اعتاد حكام بنى صهيون على مدى العقود الماضية على تعييرنا والحديث بفخر وغرور كبيرين بأنهم هم "الديمقراطية الوحيدة"، فى منطقة تغرق فى ظلام الديكتاتورية والتخلف.
كان شخص مثل النتنياهو يكررها مراراً ويقصد التحقير من شأننا كأمة، وبعدها بساعات تجده جالساً مع حاكم عربى كمبارك أو غيره، المهم هو أننى ببساطة شديدة أستطيع القول بأن قيامة النظام الصهيونى قد قامت، ليس على يد الأنظمة العربية البالية ولكن على يد الشعوب العربية الأبية.
فقد ثارت الشعوب العربية على تلك الأنظمة البالية التى اعتاد الصهاينة على تعييرنا بهم، وذلك على الرغم من كونها صنيعتهم، ولو كان الأمر بأيديهم لوأدوا الثورات العربية فى مهدها، فقد تابعنا جميعاً حالة الهلع التى أصابت حكام بنى صهيون خلال أيام زوال وخلع نظام مبارك، وكيف أنها - ومعها حفنة من الدول العربية والغربية - حاولت جاهداً لحث أمريكا على الوقوف فى وجه إرادة شعب مصر، كما نتابع حالة الحداد التى أعلنها الصهاينة ورجال أعمالهم بسبب زوال ملك آل مبارك!
ولكن شعب مصر - ومن قبله الشعب التونسى - ومن بعدهم باقى الشعوب الثائرة، أبهروا العالم، وأيقظوا تلك الكيانات الشيطانية على حقائق مذهلة، وعلى رأس تلك الحقائق أن هذه الشعوب أعظم كثيراً مما كانوا يتصوروا، لا يمكن أن ننسى كلمات الرئيس الأمريكى – التى هزت مشاعرنا وأشعرتنا بكينونتنا - عقب نجاح الثوار فى خلع مبارك ونظامه، تابعنا كيف كان العالم يتابع مسار ثورتنا العظيمة لحظة بلحظة، لا يمكن أن ننسى كلمات أشخاص كميركل مستشارة ألمانيا أو رئيسى وزراء بريطانيا واستراليا أو أمين عام الأمم المتحدة، تابعنا ردة الفعل الشعبية العربية لثورة أبناء أرض الكنانة...الخ.
ماذا يعنى كل هذا الحراك غير المسبوق لكل من الصهاينة ومن اعتادوا على مساندتهم؟ مؤكد أن أهم درس ينبغى أن يفهمه حكام بنى صهيون وداعميهم فى الولايات المتحدة وغيرها هو "أن قواعد اللعبة قد تغيرت"، لقد خرج المارد العربى من القمقم، ولن يعود مرة أخرى، لقد خرج ليصحح أخطاء الماضى، التى ارتكبتها الأنظمة البائدة، ومنها أخطائهم مع الصهاينة وحلفائهم.
مؤكد أنها ليست دعوة للحرب، فقد ثار العرب - وعلى رأسهم المصريين - لأنهم يريدون أن يحيوا حياة كريمة، شأنهم فى ذلك شأن باقى خلق الله، ولكن من أهم الدروس التى ينبغى أن يعيها شخص مثل النتنياهو أو غيره، هو أننا لسنا استثناءً على باقى الشعوب، كما روجت آلتهم الإعلامية على مدى العقود الماضية.
ولهذا، وبعد متابعتنا لخطاب النتنياهو أمام الكنيست الإسرائيلى مؤخراً، ثم خطابه أمام الكونجرس الأمريكى، وإصراره على رفض قيام دولة فلسطينية بحدود 1967م، تعجبنا كل العجب، فيبدو أن الرجل لا يزال غير مدرك لمعنى التحولات العربية، هو غير مدرك لحجم الخطأ الذى وقع فيه ساسة بنى إسرائيل بأنهم كانوا أمام فرصة ثمينة خلال العقود الغابرة الماضية، عندما كانت الأنظمة العربية البالية والمترنحة طوع أيديهم، هو لا يدرك أن القرار الآن بات بيد الشعوب! ولكن رب ضارة نافعة، فتمادى الصهاينة فى غيهم واعتقادهم الغبى بضعف شعوبنا وسع مطامعهم، وهاهم الآن – وفى قرارة أنفسهم – يندمون أشد الندم على الأيام الخوالى، هم يتمنوا لو أن عجلة الزمن تعود للوراء، ليوقعوا اتفاقاً واحداً مع العرب.
ولهذا رأيناه يكرر نفس العبارات البالية بكون القدس العاصمة الأبدية لإسرائيل، وأنه ليس هناك مكان لحق العودة، هذا ناهيك عن الشروط الأخرى التى لازال يفرضها، هو لا يدرك أن قواعد اللعبة قد تغيرت، وأن المفاوض الضعيف قد ولى، وأن أمامه الآن شعوب علمت العالم كيف يمكن استرجاع واقتناص الحق، فقد تابع العالم ثورتنا المصرية خطوة بخطوة، وشاهد كيف تمكن هذا المارد المصرى من استعادة حقه وكرامته، مؤكد أن هذه الشعوب لا يمكنها أن تقبل بأقل من الحقوق المشروعة للعرب وعلى رأسهم بالطبع إخوانهم الفلسطينيين.
وحتى خطاب الرئيس أوباما، ورغم ما تضمنه من عبارات تقدير للثورات العربية وخاصة ثورة شعب مصر، ورغم إدراكه لحجم التغيير الذى تشهده المنطقة، إلا أنه وتحت ضغط اللوبى الصهيوني، عاد ليؤكد على أن الولايات المتحدة ستعارض محاولات عزل إسرائيل فى الأمم المتحدة خلال الأشهر القادمة، ناهيك عن الحديث عن دولة فلسطينية منزوعة السلاح...الخ.
أعتقد أن أبلغ رسالة توجهها الثورات العربية للسيد أوباما واللوبى إضافة إلى طفله المدلل فى إسرائيل، هى أن العرب بعد 25 يناير 2011 يختلفون كل الاختلاف عن عرب ما قبل 25 يناير 2011، فالثورة المصرية تحديداً تشكل نقطة فارقة فى التاريخ العربى والعالمى، يا سيد أوباما، آن الأوان لأن تقبلوا بوجود العرب كند وكقوة لا يستهان بها، ببساطة لأن المارد العربى خرج ولن يعود مرة أخرى إلى القمقم.
فى ظل هذا الجو من الحرية، من مصلحة الولايات المتحدة – قبل الصهاينة – أن تغير منهجها كلية، وأن تجبر حكام إسرائيل على التعامل مع العرب بعقلية مختلفة تماماً، وإلا فالنتائج ستكون وخيمة وعلى الجميع، فلن تقبل الشعوب العربية سياسة الكيل بمكيالين، وربما يترتب على تطرف الولايات المتحدة فى دعمها لإسرائيل ولادة تطرف عربى مضاد، يحيل المنطقة بأكملها إلى جحيم، ولن تسلم منه الولايات المتحدة.
خلاصة القول، رسالة الثورات العربية للصهاينة ومن يدعمهم فى الولايات المتحدة وأوروبا هى رسالة واضحة كل الوضوح، ومحتواها "أن المنطقة قد تغيرت وأن العرب عادوا ليستعيدوا حقوقهم المسلوبة، ولن يقبلوا بأقل من حقوقهم، ولديهم الاستعداد للجلوس كأنداد لاستردا تلك الحقوق، ولن يقبلوا بأى خداع، وإذا لم يتجاوب معهم المجتمع الدولى وواصل تطرفه فى دعمه لإسرائيل، فالمؤكد أن المستقبل لن يحمل الخير ليس فقط للمنطقة ولكن للعالم أجمع".
هذه ليست رسالة تهديد ولكنها رسالة لكل ذى عقل وبصيرة، حتى نبدأ النظر للمشكلة من منظور جديد، مؤكد أنه لو استشعر العرب أن أهم مطالبهم قابلة للتلبية، فإنهم لن يترددوا فى قبول اليهود للعيش بينهم بسلام، والسلام ختام.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة