4 قصائد لعبد الرحمن مقلد من الديوان الفائز بمسابقة قصور الثقافة

الأحد، 29 مايو 2011 09:33 ص
4 قصائد لعبد الرحمن مقلد من الديوان الفائز بمسابقة قصور الثقافة الشاعر عبد الرحمن مقلد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نشيد للحفاظ على البطء


للسلحفاةِ غطاؤها الكاكيُّ..
حين تخافُ من ولعِ اللصوصِ برصدها
تنسى عواطِفَها وتجمدُ كالحجارةِ أو أشد
تضيقُ بالمتطفلينَ فتستقرُ حواسُها

للسلحفاة حديثُها عن صمتِها
عن لا مبالاةٍ تخلصُها
من التَسآلِ عن جدوى وجودِ السلحفاةِ
لها الطحالبُ كي تكونَ أليفةً مع نفسها والآخرين
لها الزمانُ كإبرة التريكو
تَخِيطُ بها رؤاها
تصنعُ الأحداثَ للأفعالِ

تنسجُ من بقايا دهشتين "بلوفرًا"
لتقي خلايا رأسها بردَ الشتاءِ وسرعةَ العربات
تحفظُ للطبيعةِ رتمَها العاديَّ
رِتْمَ البطءِ

يكفي للبطيئة أنه يكفي
لتقضي نزهةً تتأمل الحيواتِ عند الشطِّ
تلقمُ ما يتاحُ
تشمُ رائحةً لتُشعِرَ منخَرَيْهَا
أنها وثابةٌ وجميلةٌ ونشيطةٌ
لتكون راضيةً
فتُضِحِكَ نفسها ..
السلحفاةُ مزاجُها متحررٌ
وقتًا تكون سعيدةً
وقتًا تكون حزينةً
لكنها تُخفي مشاعرها بداخلها ..
وتملأ ظهرها، دكانةَ الوراقِ،
معرفةً وصمتًا وانبهارًا
كي تعودَ لعزلةٍ لا موتَ فيها أو حياة ..

السلحفاةُ تعيشُ حتى لا تجنَّ الكائناتُ
بهاجسِ الزمنِ السريعِ
فتستحيلُ وقودَ باخرةٍ يفرِّقُه الهواءُ
ولا نحسُّ بها
إذن للسلحفاةِ ضرورةٌ
لتُعَلِمَ، الصبرَ، المحبَّ،
يظلُّ ينتظرُ الحبيبةَ واضعًا ساقًا على أخرى
ويحملُ وردةً بيضاءَ
يَنسى نفسه ليشيخَ ثم يموتَ
لا تأتي الحبيبةُ
شاكرًا للسلحفاة صَنِيعَهَا ..

السلحفاة تقولُ:
يَحسبُني الجميعُ دقيقةً ورتيبةً
لكنها الفوضى أرتبُها
وأخلقُ عبقريةَ أن تعيشَ فقط
وتنسى أن نافذةً
يراقبُ خلفها القدرُ السلاحفَ..

لم أحققْ في مصائرِ آخرين
لكي أُعَدَّ بصيرةً
لأرى وأسمعَ
ما يدورُ بِمُتْحَفِ المستقبلِ الآتِي
ويَحسبُني الجميعُ غزالةَ الماضي وخازنةً له
وغزالةً
وأنا البطيئةُ في اللحاقِ بمستحيلي

لست عارفةً بشيء
لا مؤرخةَ الزمانِ
ولا مفسرةَ المصائرِ
لست شاهدةً على شيء
سوى أني اختفيتُ من الشتاءِ
وما رأيتُ سوى مصيري
أرنبًا يجري وأجري خلفه

السلحفاةُ مساءَ يومٍ باردٍ
نامتْ على عشبٍ
وكان مزاجُهَا متقلبًا
"لو أنني ربٌّ لَمَا غيرتُ شيئًا
لاختفيتُ عن العيونِ ..
تعبتُ قلتُ لتفعلوا ما تفعلون"

السلحفاةُ تقولُ:
لولا أن لى رأسًا كرميةِ مدفعٍ
لحسبتُ أني صخرةٌ وبكيتْ

السلحفاةُ تقولُ:
لولا أنَّ لي قلبًا
كفُسْتُقَةٍ يقشِّرُها الحنينُ
ورغبةً في داخلي لبكيتْ

السلحفاةُ تقولُ:
لولا أنني أنثى
يخصِّبُها قضيبُ الوقتِ
لا أهتزُّ من خوفٍ
لمتُّ صغيرةً كالكائنات ..


طَرِيقُنَا للبَيتِ

هل مشيتَ اليوم في هذا الطريقِ،
طريقِنا للبيتِ،
أذكرُه كما أتذكَّرُ اسمي،
شارعٌ أسفلتُ
يبعدُ، لا كثيرًا أو قليلًا، عن مكانٍ ما
بحيٍّ ما .. هناكَ على يمينِ النيلِ
.. أذكرُه كما أتذكَّرُ اسمي
يرتادُهُ ناسٌ وناسٌ آخرونَ
له بيوتٌ هشةٌ وله دَكَاكِينٌ مغلقةٌ
ورائحةٌ أُميِّزُها ..
إذا اقتربتْ خطاي من المكانِ
يدلُني أنفِي عليها
..
بيتُنَا هذا القريبُ يضيعُ مني
..
كنتُ أذكرهُ كما أتذكَّرُ اسمي
الآن غابَ ولستُ أذكرُ أيَّ شيءٍ..

هل مشيتَ اليومَ في هذا الطريقِ
وهل صدمتَ السائرينَ اليومَ
كم سيارةً صدَمَتكَ
أنت مَنِ اطلعتَ على مماتِكَ
غيرَ أنك لا تدققُ في الزمانِ
"مباغتٌ في الليلِ يمشي وحدَه ..
صدمَتْهُ مركبةٌ فماتَ ولا زيادةَ"
هل رآك الآخرونَ
وهل رأيتَ الآخرينَ
مشيتَ لم تعرفْ ..
لماذا كلُّ هذا الليلِ
لم تدركْهُ قبْلُ،
وقد مشيتَ بلا ظلالٍ
ربما سقطتْ ظلالُكَ
عدْ لها واحملْ بقايَاهَا
لتخمدَ..
حينما ستفيقُ ..
أمَّا الآنَ فافعلْ أي شيءٍ..

هل مشيتَ اليومَ في هذا الطريقِِ
وقلتَ للأصحابِ:
"أخشى أن تموتَ النارُ فينا"
لا يهمُّ "الغابةُ احترقتْ"
وليس بوسعنا شيءٌ سوى
أن نوقدَ النيرانَ في الأشجارِ مثل الآخرينَ
الغابةُ احترقتْ ..
نفرُّ ونشعلُ النيرانَ ..
نحن وقُودُها الأَزَلِي
لا لا تخمدُ النيرانُ فينا أو تَموتُ ولا نَموتُ
نشدُّها في قلبٍِنَا كمسافرينَ
"الغابةُ احترقتْ"
وليس بوُسعِنا شيء ٌ
سوى أن نُوقدَ النيرانَ
نحرقُ أيَّ شيءٍ

هل مشيتَ اليومَ في هذا الطريقِ
وهل مشيتَ الأمسَ
لم تتغيرِْ اللقطاتُ
لكن المُصوِّرَ غيََّر الكاميرا بأحدثَ

قالَ: أَبحثُ عن فضاء ٍ
لا يعكِّرُهُ الهواءُ ولا الدخانُ
أسيرُ فيه أصوِّرُ المعنى
بهيئتِهِ الخفيَّةِ والشفيفةِ
طالما لم يأتِ في حَدْسِ المصورِ
أن يغيرَ في تضاريسِ المكانِ
وطالما لم يسألِ اللهُ القوي عبيَدَه
"لن يُعجبَ الشعراءَ كوني
هل أرتِّبُهُ كما سيرونهُ أم هلْ أرتبُه كما سأشاءُ؟"

لم تتغيرِ اللقطاتُ ..
لكنَّ المصورَ غيّر الكاميرا بأحدثَ
كي يصوِّرَ أي شيءٍ

قل هل مشيتَ اليومَ في هذا الطريقِ
هل استرحتَ غفوتَ وقتًا..
أو عبرتَ منازلًا سبعًا
وقلتَ "الآن مالى لا تطيقُ يدايَ شدَّ القوسِ،
أو حتى امتطاءَ الخيلِ ..
ما لي كنتُ سيدَ هؤلاء وهؤلاء
وسيدَ المستضعفينَ
خرجتُ في "أثرِ الغزالِ"
مشيتُ في هذا الطريقِ وعدتُ
كي يتذكرَ الأصحابُ أني لن أعودَ
ولم أخبِّئْ في المخدَّةِ وردةً
كي يذكروني ..
هكذا من غيرِ تذكرةٍ مشيتُ
ولم أخبئْ أيَّ شيءٍ

هل مشيتَ اليومَ في هذا الطريقِ
وقلتَ "كفي يا تماثيلُ استقري في مكانٍ واحدٍ
حتى أعي هل تهتُ أم ضاعَ الطريقُ
يقول أصحابي "لماذا لا نعودُ"
يرد أهدئُهم: لماذا نحن في هذا المكانِ
يحيطُنَا نغمٌ يهيئُ للرومانسيينَ من أعدائِنَا
"سفرًا سعيدًا للخيال" ويستبيحُ فضاءَنَا
فنَضِجُّ من جدوى الهدوءِ
ونحن نمشي
نستقرُ لنستريحَ
أمامنا مقهى وناسٌ جالسونَ
وخلفنا مقهى وناسٌ جالسونَ
فهل تعذبُنَا خطانَا أم نُعذبُها
خطانا تلك تحملنا لأينَ
لأي برٍ هادئٍ
ستعودُ تحملُ آيبينَ
وخاسرينَ وساخطينَ
وشاكرينَ لأي شيء ..


مصاحبة الرمادي الثقيل

يعني الرماديُّ الثقيلُ
تخلُّصَ الألوانِ من ألوانِها
وفناءَها في لونها العبثيِّ
في لونِ الرماديِّ الثقيلِ
فناءَهَا في حضرةِ المصباحِ
حين تذوبُ في جسدِ الفتيلِ
فناءَهَا في ربْكةِ الألوانِ
في عششِ الدجاجِ
وفي بيوتِ العنكبوتِ
وفي معانقةِ المصيرِ كغائبٍ نشتاقُ عودتِهِ
لنبكي

في مساءلةِ الهواجسِ عن مسبِّبِها
وفي مطرٍ بليلٍ لا تحدِّثُكَ السماءُ بهِ
وفي حزنِ المقابرِ حين يغلِبُكَ الحنينُ
وفي خيالِ الكهفِ حينَ يمرُّ
ثم يغيبُ
...............
يعني الرماديُّ الثقيلُ حيادنَا
لما ستشتبِكُ الجيوشُ معًا
سيكفِينا التفرُّجُ والخروجُ
أكُفُّنا بيضاءُ
لا ذنبَ يعلُوها
ستكفينا الجروحُ من التشظي
من معاتبةِ الضميرِ
لأنَّنَا لا شأنَ يَعنِينا سِوَى
رصْدِ المعارِكِ
والبكاءُ على دمٍ لزجٍ يسدُّ السهلَ
هل هذا يميلُ القلبَ نحو الخاسرينَ
حيادُنا يعني التمرسَ في مشاهدةِ القتالِ
فلا نميلُ لأي طائفةٍ
لأنا لم نشاهدْ أي شيء واضحًا
ولذا سيكفينا البكاءُ على الضحايا

يعني الرماديُّ الثقيلُ
رجوعنا لطفولةٍ
نحكي ملامِحَها
لنهربَ من كهولَتِنَا
ومن مَلَلٍ يميتُ الروحَ
يعني كونَ أيدينا ملوثةً بطينِ الأرضِ
أنَّا كلما سِرْنا سقطْنَا
فاختلالُ الوزنِ يُفقدُنا امتلاكَ الأمرِ
ـ هذا ما نشاءُ الآنَ ـ
أنْ نمشي ونسقطَ
أنْ نصاحبَ غيمنا
حيث السماءُ تمدُّ أيديَهَا
فنحسبُ أنها اقتربَتْ
لماذا كلما اقتربَتْ بعُدْنَا
كنت أحسبُها تميلُ
ولم نزَلْ نشتاقُ طعمَ لُعَابِها لما يسِيلُ

رجوعَنَا والشمسُ تغربُ للبيوتِ
ولم نزلْ نخشى من العرباتِ
من رُكَّابِها
نخشى مصادقةَ الغريبِ
وإن صحِبْنا ظلَّهُ
ونشيدَهُ ودبيبَ خطْوٍٍ
غابَ عن عيني
ولكنْ لا يزال يدقُّ لي جرسًا
لأصحوَ حين أبعدُ أو أنامُ
على المفارقِ لا أعي للذئبِ والحرباءِ
..............

يعني الرماديُّ الثقيلُ رجوعَنا لخيالنا القرويِّ
للنظرِ البعيدِ
ولاصطحابِ الظلِّ أين نسيرُ
للطرقِ الرمادِِ
رجوعُنا لله يرسمُنا على مهلٍ
فنضحكُ من خطى الفرشاةِ فوق عيوننا
"ولَكَمْ نحبُّك حين تأخذُ رُوحَنَا في الليلِ
تمنحُنا السكينةَ..
كم نخافُ وأنت تصبغُ وجهَنا
من قصْعةٍ مُلِئَتْ بلونٍ
أبيضٍ في أسودٍ
لونٍ له طعمُ الحياة مخضبًا بالموتِ
باللونِ الرمادي الثقيل..
***

الناس الذين هنا
ـ الأرضُ أقطعها لنا ربٌ
وقالَ "لديكم الأوقاتُ
فابنوا عشةً في عشةٍ
وأنا سأمنحُكم حياةً ضَمِّخُوهَا بالدماءِ"

ـ الأرضُ أقطعَها لنا ربٌّ على جبلٍ
وكنَّا تائهينَ .. البحرُ مَرسَانا وقوتُ عيالَنَا
.. قلنا لنسمع ما يقول الربُّ ...
كان الخضرُ قائدنا لهذي الأرضِ
أرشدَنَا وغادرَ
قال "كونوا ليس أكثرَ أو أقلَّ"
ولم نكن يومًا فلاسفةً لنفهمَ ما يقولُ الخضرُ
.. صدَّقْنَا لأنا لم نجدْ إلا خيارًا واحدًا
والموتُ ليس بوسعنا..

في أوَّلِ الأمر اتكأنا على أجسادِنا
حتى تعِبْنا
ثم أجلَسَنا الحنينُ القرفصاءَ
جوارَ بعض ..

منذ كنا صبيةً حتى كبرْنا
لم نشاهدْ أيَّ مارٍ أيَّ خيلٍ أيَّ دنيا
غير دنيانا التي قامتْ..
فعشنا لم نغيرْ أيَّ شيءٍ أي شيء..
في أديمِ الأرضِ أنشأنا أسرَّتَنَا ..
عراةً لم نزلْ من يوم جئنا مهملينَ
نعيشُ ليس سوى نعيشُ
نقومُ من نومٍٍ لنومٍ

لم نوسِّعْ مُلْكَنا
كنا كسالى .. لم نقم بتجاربٍ كبرى ..
لم نكن شعراءَ أو أربابَ أمزجةٍ
ولا كنا خياليينَ أو متطلعينَ

على أديم الأرض أنشأنا أسِرَّتنا
ولم نفكرْ في الحضارةِ
لم نجدْ جدوى لذلك
نحن مَنْ ؟ حتى نفكرَ
نحن مَنْ ؟ حتى يفَكِّرَ غيرنا فينا
الأرضُ أقطَعها لنا ربٌ على جبلٍ ..
في أولِ الأمرِ .. اتكأْنَا على أجسادِنَا حتى تعبنا





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة