شغلت وسائلُ الإعلام مسموعة ومرئية ومقروءة الناسَ بموضوع مرشح الرئاسة مع اقتراب شهر سبتمبر، والمطالبة بتعديل مواد الدستور المتعلقة بالترشح لرئاسة الجمهورية، والشروط الواجب توافرها فى شخص المترشح، ولاقت هذه المطالب قبولا عند البعض وبخاصة المثقفين من الناس، ولكن يبدو أنها عادة عربية متأصلة فينا ؛ أن نهتم بالمظهر دون المَخْبَر، فما هو المخبر ؟ وما هو المظهر؟
المظهر هو تعديل الدستور، أما المخبر فيتمثل فى العديد من الصور والأحداث، مثلا.. هل ستندمل جراح وآلام أهالى الشهداء إذا تم تغيير الدستور؟ المواطن الذى لا يجد قوت يومه أو ما يقيم به أود صغاره وأسرته؛ ماذا يهمه إن تغير الدستور أو عُدّل؟ والمواطن الأمّى الذى لا يقرأ ولا يكتب؛ لن يهمه فى قليل أو كثير أن يعدل الدستور أو يبقى كما هو! ومن ينام فى الشارع لا مأوى له ولا غطاء له إلا السماء، لن يغنيه تغيير أو تعديل الدستور، أطفالنا أمل المستقبل ماذا سيفيدهم تغيير الدستور؟ وهم يرون بأعينهم أطفالا فى مثل أعمارهم ينامون فى الشوارع، يأكلون من صناديق القمامة، والأمثلة لا تحصى ولا تعد.
دعونا قبل التفكير فى تغيير الدستور نفكر فى كيفية تغيير النفوس، ومحاولة تغيير وتحسين أحوال كل محتاج سواء كانت حاجته إلى دواء أو غذاء أو كساء أو مسكن أو تعليم، يجب أن نراجع أحوالنا كى نرى ما أصبحت عليه من سوء ربما لا نعترف حتى بسوئها، لقد ابتعدنا عن الله ونسينا ذكره فأنسانا أنفسنا، وابتعادنا عن الله واضح جلى، ولكننا لانراه ولا نقر به، ومخطئ من يظن أن التمسك بقشور الدين من ملبس ومظهر خارجى، والقيام بأداء الصلاة والصيام أو تعدد مرات الحج والعمرة، أو رفع صوت الراديو على إذاعة القرآن الكريم، أو التنافس على إقامة الآذان وشعائر الصلاة بأصوات عالية منفرة، بينما لا يفهم أحدٌ أحداً، ولا يسمع أحدٌ أحدًا، هذا عدا عن عدم مراعاة حق الجار، الذى أوصانا به رسول الله صلى الله عليه وسلم والتى تتمثل فى إزعاجه بكل منفر من تصرفات ليست من الإسلام فى شىء، عندما تعود لنا مآثرنا الكريمة من إغاثة الملهوف ونجدة المحتاج، عندما تختفى ظاهرة عقوق الوالدين المؤلمة، وظاهرة القتل والسرقة التى استشرت فى مجتمعنا، عندما نجد حلولا ناجعة لتأخر سن الزواج عند الشباب، درءاً لتفشى ظاهرة الزنا والعلاقات غير المشروعة، عندما نتذكر أننا سنقف كلنا سواسية أمام الله كى نحاسب عن كل صغيرة وكبيرة، لا فرق بين غنى أو فقير، عندما نتذكر الله وأوامره، ونتمسك بجوهر الدين لا بمظهره، حينها، وحينها فقط، يحق لنا المطالبة بتغيير الدستور.
ومع احترامى الكامل لكل من يدعو لتغيير الدستور ؛ فإننا قبل البدء بتغيير الدستور،علينا البدء بتغيير ما بأنفسنا شبابا وشيوخا ونساء وأطفالا، كى تختفى من مجتمعاتنا ظاهرة الفساد المريع بكل أنواعه، وكى نحد من رغبة معظم رجالنا وشبابنا فى الهجرة والفرار من هذا الإطار الأسود الكئيب، الذى ملأهم غيظا وحقدا وكرها على البلد بمن فيها وما فيها،إلى بلاد الله الواسعة أملا فى مستقبل أفضل.
لنتذكر فى هذا المجال قول الله عز وجل: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) - الرعد 11، يقول المفسرون فى تفسير هذه الآية: إن الله عز وجل يتعقب بالحفظة من أمره(الملائكة) لمراقبة الناس وما يحدثونه من تغيير بأنفسهم وأحوالهم، فيرتب عليه الله تصرفه بهم، فإنه عز وجل لا يغير نعمة أو بؤسا، ولا يغير عزا أو ذلة، ولا يغير مكانة أو مهانة، إلا أن يغير الناس من مشاعرهم وأعمالهم وواقع حياتهم، فيغير الله ما بهم وفق ما صارت إليه نفوسهم وأعمالهم، وما يقع عليهم يترتب على مايكون منهم، والنص صريح لا يحتمل التأويل، فقد قضت مشيئة الله بالبشر على تصرف هؤلاء البشر، أى إنهم ينالون كل ما قامت به أيديهم، خيرا أم سوءا.
كلنا يحب التغيير إلى الأفضل والأصلح والأحسن، ولكن ذلك لن يتأتى لنا إلا إذا اتبعنا قول الله عز وجل، وبدأنا قبل المطالبة بتغيير الدستور بتغيير ما بأنفسنا قولا وفعلا، حينها يغير الله ما بنا ومن علينا، والله من وراء القصد.
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
سامى النويهى
الله يفتح عليكى
عدد الردود 0
بواسطة:
د. طارق النجومى
قبل أو بعد ...؟؟؟