د. ماجد رمضان يكتب: علامة تعجب

الإثنين، 30 مايو 2011 09:33 م
د. ماجد رمضان يكتب: علامة تعجب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إن المتتبع لوسائل الإعلام المختلفة من فضائيات وجرائد ومواقع إلكترونية، يلاحظ ظهور متخصصين فى إثارة الخلافات الغريبة وشحن القلوب بالغضب من أجلها.

وآخرون لا يزالون يمضغون هتافات جوفاء وتسيطرعليهم أفكار ضحلة وتسيرهم أهواء قاتلة وشهوات غبية.

وفريق آخر تصدر المشهد السياسى أو الإعلامى أو الدعوى، فأسهب فى التصريحات والفتوى وتناول أمورا ليست ذات بال أو أهمية، وإطلاق الآراء والأفكار البعيدة كل البعد عن الواقع أو التى على الأقل لا تناسب المرحلة أو الظروف الراهنة.

فكل مَن هبَّ ودبَّ.. و كل مَن استطاع إمساك القلم، بصرف النظر عن مدى موضوعية هذه الكتابة، وتحرى الصدق فيها والإنصاف فيما يصل إليه من أحكام ونتائج.

فالشاهد أن تلك الأصوات تعدَّدت فى الساحة الإعلامية، وخصوصا بعد ظهور قنوات جديدة تريد أن تملأ الساعات الإذاعية المتاحة لها، فتقوم بملئها بالغث والسمين، بالنافع والمفسد أو اجترار أفكار بشرية باعدت بين المسلمين من ألف عام ليشقوا بها الصف ويمزقوا بها الشمل.

فقد تضاعفت قوة وسائل الإعلام المقرؤة والمسموعة والمرئية فى السنوات الأخيرة من ناحية إتقانها لوسائل التأثير على الناس وبدرجة إلحاحها على أذهانهم، فضلا عن عدد الناس الذين تستطيع أن تصل إليهم، واستطاعت هذه الوسائل أن تدخل كل بيت رموزا فرضتها وبإلحاح غريب ومريب على الناس لشخصيات مشهورة ومهمة من وجهة نظرها على الأقل، عارضة آراءهم وتصوراتهم وتجاربهم الشخصية وفتواهم ليقتدى بها المشاهدون والمتابعون لأنهم هم النموذج والقدوة والمثل الأعلى والدعاة المصلحون، إنهم قد يكونون من المشهورين حقا، ولكن كم هناك من المشهورين ممن لا يعبأ المرء بهم إذا عاشوا أو ماتوا، فضلا عن الالتفات لآرائهم وتصوراتهم فكما قال الشاعر:

إن فى الناس أوجها لامعات تملأ العين زهرة ورواء
ويراها البصير صورة زهر لم تهبها الحياة عطرا وماء
فكثير من هؤلاء إذا تحدث أو كتب ربط الأحداث به وبشخصه، وعدد فضائل أياديه البيضاء على الكون والأحياء، وإن الأقدار أرسلته لإنقاذ الكون مما ينتظره من دمار وهلاك وفناء ولكنه لم يعط حقه ولم يقدر قدره، وهذه آفة قديمة وصفها الأديب الفرنسى (أناتول فرانس) فى حكمة طريفة فقال: كل كائن حى ولو كان جروا صغيرا يتوهم أنه مركز الكون ومحور العالم، وبالمثل رأينا قاطع طريق مثل عروة بن الورد يصف نفسه فيقول:
(أليس عظيما أن تلم ملمة وليس علينا فى الحقوق معول)
إنه الشعور بالذات، والإحساس بالأنا والاغترار بما يملك، وهذا الذى دعا طرفة بن العبد لأن يقول: لو كان فى الألف منا واحد فدعوا من فارس؟ خالهم إياه يعنونا

وإنك ترى الواحد من هؤلاء يكتب عدة مقالات، فيحسب نفسه من قادة الفكر، أو تراه يحسن بضعة أعمال فيزعم أنه من عمالقة ساسة العالم، أو يتلو بعضهم آية من كتاب الله أو حديثا شريفا فيغدوا علامة الأمة، فإذا اطلعت أو استمعت إلى كلامهم أو حديثهم وجدته خواء كصوت الطبل الجوف، لا قيمة له ولا معنى، وما يدل إلا على سذاجة وسطحية قاتلة، فهم يتوهمون أن نصيبا قليلا من المعرفة والخبرة كاف فى الترشيح لقيادة الجماهير، والصدارة بين الناس، ولقد نبهنا الحكيم لقمان فى حكمة بليغة رائعة حذرنا فيها من الاغترار بالمظهر البراق الخادع دون الالتفات للجوهر وذلك يوم جلس على حقل قمح فرأى سنابل قائمة وأخرى منحنية فتحسس هذه وتلك فإذا بالقائمة فارغة من الحب والأخرى ممتلئة فيقول: "كم من أناس يشمخون بأنوفهم وهم فارغون وكم من أناس أحنتهم المعرفة"،
فما أشد افتقادنا فى هذا الزمان إلى القدوات، والنماذج الصالحة، لأننا إذا التفتنا يمنة لا نرى إلا المهازل ولو توجهنا يسرة لا تقع أعيننا إلا على أشباح فارقتها روح الإيمان واليقين، لقد انقلبت الموازين واختلطت المعايير فقدم من وجب عليه التأخير، وتأخر من استحق التقدم وتبوأ الإمعات صدارة النصح والإرشاد وتوارى القادة والمصلحون والحكماء خلف الستار.

وقد وصف جمال الدين الأفغانى هذه الظاهرة بقوله "شر الأزمنة أن يتبجح الجاهل ويسكت العاقل"، فتعجبوا معى كما تعجب الإمام أحمد بن حنبل عندما رأى إهمال الثقات وصعود النكرات وتمكين أهل البدع وتوسيد الأمور إلى غير أهلها فقال:
إذا رأيتم شيئا مستويا فتعجبوا.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة