إنها مصر التى خرجت يوم الخامس والعشرين من يناير لتعيد تدريس الإباء والشموخ والثورة والتحدى من أجل الكرامة وامتلاك الغد وصناعة الفجر والحلم وتأسيس صروح الوطنية ووضع مبادئ الإنسانية الحقة.
إنها مصر التى صارت قبلة الحالمين بالثورة والشموخ والراغبين فى التعلم والطامعين فى اقتناء القدوة والمثل، مصر التى أبهرت العالم بصحوة بنيها الذين تلين لهم مغاليق الأبواب، بنيها الذين قالوا للكون ها نحن هنا فكان لزاما على العالم أن يشهد لهم ويتخذهم قبلة الأحرار.
إنها مصر التى تسكن خاطرى وقلبى وعقلى وكل خلية فى جسدي،إنها الأم الحنون التى وللأسف الشديد تتعرض للسهام وللنبال وللرماح وللرصاصات الغادرة وللخناجر المسمومة تتصارع للوصول إلى قلبها حتى يتوقف عن النبض وعن احتواء بنيها.
مصرنا التى إن قدر الإله كبوتها لا ولن ترى الشرق يرفع الرأس بعدها، مصرنا التى تتسابق الأيدى السوداء والنفوس المريضة والأرواح الشريرة إلى قتلها بدم بارد، قتلها قبل أن تورق وأن تثمر شجرة ثورتها، قبل أن تكتمل فرحتنا بعرس الشهداء، قبل أن يكتمل تسجيل الدرس الأسطورة ليتعلمه البشر أينما كانوا ومتى كانوا.
راحت الشياطين وأذنابها تعبث بأمن وأمان هذا البلد المعطاء، راحت تعبث بسر قوتها وطاقة نور فجرها وشفرة تصديها لطيور الظلام، تعبث بوحدة مصر الوطنية، تعبث بجسد مصر المسلم المسيحي، تريد لمصر أن يحتويها الزمن الخشن فى عباءته السوداء، تريد أن يظل غصن قامتها بلا ظل ولا ثمر، لقد بات الخطر أكثر تهديدا لقلب مصرنا وبات الضياع قاب قوسين أو أدنى، وهنا لن يكون للتباطؤ ولا للتهوين محلا من الإعراب لأنهما سوف يقودان البلاد والعباد إلى المحرقة التى لن تبقى ولن تذر.
إن ما يجرى على أرض مدينة إمبابة إنما هو مذبح للأم ولأبنائها، لمصر وللمصريين، إنها الصفحة التى يراد أن يسطر عليها تاريخ مصرع الثورة، وتاريخ غياب مصر عن المشهد، وكتابة الفصل الأخير لمأساة ما أسودها وما أسوأها، ولكن هيهات أن يحدث هذا وعلى تراب مصر يحيا الأحرار الذين عليهم تطهير ثوب مصر من الدنس وما علق به مما هو نجس دخيل على التراب المصرى الطاهر الذى ارتوى بدم الشهداء الأبرار، ارتوى ولن يكون من ثمار نبته إلا كل طيب.
يا أبناء مصر الأخيار، إن القرب أو البعد عن الشاطئ فرصتنا للبقاء أو الغرق كما يقولون، ليتكم تسارعون إلى تشكيل مجلس عقلاء وحكماء فى كل حى على أرض مصر، مجلس من عشرة أفراد على الأقل، هم من خيرة الحى من حملة الشهادات المرموقة والمثقفين والغيورين على البلاد والمشهود لهم بكل خير، إذ لكل بئر دلوه ولكل ثوب لابس، مجلس من مسلمين ومسيحيين، شباب وشيوخ، مجلس هو مسئول عن متابعة الحى وكل ما يظهر على سطحه من سلوك غير سوى وغير طبيعى فيتم التعامل معه بالعقل والحكمة وما يقتضيه الأمر، مجلس يقوم بوأد الفتنة فى مهدها، فالأسد لا تقدم له وجبته فى العرين، مجلس بمثابة عين ساهرة وجندى فى الخطوط الأمامية، مجلس بمثابة عسكرى الدورية، بمثابة جندى الدرك، بمثابة خفير زمان الذى كان يسهر حفاظا على أمن النجع والحارة، مجلس يضع يده فى أيدى مجالس الأحياء المجاورة وعندها نطمئن إلى أننا لن نصحو لتفاجئنا مصيبة قد اختمرت واكتملت وليس أمامنا غير حصاد شوكها وعلقمها وجراحها التى يصعب مداواتها.
عجزت عن أن أتحرر من بيتين من الشعر، أحدهما أقض مضجعى والآخر تحرقت بسببه أعصابى، وهما لشاعر لا أذكره، ربما هو أموى أو عباسى، البيتان هما:
أرى بين الرماد وميض نار *** وأخشى أن يكون له ضرام
فإن النـار بالعـوديـن تذكـى *** وإن الحــرب أولـها الكـلام
• مدير بالشهيد عبدالمنعم رياض الثانوية بسوهاج
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة