ثورة يناير نجحت، وبدون تردد جاوبنى قائلا: "عندما يستطيع كل واحد منا أن يتخلص من مبارك الذى بداخله".
تأملت ما قاله الدكتور مأمون، وتذكرته فى إمبابة عندما قال لى مسئول كبير إن إثارة الفتن الطائفية، كانت تتم أحيانا بإعاز من جهاز مباحث أمن الدولة المنحل، ولكن سألت نفسى لقد ذهب مبارك وجهازه، فمن المسئول الآن عن إثارة هذه الفتن، هل هم شياطين مبارك أم ماذا.
حوارات عديدة دارت بينى وبين أهالى المصابين فى أحداث إمبابة، سمعت كلاما كثيرا من الجانبين، المختصر منه، إنهم يعيشون مع بعضهم منذ سنوات، ويعرفون معظم شيوخ السلفيين فى المنطقة، ولكن كانت صدمتى كبيرة عندما سمعت منهم أن هناك عدداً كبيراً ممن شاركوا فى الاعتداءات كانوا من خارج إمبابة، ووصلت الصدمة لذروتها، عندما أكد لى مسئول عسكرى شارك فى فض الاشتباك بين الجانين، عدم وجود المدعوة "عبير" فى الكنيسة، ولكنى سمعت من أحد المحاصرين للكنيسة، أنه لم يأتِ إلى إمبابة بهدف تحرير عبير، ولكنه سمع أن كامليا شحاتة محتجزة فى كنيسة مارمينا.
لا أميل بطبعى لاعتناق نظرية المؤامرة فى تفسير الأحداث، ولكنى مقتنع بنظرية الحكم على التجربة بالنتائج، ويبدوا أن من طالبوا بتفريق شمل رموز النظام السابق المحبوسين فى طره، كانوا على حق، خاصة إذ ما علمنا أن أحد المحبوسين منهم له ابن شقيق كان ضابطاً بارزاً فى جهاز مباحث أمن الدولة المنحل، والمتابع لطرق عمل الجهاز يعلم علم اليقين أن بعض الشيوخ والقساوسة كانوا من أبرز عملاء هذا الجهاز.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة