حين يريد الصديق العزيز مدير تحرير الأهرام نصر القفاص الحديث عن الشعب المصرى يقول دائما "الشعب المصرى الصديق"، وكنت أتصور أنه اخترع هذا المصطلح، لأنه يشعر بغربة بين ناسه الذين اختلفوا عن سنواته الأولى فى الحياة وحتى ثمانينات القرن الماضى، لكننى أستعير هذا الوصف منه فى وصف الشعب المصرى بالصديق والذى يعيش حالة من الغربة عن الذات غير مسبوقة مغلفة بالكثير من الأوهام.
ولعل أبرز أوهام الشعب المصرى الصديق، ذلك الحديث المرسل الممل عن الوحدة الوطنية، والأصابع الخفية التى تحاول العبث بنسيج الأمة الواحد والموحد.. فنحن بذلك نبدو كمن يدفن رأسه فى الرمال ولا يريد النظر لحقيقة مرة وهى أن المصريين تغيروا، فقدوا الكثير من تسامحهم، وقدرتهم على التعايش وصاروا أكثر تعصبا وتشددا.. وحتى تطرفا.
وكلما اندلع حادث طائفى هذه الأيام فى الجيزة أو إمبابة أو المقطم أو تظاهرات طائفية فى قنا ضد تعيين محافظ مسيحى، يسارع الشعب المصرى الصديق بالحديث عن الثورة المضادة وفلول الحزب الوطنى وأذيال النظام وبقايا أمن الدولة التى تقف وراء الفتنة الطائفية.
ويقول لك الكثيرون: "لقد كنا بالملايين فى ميدان التحرير، ولم نميز بين مسيحى ومسلم، كان المسلمون يصلون والمسيحيون يحرسونهم، والعكس صحيح أيضا، ثم يتبع هذه الجملة بسؤال: ماذا حدث؟
البعض من الشعب المصرى الصديق صاغوا مصطلح أخلاق ميدان التحرير، وقالوا إن من كان فى الميدان هى مصر الحقيقية، والمصريون الحقيقيون، أما غير ذلك فهو حقيقى ومصطنع!
لكن الحقيقة المرة أنما حدث فى ميدان التحرير ظرف استثنائى، والظروف الاستثنائية لا تعكس الواقع، ولا تمثل ديمومة أبدا، وغالبا ما تنتهى كل الأشياء الاستثنائية بانتهاء الظرف الاستثنائى الذى صنعها.
فى أكتوبر 1973 وكنت صغيرا مازلت أحفظ عبارة أثيرة كانت تقال: لم تشهد مصر جريمة سرقة واحدة فى زمن حرب أكتوبر.. وهذا حقيقى فقد كان الظرف استثنائيا وتاريخيا ووطنيا، ويتعلق بمصير وطن وشعب، وليس حالة فردية، لكن حين انتهت الحرب عاد اللصوص إلى السرقة مرة أخرى.
انفض الناس من ميدان التحرير، كانت لحظة تاريخية مهمة خرج فيها المصريون للبحث عن الحرية والعدالة، وحين أدركوا أنهم حققوا ما يريدون عاد كل إلى طريقه، الطائفيون يشعلون الفتنة الطائفية، واللصوص يسرقون، ومن يدمنون التحرش يتحرشون.
انتهت اللحظة الاستثنائية فى تاريخ الوطن، وعاد الشعب المصرى الصديق إلى عاداته القديمة، ولم تدم أخلاق الميدان، لأنها كانت لحظة استثنائية فارقة فى عمر الوطن وعمرنا جميعا.. وعيب مثل هذه اللحظات الفارقة عند الشعب المصرى الصديق أنها غالبا ما تكون قصيرة جدا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة