د. جمال نصار

لماذا تأخرنا وتقدّم غيرنا؟!

الجمعة، 27 مايو 2011 07:06 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بالنظر إلى واقعنا المعاصر وخصوصًا فى القرن الواحد العشرين نجد أننا نسينا أو تناسينا القيم الروحية، والمبادئ الخلقية مثل: الوفاء والمروءة، والصدق والعفو، والشجاعة والحياء، والأمانة والرحمة، وغيرها من الأخلاق الجميلة، واتجهنا بعقولنا وأعمالنا– فى كثير من الأحيان- إلى الحياة المادية، حياة الغدر والخيانة، والقتل والقسوة، فعشنا فى حروب ونزاع وقتال، وشاهد الكثير منا آثار الحرب العالمية الأولى (1914– 1918)، وآثار الحرب العالمية الثانية (1939– 1945) فى النصف الأول من القرن العشرين، وما زلنا نعانى من ممارسات البعض غير الأخلاقية.

ولو اتجه العالم إلى روح الإسلام وأخلاقه، وروح الجمع والتوسط بين الحياة الروحية والحياة المادية لتجنبنا تلك الحروب التى قاسى الغالب والمغلوب ويلاتها، وقاست الإنسانية فظائعها.

وما أجمل قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا".

إن التدخل الأجنبى من أهم الأسباب فيما حدث من حروب وويلات، وإن مطامع الدول الغربية هى التى هددت وتهدد السلام العالمى بالتدمير والخراب، ذلك التدخل الغربى، الذى كان سببًا فى تخلف الشرق والشرقيين، عشرات من السنين، فهؤلاء المستعمرون لصوص يدخلون البلاد الآمنة تجارًا فى الظاهر، ومستغلين وقراصنة فى الواقع، وأحيانًا على شكل مساعدات بأشكالها المختلفة.
فقد دخلوا لينهبوا ما فى بلادنا من خيرات وغنائم ومواد أولية، وليبيعوا منتجاتهم ومصنوعاتهم فيها، ويجردونها من أنواع الأسلحة والذخائر والخيرات، وينشروا فيها الجهل والفقر والمرض، ويشجعوا الفساد الخلقى والمخدرات حتى تضعف، ولا تستطيع أن تدافع عن نفسها. وساهم بعضنا– للأسف– فى مساعدة الغرب على تمرير أجندته.
فالاستعمار سبب التخلف فى البلاد الإسلامية، ولعل ما حدث فى العراق وأفغانستان أخيرًا، وغيرها من الدول خير دليل على ما أقوله.

ولو اتحد المسلمون فى العالم، وتعاونوا على البر والتقوى، ما استطاع المستعمرون- الذين يمتصون دماء الشعوب، ويتاجرون بالحروب- أن يدخلوا البلاد الإسلامية أو يسيطروا عليها فى يوم من الأيام.

ولو اتحد العرب ما استطاعت بريطانيا أن تشرد أكثر من مليون من الفلسطينيين، وتطردهم من وطنهم، لتخلق وطنًا ليهود العالم، يسمى (إسرائيل) فى أرض عربية.

فالمسلمون أولى الناس بأن ينسبوا انحطاطهم إلى أنفسهم وممارساتهم، وليس الذنب ذنب دينهم، بل هم منبع هذا الشر العميم الذى حل بهم، فأَذهب نخوتهم وحميتهم، وطبعهم بطابع الذل والصغار، حتى أصبحوا هملا لا راعى لهم تتخطفهم الدول الغربية.

إن المسلمين اليوم لم يتأخروا بسبب دينهم، ولكنهم تأخروا لأنهم لم يحافظوا على دينهم، فتدخل الاستعمار فى شئونهم، وسيطر على بلادهم زمنًا ليس بالقصير.

وقد شهد العلماء والمؤرخون بفضل المسلمين الأُول وعلمائهم، وأدبائهم، وفلاسفتهم، وحكمائهم، وأطبائهم، وقادتهم.
وقد كانوا يقودون العالم حينما كانوا محافظين على دينهم، وأخلاقهم الإسلامية، كالصدق، والوفاء بالوعد، والأمانة فى المعاملة، والإحسان إلى الفقراء، والدفاع عن الحق، والعدالة فى الحكم، والعمل لكسب الرزق، وصلة الرحم، وبر الوالدين، والتمسك بما أمر الله به، واجتناب ما نهى عنه، فلما تغير سلوكهم، وخالفوا المبادئ الإسلامية ضعفوا بعد أن كانوا أقوياء، وتأخروا بعد أن كانوا قادة العالم.

وإن الأمم الناهضة اليوم نهضت وتقدمت لأنها تتخلق بالأخلاق الإسلامية، ولو أنها لا تدين بالإسلام.

إن المجتمع الذى تسيطر عليه مشاعر التضامن والتضحية والمصير المشترك بين أبنائه يعتبر فى حالة متميزة من الرقى والتقدم.

هذا هو مناخ الحرارة العاطفية العالية الذى يظهر فى حالات الطوارئ، وفى المناسبات الوطنية عندما يجمع الناس شعور الأخوة والصداقة.

وكما يقول على عزت بيجوفيتش: "إن المجتمع العاجز عن التدين، هو أيضًا عاجز عن الثورة، والبلاد التى تمارس الحماس الثورى تمارس نوعًا من المشاعر الدينية الحية، إن مشاعر الأخوة والتضامن والعدالة هى مشاعر دينية فى صميم جوهرها، وإنما موجهة فى ثورة لتحقيق العدالة والجنة على الأرض.

إن كلا من الدين والثورة يولدان فى مخاض من الألم والمعاناة ويحتضران فى الرخاء والرفاهية والترف، حياة الدين والثورة تدوم بدوام النضال والجهاد، حتى إذا تحققا، يبدأ الموت يتسرب إليهما، ففى مرحلة التحقق فى الواقع العلمى نهاية الأمر، فالمؤسسات الرسمية لا هى ثورية ولا هى دينية.

فإذا وجدنا خصومًا للثورة فى نطاق الدين، فهم خصوم ينتمون إلى الدين الرسمى فقط، أى إلى الكنيسة ونظامها الإدارى الهرمى، أو الدين المؤسسى الزائف، وعلى العكس، فإن الثورة الزائفة أى الثورة التى تحولت إلى مؤسسة وإلى بيروقراطية، تجد دائمًا حليفها فى الدين الذى تحول هو أيضًا إلى مؤسسة بيروقراطية، فما أن تبدأ الثورة تكذب وتخدع نفسها حتى تمضى مع الدين المزيف يدًا بيد".

ما أحوجنا فى هذه الأيام أن نعود إلى ثقافتنا الأصيلة ومنابعنا الصافية وحضارتنا الراقية ففيها المخرج لما نعانى منه اليوم، بدلا من أن نلجأ إلى موائد الآخرين الذين يختلفون عنا فى العادات والتقاليد والأعراف، ولا يريدون لنا خيرًا أو تقدمًا إلا فى المظاهر دون الجوهر.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة