لم يتوقع مبارك منذ اعتلى سدة الحكم أن يستقبل عيد ميلاده الثالث والثمانين بمحبسه فى مستشفى شرم، وتحت الحراسة المشددة، ذلك اليوم الذى حان موعده اليوم فى ظل ظروف عصيبة وقاسية، كما لم يتوقع مبارك أن تتوقف كل مظاهر الاحتفال التى كانت تجرى له فى السابق بمناسبة هذا اليوم المجيد فى حياته فلا تورتة ولا جاتوهات ولا شموع ولا هدايا ولا ورود ولا أفراح فى الإعلام العام والخاص تذكرنا بإنجازاته ولا تهانى من المنتفعين ولا اتصالات من ملوك ورؤساء وزعماء العالم للمباركة بهذا اليوم الميمون وكيف لا والمحتفين وكذلك المحتفى به معا خلف القضبان؟ كما لم يتوقع مبارك أن يستقبل هذا اليوم أيضا وهو فى أسوأ أحواله النفسية وقد رفع اسمه وصورته وكل شىء يمت إليه بصله من مؤسسات الدولة وميادينها، كما لم يعد يذكر اسمه أو تظهر صورته فى الصحف أو التلفاز إلا مترافقة مع خبر يؤكد إدانته فى الاستيلاء على ممتلكات الدولة كما لم يكن يتوقع مبارك أن يتخيل فى يوم ميلاده هذا أرواح شهداء الثورة الطاهرة وأطياف الأمهات الثكالى والنساء الأيامى والأطفال اليتامى، وهن يلاحقنه باللعنات عابسات الوجوه متشحات بالسواد يسائلنه فى اليقظة والنوم عن سر سفك دماء أولادهن وأزواجهن وآبائهن وأخواتهن فى ميادين مصر وشوارعها على يديه الملطخة بدمائهم وعن أى ذنب قتلهم جميعا؟ ولماذا كان ونظامه من الجبارين فى الأرض؟ ليس من شك فى أن كل هذه الخواطر والتخيلات تدور فى ذهن مبارك الآن فتأرق عليه محبسه وتزيده حسرة وألما على أيام حكمه الفائتة فهو على يقين بأن ثورة الخامس والعشرين من يناير قد أسدلت ستارا سميكا على تاريخه السياسى والعسكرى، حيث لم يعد هو حاكم الأمس الذى كانت تنحنى له الرؤوس ويتملقه أصحاب المنافع، ويخضع لسلطانه طلاب المناصب فقد عاش على كرسى الرئاسة ثلاثون عاما بدأها بتواضع جم حين أعلن أن الكفن ليس لهو جيوب، ولكن بطانة السوء وأطماع السلطة كانتا أسرع فى تحويله عن هذا المسار الآمن فصنعت منه بعد عشر سنوات من حكمه فرعونا جديدا لمصر ورفعته إلى عنان السماء وجعلته الملهم لكل المصريين فاختص نفسه بموارد الدولة وأراضيها وضرب من حوله بسور أمنى له باب ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب، فأخاف الشعب بذلك السور الواهن وسجن أحلامه فى رأسه وكأنه الإله آمون حاكم مصر فى العصر الفرعونى القديم غير أن السرعة التى وصل بها مبارك كرسى الرئاسة هى نفس السرعة التى أطاحت به الثورة من على ذات الكرسى وهذا ما جعله اليوم يعيش أجواء تشوبها الغيوم وهواجس يغلب عليها الظنون، فما عساه أن يفعل وهو ينتظر من يوم لآخر تنفيذ قرار نقله من مستشفى شرم الشيخ إلى مستشفى لمان طرة، لقضاء مدة عقوبته وهذا بالطبع أقسى شىء على نفسه وكرامته وفى النهاية هناك حل أطرحه بعد إذن القارئ ماذا لو أن مبارك ردّ المليارات إلى الدولة وأعلن عن خطئه وجريمته فى حق مصر وشعبها وطلب العفو والصفح والسماح من أصحاب الدم المراق ولزم بيته إلى أن يقبضه الله إليه؟ أليس هذا حلا وسطا يرضى ذوى الحقوق؟ وإن تحقق فهو أمل نهديه إلى مبارك فى عيد ميلاده الحزين.
رمضان عبد الوهاب يكتب:الرئيس المخلوع فى عيد ميلاده
الأربعاء، 04 مايو 2011 10:22 م
مبارك
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة