جيهان فوزى

التعليم بمنطق الإذلال.. "يكسب"!

الإثنين، 30 مايو 2011 06:56 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لست أدرى تحت أى ذريعة يدافع أهالى الأطفال الذين يعذبهم أحد المدرسين فى الحضانة خاصته بقرية كفر الديب عنه بهذا الشكل، أطفال كل ذنبهم أنهم لايقومون بأداء فروضهم المنزلية، ليكون هذا التبرير الواهى هو وسيلة الدفاع عن المتهم من محاميه الذى يعرف القانون جيدا، ومن ذوى الأطفال الذين شجعوا المدرس بجهلهم على اغتيال البراءة والطفولة داخل أبناءهم وبتعمد مفضوح، والمصيبة أنهم لم يكتفوا بذلك بل قرروا الاعتصام أمام الحضانة فى حالة عدم الإفراج عن المدرس السادى وتمت محاكمته.

أفهم أن يكون هناك عقاب وثواب على الأخطاء تبعا لحجمها وخطورتها، لكننى لا أستطيع استيعاب أن يحرض الأهالى هذا المدرس على قمع أطفالهم تحت أى ظرف، ومهما كانت الحجج والمبررات! والمدرس المفترض فيه الوعى والدراية يستجيب ويلبى دون أدنى إحساس بتأنيب الضمير، أو حتى الإحساس بالمسئولية الجنائية فيما لو وقع المحظور وتعرض أحد هؤلاء الأطفال للأذى المباشر، فالفيديو الذى تناقلته المواقع الإلكترونية حول تلذذ المدرس بتعذيب الأطفال، لايوحى بأنه عقاب على أخطاء يرتكبها الأطفال بحق أنفسهم عندما يهملون واجباتهم، أو بحق مدرسهم لأنهم يعصون أوامره، بل هى سادية يمارسها بوعى وتلذذ.

المصيبة تكمن فى الحجج التى ساقها الدفاع، حينما قرر أن الواقعة لم تصل إلى علم النيابة أو الشرطة من خلال شكوى كتابية أو اتهام من أى ولى أمر، إلا أنها وجهت من خلال مقطع فيديو تناولته وسائل الإعلام، وأن ما قام به صاحب الحضانة ما هو إلا أمر يومى طبيعى يحدث فى كافة المؤسسات التعليمية الحكومية!! وكأن القضية تحتاج إلى تقديم شكوى مباشرة من ذوى الأمر، ولاتخضع للمساءلة القانونية والحق المدنى للمجتمع حتى لو لم يتم الإبلاغ عنها من ذوى الشأن.

المصيبة الكبرى فى إقرار المحامى باتباع المؤسسات التعليمية منهج الضرب والقمع ضد الطلبة، وهو الأمر المخالف للقوانين الدولية والتى تجرمه وزارة التربية والتعليم شخصيا، ويعاقب عليه القانون! والسؤال: كيف يسمح لموظف محدود الإمكانات بممارسة مهنة تتطلب شروطا خاصة، ومواصفات لا أعتقد أن هذا المدرس يتمتع بها؟ والكارثة أن تكون هذه هى صيغة مرافعة الدفاع ومبرراته التى يقر فيها أتباع مبدأ التعذيب إن جاز التعبير، وليس التهذيب كما يدعى؟!

ألا يعرف محامى الدفاع أن لهؤلاء الأطفال قوانين حازمة تخص طريقة معاملتهم وحقوقهم؟! ففى الدول المتحضرة هناك رقابة صارمة من قبل المؤسسات الاجتماعية والقانونية على سلوك الآباء والأمهات تجاه أبنائهم، ومن يضبط فى أمر مخالف لهذه القوانين، يعاقب بصرامة، ويحرم هؤلاء إذا ثبتت إدانتهم بالتعذيب، من أطفالهم الذين تقر قوانينهم بأن تتبناهم أسر أكثر رحمة وإنسانية من أولياء أمورهم الحقيقيين.

الأمر الثانى هو أن هؤلاء الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ثلاث وست سنوات هم بحاجة إلى الرعاية والحنان، لاالقسوة والعنف، فالواجبات المنزلية هذه غير مقر بها أو معترف بوجودها فى الأساليب التربوية الحديثة، بل يشترط على المدارس والحضانات بعدم ارهاق الطفل، والسعى دوما لتنمية قدراته العقلية من خلال اللعب واللهو وممارسة الرياضات الخفيفة، فكيف نبادر نحن بانتهاج أساليب تتفنن فى القهر والإذلال للطفل منذ نشأته الأولى التى هى روافد شخصيته عندما يكبر، فإذا ما تربى على الخوف والخنوع والقسوة، سيمارس السادية بشكل أكثر عنفا فى مراحل نضجه، بل ربما يصاب بأمراض نفسية عديدة هو فى غنى عنها، فيكفيه ما ينتظره من الهموم والإحباطات عندما يكبر.

ثم هل نسينا بهذه السرعة مآسى الأطفال التى كشفت عنهم الصدفة البحتة وهم يعذبون على أيدى مدرسيهم بحجة ممارسة مبدأ العقاب، ولقى البعض حتفهم على يد مدرسيهم؟ وهناك العديد من نماذج الضرب التى أفضت إلى الموت على يد المدرسين لأطفال أبرياء لايمكن تصنيفها على أنها قضاء وقدر؟ لماذا ننسى بهذه السرعة محن الكثير من الأطفال الذين تسربوا من التعليم بسسب الأسلوب الخاطئ والقاتل فى التربية السلوكية فى المدارس؟ لماذا نصر على إخراج جيل مشوه ومعقد تحت مسميات زائفة؟ لماذا لا تأخذ بالمدرسين الرحمة والرأفة فى التعامل مع الأطفال، الذين هم جيل المستقبل الواعد، ويتم التعامل معهم بمبدأ الحوار والاحترام المتبادل والمنهج العلمى السليم بالحرص على اتباع أسلوب تربوى قويم؟ حتى لا نجد بينهم أطفال متنمرين يصبحوا لعنة على باقى زملائهم، وتتحول حياتهم إلى جحيم مزدوج بفعل المدرسة من جهة، وزملائهم المتنمرين من جهة أخرى.

الحجج التى قام أهالى الأطفال بذكرها لا نملك سوى السخرية منها، فهل دور المدرس فى تربية الطفل هو الأساس؟ أم أن الأسرة هى الحاضن الأول الذى يتلقى فيه الطفل مبادئ وقيم يغرسها فيه ذويه، فليس المطلوب من المعلم أن يؤدى دور الأب والأم، ثم يقوم بدوره التربوى بل إن دوره مكملا لدور الأسرة الرئيسى فى تربيه أطفالها، وربما تكون الحجة الأقرب للواقع أن هؤلاء الأهالى الذين خرجوا بحماس لدعم من يلقى الرعب فى قلوب أبنائهم غير قادرين على تحمل مسئولية تربيتهم، فقد هالنى ما سمعته من محامية وهى أم لأحد الأطفال بأنها توصى المدرس دوما بالشدة مع طفلها، بل وضربه إذا اقتضت الضرورة!!!

لا أدرى حتى هذه اللحظة بماذا كان يفكر الأهالى وهم يهللون بعد حكم البراءة على صاحب الحضانة المدعوم منهم بشكل يدعو للريبة! فهل أمتعهم منظر أطفالهم وهم يصرخون من قسوة المدرس والعنف الذى يمارسه ضدهم؟ أم أنهم سجلوا انتصارا زائفا بعد أن هددوا بالاعتصام وإثارة الشغب فى حال أدين المدرس، أم أن دفوع محامى المتهم ، والتى تبرئ منهجا سلوكيا وتعليميا بالكامل يعتمد على العنف وممارسة القسوة هى سبب فرحتهم على هذا النحو المهين؟!

لكن لماذا الاستغراب وقد أصبحنا ننفذ كل ما يطلب منا تحت ضغوط الاعتصامات والإضرابات وقطع الطرق والبلطجة، إذا ما كنا نريد تحقيق أى هدف، حتى وإن كان ضد القانون، وضد المنطق، وضد هيبة الدولة!!





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة