شكل انتقاد خطاب الرئيس الأمريكى باراك أوباما عن الشرق الأوسط، بل وضعف أدائه، قاسماً مشتركاً لمراكز الفكر والأبحاث الأمريية، فقا للتقرير الأسبوعى لهذه المراكز، والذى أورده "مركز الدراسات الأمريية والعربية - المرصد الفكرى البحثى.
فقد تواصل اهتمام مراكز الفكر والأبحاث بخطاب أوباما، والجدل المصور بين أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتانياهو فى البيت الأبيض، إلى جانب مؤتمر اللوبى الصهيونى السنوى (أيباك)، وخطاب نتانياهو أمام جلسة مشتركة لمجلسى النواب والشيوخ.
وذهب معظم المحللين إلى القول بأن صياغة خطاب أوباما جاءت سريعة، كما أن توقيت الخطاب كان سيئا، بل واعتبره البعض محاولة لاستباق خطاب نتانياهو أمام الكونجرس، فقد تساءل "معهد بروكينجز" وهو أحد أهم المراكز تأثيرا فى صنع السياسة الأمريكية، عن مدى مصداقية أوباما فى دعم تحركات الربيع العربى، كما زعم فى خطابه.
وقال المعهد: "من المستبعد أن يقدم أوباما على تقديم الاعتذار للجمهور العربى، لكن تأكيداته العلنية عن عزم الولايات المتحدة دعم التوجه الديمقراطى لدى العرب، بالرغم من الحقيقة كما يراها العرب من وجهة نظرهم أن الولايات المتحدة دعمت ولا زالت تدعم النظم القمعية والفردية، ستعيدنا إلى خطاب قديم ومعضلة قديمة.. وخلال
مسار "الربيع العربي" لم تفلح الجهود فى نزع التوترات المقلقة بين المثل العليا والمصالح، كما كان يرغب البعض.. وجاءت ردة الفعل لخطاب أوباما مؤشرا على حضور نفس التناقضات وعدم الاتزان.. وطالما بقيت حية فى الأذهان فمن شأنها تقويض نفوذ ومصداقية الولايات المتحدة فى هذه اللحظة الحرجة".
ورأى "مجلس العلاقات الخارجية" الرصين أن خطاب الرئيس أوباما وتداعياته شكلا إساءة لفرص إحلال السلام فى المنطقة.. وقال "إن خطابى الرئيس أوباما فى وزارة الخارجية الأمريكية وأمام اللوبى المؤيد لإسرائيل "أيباك"، وكذلك خطابى رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتانياهو أمام جلسة مشتركة للكونجرس وأيباك، لم يفلحا إلا قليلا فى دفع البوصلة قدما لخيار حل الدولتين".
وقال: "إن دعم أوباما للربيع العربى لم يكن سوى "لحظة تثاؤب" فى العالم العربى الذى يشعر بعودة الروح والمبادرة برسم مستقبله بنفسه.. كما أن الخلافات العميقة حول مستقبل القدس وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين قد أحبطت كلا من نتانياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، بواقع السياسات الداخلية.. إضافة إلى أن آفاق
المحادثات بين الطرفين قد تقلصت بواقع عدم الثقة بين زعماء الولايات المتحدة وإسرائيل وفلسطين.. وتسعى الولايات المتحدة إلى منع تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية، إن لم يأت كثمرة للمفاوضات مع إسرائيل، لكن الشكوك تحوم حول نجاح القرار".
وفى جانب آخر، انتقد "مجلس العلاقات الخارجية" عدم التنسيق بين الزعماء فى خطاباتهم السياسية.. وقال "هناك ضرورة لإيجاد أسس للثقة وقنوات للتفاهم للمضى فى مسار دبلوماسى جاد بين المسئولين الأمريكيين والإسرائيليين والفلسطينيين.. لكن أولا، القاعدة الأساسية للشراكة تفترض أن لا يكون هناك مفاجآت والتى ينبغى التأكيد عليها من جديد بين كافة الأطراف.. ولحين إعادة التأكيد والعمل بهذا المبدأ، سيكون من المستحيل تحقيق المبادئ السامية للسلام فى الشرق الأوسط والتى صيغت بعناية فى واشنطن".
وكما كان متوقعا، اتخذ "المعهد اليهودى لشئون الأمن القومى" المؤيد لإسرائيل موقفا سلبيا من خطاب أوباما، وحذر من تقديم الدعم الأمريكى لمصر، وتساءل المعهد اليهودى عن "البعد الذى ستذهب فيه الولايات المتحدة لمساعدة مصر دون معرفة مدى نفوذ الإخوان المسلمين، إذ إن المطروح هو تقديم مساعدة بقيمة عدة مليارات من الدولارات لحكومة، بطبيعتها، ستكون على نقيض معنا على الأرجح"، كما تساءل المعهد عن "المدى الذى مضت فيه الولايات المتحدة لتقديم مساعدة "للثوار" فى ليبيا دون معرفة من هم على حقيقتهم (إذ اقتصرت المعرفة على أن بعضهم كان على علاقة مع القاعدة)، مما أسهم فى إمكانية قيامنا بقصف بلد نيابة عن أناس هم، بطبيعتهم، على خلاف معنا".
وأشار المعهد إلى أن "مضى الولايات المتحدة بعرض دولة على شراكة بين حماس الإرهابية وفتح التى من شأنها أن تضع حليفتنا إسرائيل فى موقع لا يمكنها الدفاع عن نفسها، قد يؤدى بنا إلى إنشاء دولة هى، بطبيعتها، على خلاف معنا.. أنه لسلوك متهور فى الشرق الأوسط يقذفه بالقنابل والمال والدعم السياسى قد يفضى لقيام دول
مسلحة جيدا ومعادية للمصالح الأمريكية بعيدة المدى، وفى نفس الوقت الإسهام فى تعقيد الحياة لحليفتنا الراسخة والديمقراطية - إسرائيل".
أما "معهد هدسون"، فقد رأى نقاطا إيجابية وسلبية معا فى خطاب أوباما.. وقال "هناك صبغة اورويلية (نسبة إلى نبوءة جورج اورويل) فى الخطاب: احتضان الديمقراطية من جانب وسحق فرض دولة ذات سيادة على الجانب الآخر، إذ اهتدى أوباما إلى تصدر نداءه جدول أعمال الحرية، لكن هناك ظهور مزعج يلاحق نظرته.. حيث إن الرئيس تأرجح كثيرا فى الشق السياسى فى السنوات الأخيرة وبعيدا عن معارضته القوية للحرب فى
العراق إلى أن وصل الآن إلى احتضناها بحماس، لعله من المفيد الآن استحضار ما قاله اورويل "فى زمن الخداع الكونى يصبح قول الحقيقة عملا ثوريا".
ويشاطر "معهد بروكينجز" النظرة إلى الإيجابيات والسلبيات فى خطاب أوباما، "معهد هدسون"، حيث قال "مع الجمع بين توجيهه الواضح لمستقبل الترتيبات الأمنية، فقد طرح أوباما عناصر قضيتين من مجموع أربعة قضايا للصراع (منهما مسألتى القدس واللاجئين)".
وأضاف "المعضلة فى ذلك أن هذا الطرح جاء متأخرا نحو عامين، مما أسهم فى إبقاء الشعور بالقلق الجاد حيا لناحية امتلاكه إرادة سياسية وإستراتيجية سياسية لدفع الطرفين الإسرائيلى والفلسطينى.. إذ رفض رئيس الوزراء نتنياهو عرض انسحاب إسرائيل لحدود عام 1967 "لا يمكن الدفاع عنها".. ومن المرجح أن يمضى الفلسطينيون بالسعى للحصول على اعتراف الأمم المتحدة بدولتهم إن لم تبدأ عملية التفاوض قريبا - وذلك رغم معارضة أوباما الصريحة لتلك الخطوة.. فالحكم على مفردات خطاب أوباما سيتم وفق النتائج.. إن سعى أوباما التقرب من آمالهم وتطلعاتهم للحرية والعدالة والسلام، قد يحكم عليه بأنه الخطوة الأخيرة المتبقية للدخول فى علاقة شراكة حقيقية مع شعوب المنطقة".
وقد خرج "معهد هدسون" المحافظ عن إجماع مراكز الأبحاث على توبيخ أوباما على خطابه، وأشاد بما جاء فيه من نداء لتعزيز الحريات الفردية.. وقال "لقد تعلمت واشنطن شيئا أو أكثر حول ثقافة السياسة العربية - المسألة الطائفية والإسلامية، بشقيها السنى والشيعى، من أجل تحضير جيل جديد يضطلع بمهام قيادية على المستوى
السياسى وتهميش دور اللاعبين الأقل طوعا.. وبالفعل، أصبحت واشنطن محورا للخبرة حول ديمقراطية الشرق الأوسط.. والآن بعد قيام أوباما بتبرير أجندة (الرئيس) بوش حول الديمقراطية، باستطاعته الدفع قدما بالمصالح الأميركية وتعزيز نزعة تقرير المصير للشرق أوسطيين، ليس بالضرورة من خلال الاستفادة من أخطاء سلفه، بل لانجازاته أيضا".
وفى جانب منفصل، تناول "معهد دراسة الحرب" مسألة توسيع نطاق الدور الأمريكى فى العراق، وقال "هناك قضيتان جامعتان من شأنهما خفض إمكانية قيام العراقيين بالموافقة على تجديد العمل بالمعاهدة العسكرية "إس أو إف إيه".
وقال المعهد: "أولا.. الأحزاب السياسية العراقية منقسمة على نفسها فان الزعامات العراقية تفتقد القدرة والإرادة السياسية للقيام بإعادة التفاوض حول المعاهدة مع الولايات المتحدة.. وفى هذه اللحظة بالذات، فان اللاعبين السياسيين العراقيين لا يصدقون أن مسئولية النظر فى الأمر تقع على عاتقهم، ولا يدركون مكاسب المبادرة بذلك التى تتجاوز مخاطر الإفصاح العلنى عن موقفهم الداعم لها.. وعليه، تسود حالة من الجمود فى العراق حول الاستمرار فى النقاش قدما"،
وأضاف المعهد: "ثانيا، المفاوضات بشأن اتفاقية أمنية جديدة ستكون ملزمة للأخذ بعين الاعتبار سياسات ومصالح أطراف محلية وإقليمية عدة.. ومن شأن تعقيدات المفاوضات أن تكون وتيرتها بطيئة، فى أفضل الحالات، ولن يكون بالمستطاع إنجازها سريعا لضمان استمرارية القوات العسكرية الضرورية للبلاد".
الرئيس الأمريكى باراك أوباما
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة