صحة الشعب المصرى لا تعجبنى، وأريد أن نتعاون على تغييرها، واحد من بين كل ثمانية مصريين مصاب بالكبد الوبائى، ما يزيد عن عشرة ملايين مصرى يعانون من مرض السكر، حدث و لا حرج عن الفشل الكلوى وأمراض القلب والضغط التى زحفت على الشباب بعد أن كانت لا تصيب إلا الشيوخ من أمثالى، إن الشعب المريض لا يبنى نهضة ولا يقيم حضارة، نحن فى حاجة قصوى إلى الأصحاء منا لبناء مصر الثورة، ولدينا واجب قومى لتوفير العلاج للمرضى منا.
لقد سَخرَ المصريون - قبل غيرهم- عندما نشرت إحدى الصحف القومية منذ فترة صورة مُحَوَرة مُستخدِمة برنامج "فوتوشوب" للإخلال بموازيين القوى وخلق واقع مزيف، رسمت الرئيس المخلوع يقود على الطريق الرئيس أوباما و قادة المنطقة، إنها لم تكن صورة ولكنها كانت فلسفة حكم، لقد استخدمت وزارة الصحة فى ذاك الوقت نفس برنامج "الفوتوشوب" لوضع أولويات الصحة فى مصر، لقد خلق وزير الصحة الأسبق حالة من الهستيريا والهلع القومى على مئات بل الآلاف من أنفلونزا الخنازير، و لكنه تعامى عن الملايين من مرضى الكبد الوبائى.
زمان -قبل الثورة- كان عدد قليل جداَ لديه الشجاعة ليتكلم وينتقد النظام الصحى ولكن شيئاً لم يكن يتغير، الآن - بعد الثورة المباركة - الحمد لله ، الكل يتكلم والكل ينتقد، والرائع أن لا شئ يتغير أيضاً، عمار يا مصر.
ما هى مشكلة العلاج على نفقة الدولة؟ بالتأكيد نحن جميعاَ نوافق على أن يتم العلاج للكل على نفقة الدولة، كلنا نمرض، الأطباء أيضاً يمرضون، و لو منَّ الله علينا بالصحة الدائمة فليس من المستبعد أن يمرض عزيز لدينا بمرض لا قِبَل لنا بتكلفة علاجه، إذاً ليس منا من يعارض مبدأ أن يكون العلاج على نفقة الدولة، بل ربما كلنا نرحب بالعلاج على نفقة الدولة، ما المشكلة إذاً؟
المشكلة أرها فى عدالة العلاج على نفقة الدولة، والشفافية فى العلاج على نفقة الدولة، لماذا يُعالج زيد ولا يُعالج عمرو؟ الأمور فى العلاج على نفقة الدولة تسير بصورة غامضة وأحياناً فاسدة، الأزمة الآن أصبحت أزمة ثقة، وكما رأينا فى الفترات السابقة، عندما كانت تقف قيادات الصحة والدولة لتؤكد رفضها لنظام العلاج على نفقة الدولة ثم نكتشف بالوثائق أن نفس هذه القيادات تُعَالج هى نفسها وأقاربها على نفقة الدولة فى الخارج وبملايين الجنيهات، السؤال الآن كيف نضمن عدالة العلاج على نفقة الدولة؟ بل لماذا لا تضخ هذه الأموال الضخمة فى الميزانية الضئيلة للوزارة؟ ألم تقم الثورة لتحقيق العدالة الاجتماعية؟ وإذا استمر العلاج على نفقة الدولة لفترة محدودة و محددة ، فنحن يجب أن نكون سواسية أمام القضاء و أمام العلاج على نفقة الدولة.
صحيح يجب تصحيح نظام الرعاية الصحية، ولكن يبدو أن التحدى الأكثر صعوبة هو هل لدينا البشر الذين لهم من القيم والمثل والصلابة لتنفيذ هذا النظام السليم؟، بالتأكيد لدينا ولكن إذا نجحنا فى اكتشاف هؤلاء البشر، فهل لدينا الرغبة والقدرة لتصعيدهم لموقع اتخاذ القرار؟ من الأمثلة الرائعة فى القرآن الكريم، والذى استخدمه فى كورسات الموارد البشرية منذ سنوات، ما قالته فتاة صغيرة قد تكون بنت النبى شعيب، قالت: "إن خير من استأجرت القوى الأمين"، و هو ما نحن فى أمس الحاجة إليه، وأيضاً نحن فى حاجة إلى وضع "نظام" للعمل وتوفير الموارد اللازمة لتحقيق قدر مناسب من الجودة، إن أى شخص مهما كانت قدراته الإدارية وقيمه الأخلاقية لن يستطيع تحقيق الكثير بدون موارد مناسبة، وليس هناك أى تعارض فى أن نسعى لإيجاد القيادة القادرة ووضع النظام الصحيح و توفير الموارد المُمَكِنة.
صحة الشعب المصرى فى غرفة الإنعاش، ويبدو أن "كونسلتو الأطباء المعالجين" مشغولون عنها بدورهم الذى فُهِم خطأ بأنه تسيير أعمال، بينما المطلوب هو وضع رؤية لصحة الشعب المصرى تقوم على أساس تأمين صحى عادل و فعّال وشامل، إن تجاهل المرض لن يشفى الشعب المريض، حذارِ أن يتحول التأمين الصحى غالى التأبين الصحى، إن وضع نظام تأمين صحى يأخذ الجانب الاجتماعى والاقتصادى لمختلف فئات الشعب ضرورة قصوى ويجب أن تكون الأولية الأولى لوزارة الصحة الآن وليس غداً، إن التأمين الصحى هو الذى يحفظ كرامة وكبرياء المواطن المصرى عند المرض، وهو البديل الحضارى لما يُسمى العلاج على نفقة الدولة، والذى يجب أن يتوقف بمجرد إقرار قانون التأمين الصحى من المجلس العسكرى ولمجلس الشعب القادم أن يعدله إن رأى ذلك، إن نظام التـأمين الصحى يجب أن يحنو على الطبقات الفقيرة و يترجم ما قاله أمير الشعراء عندما كان يخاطب سيد الخلق:
أنصفتَ أهلَ الفقرِ من أهل الغنى .. فالكلُ فى حق الحياةِ سواءُ