عمرو محمد

هل فعلا الإسلام مجرد إقامة الحدود؟

الأربعاء، 04 مايو 2011 03:25 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تحركت الأحداث السياسية فى الفترة الماضية بصورة سريعة، وتبعها حوادث كثيرة منها حادثة "غزوة الصناديق"، وقطع أذن أحد الأقباط، وهدم الأضرحة، نتج عن ذلك ربط الإعلام بين هذه الأحداث وبين الإسلاميين، واستخدامهم كفزاعة، وتخويف المجتمع على كافة توجهاته الفكرية، وتكوين رأى عام فى الشارع بأن الإسلاميين قادمون وسيقومون بتطبيق الحدود وقطع الأيادى، وضرب من لم ترتدِ الحجاب إذا سنحت لهم الفرصة بتولى مقاليد الحكم، إن لم تكن تعلن هذا المعانى صراحة.

فالإسلام لم يكن فى يوم من الأيام عبارة عن إقامة حد قطع اليد أو الرجم.. إلخ فقط، ففيه العبادات التى تنظم العلاقة ببن الفرد وربه، وتتوازى معها المعاملات التى تهتم بعلاقة الإنسان ببنيه الإنسان سواء كان مسلما أو غير مسلم: "يا أيها الناس إنا جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا"، فالدين المعاملة، فلا معنى أن يصوم ويصلى الإنسان المسلم دون أن يعامل الباقين بأحسن الأخلاق.

ويهتم الإسلام أيضا بأن يكون للمجتمع الإسلامى حضارة ويتباهى بها بين سائر الحضارات، ويحث على التطور العلمى والتكنولوجى، بل يكون فرضا عليه أن يتعلم العلم فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وانظر إن شئت كيف كان المسلمون فى الأندلس، وما بها من مدن علمية كان يقصدها الغرب فى ذلك الوقت، وفى العصر الأموى والعباسى وكم الاختراعات والإبداعات التى ابتكرها المسلمون.

أما فى مسألة تطبيق الشريعة فمن المعلوم عن الفقهاء أنه يوجد ما يسمى "فقه الأولويات"، و"فقه الموازنات"، فمثلا من المعلوم أن نجاشى الحبشة مات على الإسلام، والمتأمل فى السيرة النبى - صلى الله عليه وسلم - يجد أن نجاشى لم يأمر حاشيته بتغيير دين الدولة، ولم يجبر أحداً على اعتناق الإسلام، ولم يأمر جنوده بأن يمشوا فى الطرقات ويستلوا السيوف ويجبروا الناس على الدخول فيه، نظرا لأنه علم أن شعبه لم يكتمل لديه الحد الأدنى من الوعى بالدين الجديد، فكان لابد من التمهيد له.

ثم تأتى بعد ذلك الحدود فقد عنى الإسلام قبل أن يطبق الحدود بتكوين حد أدنى من "الضمير الاجتماعى"، بمعنى أن يهيئ الإسلام للمجتمع كل ظروف الحلال حتى يستطيع أن يقيم الحدود، فمثلا نجد أن عمر - رضى الله عنه - لم يطبق حد السرقة فى عام المجاعة، فهو لم يجد حد الكفاية فى الأموال، ومنها يرى بعض الفقهاء أن حد السرقة لا يطبق إلا إذا توفرت المئونة والحاجة، فإذا توفرت وسرق الشخص كان هنا إقامة الحد، لأنه فى عرف المجتمع يعد سارقاً وشاذاً، فتطبيق حد السرقة لا يفعّل مثلا إلا عندما يطبق الحد الأدنى للأجور.

وأيضا فى حد الزنا فالإسلام يمنع أسباب الزنا، فقد كفل الوقاية منه عندما حث على تيسير وتسهيل الزواج، بل وأباح للرجل أن يتزوج أربعا حتى يبتعد عن الوقوع فى الفاحشة، بل يشجع المجتمع على ترك التبرج والخلاعة وكل ما يشيع الفحشاء.

فالمتعارف عليه عند الفقهاء أنه لابد من توافر عدة شروط عند تطبيق العقوبة، ففى حد الزنا لابد من توافر شروط، وهى أربعة شهود عدول يقررون أنهم سمعوا ورأوا،‏ وهنا لا يمكن أن تحدث العقوبة إلا إذا أقدم الزانى على جريمته فى مجتمع عام، ومن المؤكد أنك تتفق معى – عزيزى القارئ – أن المتهم بهذا قد خرج عن نطاق الإنسانية.

وليس فى الإسلام أن يُـتتبع ويُـتربص بالمتهم حتى يقام عليه الحد، فالإسلام يلتمس للمخطئ وجوه البراءة، فيقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمن جاء إليه يعترف بأنه زنى، لعلك لمست،‏ لعلك قبّلت، لعلك لعلك،‏ وكأنما يريد أن يفتح أمامه باب الرجوع عن الاعتراف،‏ ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم: "ادرءوا الحدود بالشبهات".

كما أن العقوبة لا تطبق على أى جريمة ترتكب فمثلا عندما لم يغض أحد البصر فليس هناك حد "عدم غض البصر" أو عدم إلقاء السلام، فالإسلام عند تطبيق شريعته وحدوده كفل كل هذه المسوغات وغيرها الكثير قبل أن يقيمها، فلا داعى لاستخدامه فزاعة، ولعلك تندهش أكثر عندما تعلم أن ما يذكر فى حالات إقامة الحدود عموما التى وقعت فى العهد النبوى وعصر الخلفاء الراشدين لم تتعد أصابع اليد.

ولست أدرى ما هذا الهجوم الشرس على الإسلاميين، ولماذا لم يظهر قبل الثورة؟ فكأنما يقال فى الإعلام إن الإٍسلاميين سيقومون بسفك الدماء وإزهاق الأرواح، أو كأنما جاء الإسلام إلا لتطبيق الحدود فهذا عكس ما نزلت به الآية: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين".





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة