ما زال الشيطان الأمريكى بقرونه الحمراء وعباءته السوداء يمارس ألعابه الشريرة على مسرح الكرة الأرضية، الرئيس الأمريكى وكبار مساعديه يجلسون أمام شاشة تلفزيون يتابعون عملية التخلص من دمية أخرى استنفدت الغرض منها، وكأننا نشاهد فيلماً سينمائياً أمريكياً من تلال أفلامهم التى تدور حول نفس الفكرة دوماً، إما هم من يهاجمون الشر، أو الشر هو المهاجم، بعد أن روجوا لوهم أن الحياة صراع بين خير مطلق يمثله العم سام، وشر مطلق يمثله كل من يقف فى طريق مصالح الإمبراطورية، وهكذا صنعوا أفلامهم وسياساتهم على قاعدة "أن الشر فى الأرض بعض من ممارستنا إن لم نجده عليها لاخترعناه".
هذا ما رأيناه على المسرح أو الشاشة، أما عن ردود فعل جمهور سينما الأونطة فكانت متباينة، من تابعوا صناعة الفيلم خلف الكواليس يدركون أن الرجل قتل، وكم كان مجرماً فى حق الإسلام والإنسانية، بينما من شاهدوا الرواية على شاشة العرض الإعلامى وتقمصوا معانيها الوهمية أدركوا أنه استشهد، وكم كان دمثاً ونبيلاً، وهناك من كان الرجل بالنسبة لهم سيفاً لم يمسكوا به يبدوا موجهاً لرقاب لم يتمكنوا منها، وهكذا كانت الرواية واحدة نسجها وكتبها خيال وقلم أمريكى لجمهور تنوعت طرق قراءته ومشاهدته للأحداث منذ بدايتها.
هو قتيل عند من تابعوا بداية صناعة الدمية فى أفغانستان لتلعب دور قيادة (المجاهدون حسب الرواية الأمريكية وحكومات الدول التابعة أو العميلة التى أرسلت لهم الشباب)، وذلك فى الحرب ضد حكومة كارمل الشيوعية لمحاصرة الاتحاد السوفيتى (أحد رموز الشر فى الخيال الأمريكى) ثم لاحقاً يصبح هو وتنظيمه العدو المصطنع لأمريكا، ليصبح ذريعة الضغط هنا والحرب هناك، وهو العدو المحتمل للدول الحليفة، ليكون ذريعة حكوماتها فى القمع والاستبداد وممارسة الفساد دون مقاومة من الضحايا.
هو قتيل عند من لاحظوا الربط والتزامن بين تسريب شريط مصور له أو لنائبه يتضمن التهديد والوعيد لأمريكا وشعبها من الصليبيين، كلما تعثر بوش الإبن مع الكونجرس بشأن تمويل حروبه فى العراق وأفغانستان، أو كلما واجهته جماهير أمريكية ترفض إرسال الأبناء وإنفاق الأموال على حروب لا تعنيهم.
وهو قتيل عند كل من أدركوا بأن صناعته على الطريقة الأمريكية كانت تشهيراً بالإسلام والمسلمين، وهو ينشر الرعب بين الآمنين من البشر فى كل مكان على الأرض، وينتزع من الكثير منهم أرواحهم أو عيونهم، أو أرجلهم وأياديهم، وهو ينصّب حكومة طالبان بأفغانستان ليمارسوا همجية محاولات هدم تماثيل بوذا المحفورة فى الجبال، وهم يقطعون آيادى دفعت للسرقة بفعل فقر لم يعن الطالبانيون بالقضاء عليه، ويزيلون أجزاء من وجه زوجات خرجن بدون أذن أزواجهن، ويحبسون النساء والأرامل المعيلات لأسرهن داخل البيوت بعد أن فقدن الزوج أو الأب أو الأخ المعيل بسبب حروب أهلية بين فرقاء المذهب، صنعها الرجل بتنظيمه الأمريكى الصنع.
قتيل عن كل من رأوه مضاداً ونقيضاً لكل أخلاقيات وقيم أنتجتها الحضارة الإسلامية العظيمة منذ قرون لم يكن فيها للشيطان الأمريكى وجود، وأخيراً هو قتيل عند كل من أدركوا دوره كذريعة مفتعلة للتدخل الأمريكى فى كثير من الدول العربية والإسلامية، وذريعة للصهيونية لتبدو كحمل وديع بين ذئاب مسلمة مفترسة، وسبباً فى تعرض الجاليات الإسلامية فى الغرب وداخل المجتمع الأمريكى للازدراء والاضطهاد، وأحياناً القتل على أيدى بعض السذج ممن شاهدوا الفيلم الأمريكى وبطله الإرهابى المسلم.
أما من تحدثوا عنه ورأوه شهيداً فهم هؤلاء ممن تصوروا أن بن لادن قد أعطى المشروعية لمشروعاتهم فى إقامة دولاً دينية على مقاس فهمهم للدين، فأنكروا حقيقة أن ما شاهدناه كان فيلماً أمريكياً، أو لعبة شريرة للشيطان، وكذلك من تقمصوه بطلاً يستطيع بقنبلة وبندقية وسيف أن يعيد تشكيل الحياة فوق الأرض على نحو يجعل الإسلام دين الشعوب الوحيد.
وعندما راحت الشعوب العربية – لا النخب الفكرية ولا المسلحة – تصنع ثوراتها السلمية، وتؤكد شعاراتها قيماً ومثلاً عليا لا تختلف حولها الأديان، أدرك الشيطان الأمريكى أن لعبة بن لادن قد انتهت، وقد آن أوان إحراق الدمية، تذكروا مشاهد ومراحل اللعبة من جديد، بعدها أحكموا عليه هل هو إرهابى قتيل، أم ثورى شهيد؟
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة