اتسم الشعب المصرى عبر تاريخه بالتدين، الذى يعتبر من أهم مقومات الشخصية المصرية، وسرعان ما ينصهر فى بوتقة الدين الجديد الذى يجد فيه الخلاص والخلود؛ فجعله متسامحا لا يعرف للتعصب والعنف طريقا.
وبالنظر فى التاريخ المصرى لم نجد صراعا طائفيا دينيا بالمعنى المفهوم بين مسيحيين ويهود، أو مسيحيين ومسلمين، اللهم إلا حوادث نادرة جدا، مجرد عوارض لا تمثل ظاهرة تهدد هذا الكيان المتماسك، الذى يتميز به المصريون عبر تاريخهم.
كنت تراهم متماسكين وقت الرخاء والشدة، فى لحظات انتصاراتهم وانكساراتهم، يواجهون الشدائد ويقفون وقفة رجل واحد، ويتلقون رصاصات الأعداء التى لم تفرق بين مسلم ومسيحى (ولا نقول قبطيا، فالقبطى هو المصرى وليس المسيحى كما يشاع عن الأقباط الحاليين) إبان ثورتى القاهرة الأولى والثانية ضد الحملة الفرنسية، وفى كفاحهم الطويل ضد قوى البطش والطغيان، وضد الاحتلال الإنجليزى، وكانت ثورة 1919 خير تعبير عن هذه الروح القوية؛ حتى أشرقت شمس الحرية على مصر، وتحررت بيد أبنائها بعد ثورة يوليو سنة1952.
وكان مسيحيو مصر من نسيج هذا الشعب المصرى الذى صاغته روح واحدة، فكان نوبار باشا أول رئيس وزاراء مصرى مسيحى، وتبعه رؤساء مسيحيون كيوسف وهبة وبطرس غالى ومكرم عبيد، ووزراء مسيحيون كثيرون، وكانوا يعتلون هذه المناصب لأنهم مصريون دون النظر إلى الديانة، حتى يد الغدر التى طالت بطرس غالى لم تكن بسبب فتنة طائفية، ولكن لأهداف سياسية، وهى نفسها التى طالت محمود فهمى النقراشى وبأيدى مسلمين.
لكن هناك من يتربص بهذه الوحدة الوطنية التى تريد أن تفرق روح الأمة وتريدها أشلاء متناثرة ترقص عليها؛ حتى تحقق أغراض وأطماع طيور الظلام الكامنة خلف الستار لتجعلها فوضى، وتتحكم فى مقدرات الأمورإرضاء لسادتها الذين لا يريدون استقرار لهذا الوطن.
وبعد ثورة الخامس والعشرين من يناير اعتقدنا أن فلول الظلام ستستكين وتعود منكسرة، ولكنها لجأت لسلاح الخسة لتمزيق أوصال الأمة، ولعبت على وتر الطائفية للوقيعة بين المسلمين والمسيحيين بداية من أحداث أطفيح والمقطم وأخيرا أحداث إمبابة، وبسرعة البرق تنفث أبواق الشر سمومها، ويعلم العالم كله أن مسيحيى مصر مضطهدون، ويتعرضون للقتل، وتسلب حقوقهم ويتعرضون لاغتيالات، وكل مسيحى يخشى على ابنته من الاختطاف، والإكراه على الدخول فى الإسلام؛ وتعتبر أبواق الشر هذه الأحداث مادة دسمة للقدح فى الإسلام والمسلمين، لبث سمومها وزرع الفتنة، وتأليب الرأى العام العالمى ضد مصر، وتوجيه الأنظار نحو اضطهاد المسيحيين فى مصر، والدعوة إلى التدخل فى شئونها وفرض الوصاية على مصر بحجة حماية المسيحيين.
وما يدعو للأسى هو انسياق الإخوة المسيحيين سريعا وراء هذه الأكاذيب ويصدقونها ولا يستمعون لصوت العقل الذى يريد الاستقرار لهذه البلد، ويشيعون أنهم مضطهدون، وعندما يخطئ مسيحى وتتم محاكمته تقوم الدنيا ولا تقعد، وتظهر نبرة الاضطهاد الدينى، وتقوم المظاهرات للمطالبة بالحقوق والتدخل فى سياسة الدولة وتغيير القوانين، ووصل الأمر فى فترة ما أن طالبوا رئيس الوزاراء الإسرائيلى شارون التدخل لإنقاذ مسيحيى مصر المضطهدين.
إن الأمر جد خطير ويحتاج إلى التدخل لمن يريد استقرارا لمصر، ولا نريد مسكنات بين الفينة والأخرى ونترك الأمور كما هى، بل نريد وقفة حازمة للتدخل والقضاء على جذور الفتنة، والضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه نشر بذور الفتنة والوقيعة، وإسقاط الجنسية المصرية عنه سواء أكان مسلما أو مسيحيا.
نريد أن يعود إلى مصر أمنها الذى تتميز به عبر تاريخها، وأن تختفى نغمة العنف والنبذ الطائفى والاضطهاد الطائفى والفتنة الطائفية وغيرها من المسميات التى أصبحت مواد تتناقلها أبواق الشر؛ لتبث سمومها وتزرع الفتنة ولا تريد استقرارا لمصر.
عطا درغام يكتب: فى مشاكل الفتنة.. المسكنات وحدها لاتكفى
السبت، 28 مايو 2011 05:19 م