يصعب الحديث فى هذه المرحلة التى تمر بها مصر بعد الثورة فى تحديد معالم محددة لأشكال التيارات السياسية المقبلة فى شهر سبتمبر القادم على انتخابات مجلس الشعب، من حيث انتهاجها للقطبية السياسية التقليدية كما فى النظم الديمقراطية بين يمين ويسار أو أشكال أخرى قد تبدو أكثر تناسبا مع درجة النضج السياسى فى مجتمع ما بعد الثورة.
فمع تكوين المنابر فى نهاية عصر السادات بين يمين ويسار ووسط والتى تمثلت فى إنشاء 3 أحزاب تمثل التيارات الثلاثة ولأنه كان توزيعا فوقيا من الرئيس السادات الذى كان ينشد ديكورا ديمقراطيا فحسب فإن هذه الأحزاب أو المنابر لم تجد أى صدى أو أرضية حقيقية فى الشارع مما أدى إلى ظهور معادلة جديدة فى النظام السياسى المصرى ليس بها يمين أو يسار بالمعنى الأيديولوجى، وإنما حزب حاكم ينتهج خليطا من السياسات المشوهة تتأرجح بين اليمين واليسار وإخوان مسلمين يرفعون الشعارات الدينية بلا رؤية سياسية واضحة، ومع اختلاف الظروف والثقافة الديمقراطية تواكب ذلك فى الغرب مع ظهورما يعرف بسياسة الطريق الثالث فى أوربا على يد المفكر الاجتماعى البريطانى انتونى جيدنز، والتى تجمع المميزات الموجودة بين كلا الاتجاهين أى اليسار واليمين.
وقد كان ذلك بمثابة النهاية الفعلية للاستقطاب الأيديولوجى فى نظام الإدارة السياسية والاقتصادية للدولة، حيث يحاول الطريق الثالث عمل توازن أو حل وسط بين اتجاه يمينى ليبرالى يدير دفة الدولة ناحية المحافظة على أساسيات النظام الرأسمالى وإطلاق اليد للسوق كى ينظم الاقتصاد بنفسه تاركا لمبدأ المنافسة إدارة النظام الاقتصادى، وبين اتجاه يسارى اشتراكى يدعم الاتجاهات الاجتماعية ويتدخل لمنع الاحتكار وتوحش السوق على المجتمع، حتى أصبح الطريق الثالث هو الحل العملى عند بعض السياسين الراغبين فى الحكم وكان فى مقدمتهم نجاح تجربة تونى بلير فى بريطانيا وجيرهارد شوردر فى المانيا.
وقياسا على الحالة المصرية كان الضعف النسبى الذى أصاب الاتجاهات اليسارية المصرية التى عاشت فى أوج تألقها فى مرحلة الأربعينيات والمرحلة الناصرية من القرن الماضى، فإنه ومع وفاة الرئيس السادات انتصرت التيارات الدينية فى السيطرة على المشهد السياسى واستطاعت هزيمة اليسار المصرى بتدخل سافر من الدولة وبمباركة شخصية من الرئيس السادات، حتى لم يعد هناك فى الشارع المصرى ما يربط مابين الفكراليسارى وحقوق العمال مثلا حيث أصبح المتحدث الأول فى هذا الاتجاه هوالاتحاد العام للعمال التابع مباشرة للحزب الوطنى الحاكم.
كذلك تورات الأفكار الليبرالية والاتجاهات اليمينية عن المشهد السياسى بفعل استيلاء الحزب الحاكم أيضا على شعارات هذه التيارات (وإن لم يعمل بها) كذلك انتهاجه سياسة اقتصاد السوق وتشجيع رجال الأعمال بشكل مطلق مما لم يترك لأحزاب مثل الوفد مثلا أن يتمكن من الحصول على قاعدة جماهيرية مؤثرة إلا بتحالفه الغير شرعى مع الإخوان المسلمين كذلك فعل حزب الأحرار رغم الاختلافات الجذرية بين الاتجاهين من المنظور الليبرالى، ناهيك عن باقى الأحزاب الليبرالية كالغد والجبهة الديمقراطية التى تتدنى شعبيتها بشكل كبير لغموض فى فكرة الليبرالية كمصطلح وافد من الخارج على بسطاء المصريين.
انعكس هذا المناخ على المشهد السياسى الحالى بعد ثورة يناير وتمثل فى تشابه شبه متطابق بين كل المبادىء السياسية التى أعلنت عنها كل الأحزاب الجديدة تحت التأسيس، هذا بالرغم من اختلاف توجهها السياسى كحزب التحالف الشعبى والمفترض أنه حزب يسارى نجد أنه يتبنى الأفكار الليبرالية بالضبط كحزب آخر ليبرالى مثل المصريون الأحرار أو الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى هذا إلى جانب التشابه مع حزب الإخوان الجديد الحرية والعدالة الذى يطالب بنفس المبادىء داخل إطار دينى فى محاولة لاكتساب مسحة ليبرالية مدنية تبعد عن أذهان الناس فكرة الحزب الدينى أو الدولة الدينية.
فهل تصبح المعادلة السياسية الجديدة فى مصر ما بعد الثورة هى قطبية التنافس ما بين الدينى المحافظ أوالمدنى الليبرالى؟
وبذلك يكون البرلمان القادم مزيجا من الإخوان المسلمين من ناحية وباقى الأحزاب من ناحية أخرى هذا لو حدث اتحاد ما بين كل الأحزاب بكل تيارتها وانتمائاتها رغم الاختلاف فى جبهة واحدة لمواجهة الإخوان المسلمين فى الجبهة الأخرى.
أم سنجد أنفسنا بصدد سيناريو آخر يكون فيه العامل الأساسى للاختيار السياسى، هو شخصية المرشح أو كاريزميته لا الانتماء الحزبى أو التيار السياسى ويصبح ذلك بمثابة طريق ثالث من نوع آخر، هذه المرة يقف فى منطقة وسطى بين الأحزاب أو الإخوان ويختار من خارجهما مما سوف يقودنا فى الانتخابات القادمة إلى مجلس شعب قد تكون أغلبيته من المرشحين المستقلين.
مجلس الشعب - صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة