قال الدكتور خالد عزب مدير إدارة الإعلام والمشروعات بمكتبة الإسكندرية، إن نصف أعضاء اتحاد الكتاب العرب ليسوا بكتّاب؛ موضحًا أن غالبيتهم انضموا للاتحاد من خلال المحسوبية والواسطة لدى لجنة القيد.
ودعا الدكتور خالد عزب خلال الندوة التى عقدتها له هيئة أبو ظبى للثقافة والتراث حول "مستقبل الثقافة العربية"، إلى ضرورة إصدار قانون لحفظ حقوق المؤلفين، كالقوانين التى تحكم حقوق المطربين والملحنين، ليكون هذا القانون بداية لنهوض حقيقى بصناعة الكتاب؛ مؤكدًا على أن احترام حق المؤلف سيؤدى به إلى الإبداع واحترام جمهوره، كما سيجعل للجمهور حق محاسبة المؤلف على ما ينتجه، منتقدًا فى ذلك اتحاد كتاب العرب وعدم تفكيرهم فى ذلك.
وقال عزب إن غالبية الناشرين ليست لديهم خطط مسبقة للنشر ولا يهتمون سوى بتحقيق مكسب مادي، مؤكدًا على أن العالم العربى يفتقد إلى صناعة النشر، وأن ما لدينا هو من مطابع للكتب وهيئات ودور تعيش على ميراث قديم أو بدعم مستمر من الدولة، أو تقتات على نشر الكتاب الجامعي، أو تستغل حفنة مما تبقى من أسماء عربية لامعة فى عالم الكتابة دون أن تخرج أجيال جديدة.
وشدد عزب خلال الندوة التى أقمتها هيئة أبو ظبى للثقافة والتراث تحت عنوان "مستقبل الثقافة العربية" على أن تحميل جهة بعينها المسئولية أمر فيه اختزال للمشكلة فى طرف واحد دون بقية الأطراف التى أجملها في: هيئات الكتب الرسمية، واتحاد الناشرين العرب، واتحاد الكتاب العرب، والصحف ووسائل الإعلام، وكليات الفنون الجميلة والتطبيقية، ودور النشر العامة والخاصة، وغرف صناعة الطباعة والمطابع، ووزارات المالية، ووزارات الصناعة لمسئوليتها عن صناعة الورق.
وأكد فى حديثه عن المجلات الثقافية أن مجلة العربى الكويتية مازالت تتربع على عرش المجلات الثقافية العربية؛ فهى ولدت عربية الطابع وقدمت خدمات جليلة للثقافة العربية، إلا أننا الآن أمام حالة جديدة تتمثل فى ظهور مجلات ثقافية رقمية على نحو مجلة أخبار الثقافة الجزائرية التى أخرجت لأول مرة الثقافة الجزائرية من محيطها الوطنى الضيق إلى الوطن العربى الكبير عبر جهود تطوعية من مثقفين، فأنهت احتكار وزارة الثقافة الجزائرية للإصدارات الثقافية، وظهر ما يسمى "المثقف المستقل".
ولفت إلى أننا نفتقد فى العالم العربى مجلات مثل "عالم الفكر" الكويتية، و"المورد" العراقية، و"فصول"، و"المخطوطات العربية" وغيرها من المجلات التى تأخذ منحى العمق فيما تنشره وتكشف عن مفكرين وفلاسفة ومبدعين، مشيرًا إلى أن هذه المجلات تعثرت فى السنوات الأخيرة.
وتطرق الدكتور خالد عزب إلى قضية المكتبات، وما إذا كان عصر المكتبات قد انتهى فى ظل الثورة الرقمية التى يشهدها العالم؛ إذ إنه مع ظهور المكتبات الرقمية أصبح هناك تساؤلات عديدة حول ماهية هذه المكتبات، ومدى تهديد السيل الغزير بها من المعلومات والمعارف للهوية الثقافية، وما إذا كان ظهورها يعنى انتهاء عصر المكتبات التقليدية.
وعرّف عزب المكتبات الرقمية بأنها مجموعة من المعلومات الخاضعة لإدارة منهجية، تهدف إلى تقديم خدمة معرفية من خلال اختزان المعلومات فى صيغ رقمية، وإداراتها، ومن ثم إتاحتها عبر شبكة من الحاسبات. وفرّق فى هذا السياق بين السيل المتدفق من المعلومات إلى الحاسب الآلى لأى شخص، وبين إدارة المعلومات عبر شبكة الإنترنت؛ فالأولى تعنى العشوائية، والثانية تعنى أن هناك من ينظم هذه المعلومات ويدققها ويمحصها قبل أن تصبح ذات مصداقية لدى من يتلقاها.
وقال إن مفهوم المكتبات بات حوله نقاش جدي، فهناك تحولات جذرية تحدث الآن، أدى بعضها إلى تشكيل اتحاد دولى للمكتبات الرقمية(DLF) فى مقابل الاتحاد الدولى للمكتبات (التقليدية) IFLA؛ حيث يضم الأول المكتبات الجامعية فى الولايات المتحدة والمكتبة البريطانية وجامعة أكسفورد ومكتبة الإسكندرية، وهم يسعون جميعا من خلال معايير صارمة نحو خلق مجتمع مكتبى افتراضى يشكل وعاء للمعرفة الإنسانية على شبكة الإنترنت. أما الثانى فهو مجتمع المكتبات التقليدية الذى يرتكز على مفهوم المكتبات الوطنية التى تقوم بخزن وفهرسة وحفظ الإصدارات الوطنية وغيرها من أوعية المعرفة.
وألمح إلى أنه لا يمكن القول إن عصر المكتبات انتهى مع التدفق المعلوماتي، بل إن هناك مفهوما جديدا للمكتبات سيتشكل بحيث يكون معتمدا بصورة أساسية على البث الرقمى للمعلومات.
وأكد عزب على أن نشر الكتب لن يتوقف؛ ذلك أن إطلاع الإنسان على النوادر منها يماثل من حيث الكيفية رغبته فى اقتناء اللوحات القديمة وزيارة المتاحف والآثار. بل إن نشر كل ما هو نادر وقديم كنشر أوائل طبعات روايات شكسبير على موقع المكتبة البريطانية جعل القراء فى نهم نحو التعامل مع هذه الطبعات مباشرة. وأوضح أنه إذا كانت المكتبات الرقمية ستوفر النوادر من الصور والكتب التى ليس لها حقوق ملكية فكرية، فإن المكتبات التقليدية ستحتفظ بوظائف حفظ الكتب المطبوعة التى سيزداد الإقبال عليها، لأن التجربة أثبتت أن ظهور أى وسيط لا ينفى ولا يوقف الوسيط القديم للمعرفة الذى يطوِّر نفسه فى قوالب ووظائف جديدة.
كما أن المكتبات ستكون حاضنة للفكر وصانعة للثقافة، بدلا من أن تكون مجرد مؤسسة متلقية للمنتج الفكرى والثقافي. لذا، فإن مكتبة الإسكندرية الجديدة – على سبيل المثال - وضعت ضمن خطتها الإستراتيجية أن يكون بها مراكز بحثية منتجة لهذا الفكر وحاضنة للأجيال الجديدة من المثقفين؛ منها: مركز المخطوطات، ومركز الفنون، ومركز دراسات الخطوط والكتابات، ومركز الدراسات المعلوماتية، ومركز توثيق التراث الحضارى والطبيعي، وغيرها.
وأضاف أنه بات من الملح أن نفكر فى إنتاج كشّاف عربى يضاهى "جوجل" وبناء مكتبة رقمية عربية؛ إذ إن الفضاء الرقمى إذا لم يوجد فيه العرب بقوة، فلن يكون لهم مستقبل ثقافي.
وقدّم عزب خلال المحاضرة عددا من المقترحات؛ منها: ضرورة التنبيه إلى صعود دور المجتمع المدنى فى الحياة الثقافية خلال السنوات القادمة، خاصة بعدما أتاحته شبكة الإنترنت من مجالات جديدة أمام المثقفين للتغيير، وضرورة إعادة هيكلة المنظمة العربية للثقافة والفنون والعلوم (الإلكسو) بحيث يكون إلى جانب مجلس الوزراء العرب (التعليم- الثقافة) الذى يقرر سياستها مجلس آخر للمثقفين والمؤسسات الثقافية المستقلة، فضلاً عن أهمية دعم ميزانيتها.
وشدد كذلك على أهمية تعزيز دور كتاب الجيب مثل سلسلة "عالم المعرفة" فى الكويت، و"المكتبة الثقافية"، و"اقرأ"، و"كتاب الهلال"، لما لها من تأثير إيجابى فى الثقافة العربية، وإعادة النظر فى منظومة الثقافة العربية الرقمية لكى تنتقل من العشوائية إلى الإبداع واكتشاف المبدعين وتعزيز الثقافة العربية.
وطرح إشكالية المثقف المرتبط بالنظام الحاكم، قائلاً إن مستقبل الثقافة فى الوطن العربى ينبئ عن ميلاد المثقف المستقل عن منظومة تقليدية قامت على احتضان الدولة للمثقفين، مرجعًا ذلك إلى أن شبكة الإنترنت خلقت فضاء أوسع للنشر غير مكلف ماديا، يتيح للمثقفين التعبير عما لديهم، وأن يعملوا بصورة منفردة.
وأضاف أن الفترة المقبلة ستشهد ظهور المثقفين بعيدًا عن العواصم، بحيث تكون شبكة الإنترنت هى محطة انطلاق هؤلاء. كما أشار إلى افتقاد الوطن العربى للمدارس الفكرية ومراكز الدراسات المستقبلية، مشددا على أهمية أن يعى صناع القرار فى الوطن العربى قوة المعرفة كسبيل للتواجد فى عالم لا يعرف إلا المعرفة كأداة للحياة والبقاء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة