استهل الدكتور مصطفى حجازى الندوة بتعريف وثيقة الإعلان المصرى "للعدل والحرية والإنسانية"، بأنها إعادة لإحياء التيار الرئيسى المصرى، والذى يعمل على خلق حالة مصرية تجمع كل التيارات فهناك شيعية مصرية، وليبرالية مصرية ويسار مصرى، وهناك الشعب المصرى الذى يعانى الآن من حالة تفكك ويمكن لهذه الوثيقة أن تكون تذكيراً لهم بما كانوا عليه.
وأشار الدكتور المعتز بالله فى بداية كلمته إلى أن البعض يظنون أنهم كى يحكموا مجموعة من البشر فمن مصلحتهم ألا يتألفوا، وذلك عملا بالمثل "فرق تسد"، أو يتبعوا منطق المدرس الخصوصى الذى يهمل فى طلابه ليظلوا فى حاجة دائمة له، ونحن لم نذهب بمبارك قديم لنأتى بمبارك جديد.
وأوضح أن هذا يشبه مصر بالبقرة، ورغم أن التشبيه قاسى، إلا أن هذه هى الحقيقة، فكل مجموعة الآن تحاول سرقة "لبن الوطن"، ولا تنتظر كل التيارات، سواء "سلفية أو إخوان أو صوفية أو أقباط" إلى الانتماء للوطن الكبير، ومهما كانت عقيدة هؤلاء، فكل العقائد تضع قيمة الوطن فى أول أولوياتها، ولكننا للأسف ابتعدنا مع هذه التيارات عن المصلحة العامة، وكل أصبح يريد أن تمشى مصر على هواه الشخصى.
فيما علق الدكتور مصطفى حجازى قائلاً: نعم، وللأسف مصر لم تتحول إلى بقرة حلوب وحسب، بل تحولت إلى بقرة مذبوحة، يحاول كل تجمع اقتطاع جزء منها، وبعد الثورة قابلنا مشاكل تجمعات مصرية، وبعيدة كل البعد عن مفهوم المجتمع المصرى، لافتا إلى أن التيار الرئيسى يسعى إلى تكوين جماعة تذوب فيها هذه التجمعات، ونبعد عن الشكل القبيح الذى يحاول هؤلاء جرنا إليه.
وأضاف "حجازى" أن الجميع بعد 25 يناير يسألون ماذا بعد نجاح الثورة؟ فكان يأتى الرد من كل المحافظات بنفس ما تضمنته الوثيقة، مجمعين على رغبتهم فى مناقشة احتياجات المصريين الأساسية والوطنيه أكثر من أى مشروع وطنى آخر، مشيرا إلى أنهم يهدفون من خلال الوثيقة إلى خلق مظلة تجمع المصريين تحتها، بعيداً عن الحالة النخبوية وبدون أن يتحول ممثلو التيار الرئيسى إلى أوصياء على الشعب المصرى بالعكس، فهم ليسوا زعماء لكنهم مجرد رموز مثلهم مثل أى شخص آخر يتبع لهذا التيار.
وفيما يتعلق بأسباب ظهورهذا التيار بقوة بعد الثورة، وإذا ما كانت التجمعات والأحزاب التى أفرزتها ثورة 25 يناير هى السبب فى حالة التفتت التى يعيشها المصريون الآن، أكد حجازى أن فكرة التيار هى فكرة "قديمة جديدة" فهم لم يبتدعوا الفكرة، لكنهم قاموا بعملية إحياءٍ للتيار المصرى الرئيسى و"التنبيش" عن الوثيقة الموجودة قبل الثورة بسنوات عديدة، ولكنها خرجت الآن لتمثل حالة حزبية مجسدة على أرض الواقع، من خلال كل من يدعمها، فالمشهد كان غير نخبوى فى ميدان التحرير، لكن بعد الثورة أرادت قلة أن تملأ المشهد وتراجعت الناس بالتبعية عن الساحة، وبرزت لدينا خلافات نخبوية جديدة شكلت لهم كدافع رئيسى لإطلاق مبادرة الوثيقة.
فيما أكد الدكتور حنا جريس على كلام الدكتور "حجازى" قائلاً: إننا لا نريد أن يكون دعم الوثيقة نخبويا فقط، ونريد أن نفرق بين نوعين من النخبة.
أولها، التى ظهرت فى الثورة، وهى نخبة شباب المتعلمين التى نزلت يوم 25 يناير والـ 18 يوما بعدها، والتى ترفعت عن كل الخلافات من أجل المصلحة العامة. والأخرى هى التى احترفت الظهور الإعلامى وسرقة الأضواء، لكن هدفنا هو النوع الأول، وهم من نحاول تجميعهم مجددا على كلمة واحدة هى "مصر".
ومن جهته تناول الدكتور المعتز بالله الشق السياسى للوثيقة قائلاً: إننا بصدد مجموعة من البشر ممن يتحولون من حالة المفعول به إلى الفاعل الرئيسى، مؤكدا على أن المصريين يدخلون بعد 25 يناير إلى المجال السياسى من أوسع أبوابه بدون أن يشترط أن يكون تابعا لحزب؛ لأن حسب مفهومه، أن التحزب بدون تيار رئيسى يعدنا بالتعصب، وعلى أى حزبى أن يؤمن بأن باقى المنضمين للأحزاب مواطنون مصريون متساوون فى الحقوق والواجبات مثلهم، لكنهم مختلفون فى تقنيات التعبير عن مصريتهم.
وأضاف "المعتز بالله" قائلاً: إذا انتهى الإخوان المسلمون عن قول "الإسلام هو الحل" سيكونون من التيار الرئيسى، أو حينما تتخلى جمعية مثل "نصرة المسلمات الجدد" عن مطاردة "عبير وكاميليا" اللاتى تبين أنهن ليسوا أخوات ولا أى شىء، سينضمون إلى التيار الرئيسى، ويرجعون إلى مصريتهم من جديد، وكذلك إخواننا العلمانيون حين يتخلون عن أفكارهم سيتبعوننا فى هذه المسيرة، لافتاً إلى أن سبب معاناة مصر هو أن التيار الرئيسى بها ظل جامحاً - وليس جامعاً - فترة طويلة.
وفيما يتعلق بالتحديات التى سيبدأ رموز التيار الرئيسى فى مواجهتها قال حجازى، إن التحدى الأول سيكون مواجهة القله التى تقول "الناس عايزه"، والذين نوجه لهم سؤالين، الأول من هم هؤلاء الناس؟ والآخر ما هو تعريفهم لكلمة عايزة؟ ومن خلال إجاباتهم سنخلق ما هو أكبر من هذه الجملة ونكوَن ما يسمى بـ "الرأى العام المصرى" الذى يعبر فعلا عن رغبة مصرية حقيقية وليس مجرد كلام.
والتحدى الآخر هو أننا نجد الداعمين لهذه التيار الرئيسى مثل جريدة "اليوم السابع" ومن يسعون لحشد شتات الشعب المصرى كله، لنتواصل من خلالها مع أكبر مجموعة من المصريين، ونسعى للحصول على نسبة تتراوح ما بين 10 إلى 20 مليون توقيع على الوثيقة، حتى إذا ما قلنا كلمة "الشعب عايز" نكون على علم بإرادة المصريين فعلا هذه المرة.
وعندما توجهنا إلى الدكتور المعتز بالله وسؤاله حول مدى تأثير الانتشار الكبير للتيار الإسلامى، وإذا ما كان ذلك يمثل خطرا على التيار الرئيسى، رد علينا أنه يرى أن الإسلام بمفهومه الصحيح وعلى مدار التاريخ أيد التيار الرئيسى، وعلى سبيل المثال، لم يوجد شيخ أزهر "حنبلى" متشدد الطباع والمصريون أغلبهم معتدلون، يجمعون كل التيارات بما فيها التيار السلفى لذا لن يكون التيار الرئيسى معارضا لذلك الفكر.
وعن امتناع السلفيين عن تأييد الوثيقة، قال المعتز إن السلفيين سيذهبون للتيار الرئيسى حتى لو لم يكن ذلك بقرار واع منهم، وما دام التيار الرئيسى لم يتعارض مع ثوابت الدين الإسلامى فالسلفيون سيرحبون به وينضمون إليه.
وأكد المعتز بالله أن سلوك السلفيين دائم التغير، والذى ظهر فى تعريفهم لكلمة الديمقراطية، وفق المصلحة أيضا فقد كانوا يطلقون على الديمقراطية قبل الثورة كفراً، ولكنهم غيروا مفهومهم بعد الثورة واعتبروا الديمقراطية حالة تعبر عن المصريين، كما أنهم رحبوا بوجودها لذا لا يخشى منهم على التيار الرئيسى.
فيما قال أحمد عادل عن وسائل تواصل رموز التيار الرئيسى مع فئات المجتمع، وما إذا تم البدء بالوسائط الإلكترونية لبدء الإعلان عن الوثيقة، لافتا إلى أن الناس فيما مضى، كانت تتعامل مع شبكات التواصل الاجتماعى على أنها مضيعة للوقت ومحاولة لقضاء وقت الفراغ، ولكن تأثير هذه الشبكات فاجأ من لم يصدق أن مثل هذه الوسائل قادرة على تغيير خريطة مجتمع بأكمله، لذا طرحنا على أنفسنا سؤالا: لماذا لا نتواصل مع هؤلاء الشباب بنفس الوسيلة الذى استخدموها فى الثورة؟ وبدأنا بتأسيس موقع "الشعب يريد"، بالإضافة إلى صفحة الفيس بوك التى تحمل نفس الاسم، والتى وصل المعجبون بها بالآلاف.
وفيما يتعلق بالخطوات المستقبلية لتطبيق الوثيقة، قال الدكتور حجازى عن المشاركة الشعبية فى اختيار القضايا ومناقشتها وإيجاد حلول لها، مؤكداً على حالة الحرمان التى عاشها المصريون من المشاركة فى صياغة مستقبلهمن والتى ستنتهى الآن، وأن الفرصة أتيحت للمصريين لصنع هذا المستقبل، وأنه سيعملون على هذه المشاركة الشعبية لتطور مرحلة تلو الأخرى.
وأشار "جريس" إلى أن جمهورهم المستهدف، سيشمل قاعدة عريضة من المصريين البسطاء، ممن سيشعرون بها أكثر من مجرد قراءتها، واستشهد بمسرحية "منين أجيب ناس" لمؤلفها نجيب سرور التى يمثل فيها العامة فى صورة "بهية" التى كانت بطلة المسرحية، حيث يجلس معها النخبة ليشرحوا لها الوضع السياسى للبلد ثم يسألوها: فهمتى؟ فتقول، لا ولكنى "حسيت"، وهذا تعبير بسيط جدا عن حالتنا مع المواطن المصرى الذى يقولون له اشعر بالوثيقة بقلبك قبل أن تقرأها بعينك، لأن الوثيقة تعبر عن مشروع وطنى كبير بدأً برفاعة الطهطاوى تحت اسم "مصر للمصريين"، وهم يكملوه الآن بعنوان "وثيقة العدل والحرية والإنسانية"، واختتم كلامه بأن الجماهير قادرة على اكتشاف من يستغلها ومن يعبر عنها فعلا.
وقد أكد "حجازى" على كلام "جريس" قائلا: إن الشعب أراد وفوض من قبل، ولكنه لم يقود وهذه المرة سيريد ويقرر ويقود وهذا إنجاز تاريخى فى حق ثوار 25 يناير .
وأوضح عبد الفتاح إن التجربة قد طبقت فى عدة دول من قبل وضاربا المثل بالشعب الأمريكى الذى وضع لنفسه وثيقة الاستقلال ليجمع عليها كل الأمريكيين وكذلك الأنجليز فى المملكة المتحدة ممن صدقوا على بعد فكرة "الماجن كارت"، أما فى مصر فمن كثرة ما توغلت روح الوحدة فى المصريين أصبح من الضرورى التنقيب عنها وترجمتها إلى وثيقة تعيد أحياء هذه الروح الموجودة بداخلنا بالفعل والتى اختفت تدريجيا فى الثلاثين سنة الأخيرة مضيفا أننا إذا ما فعلنا ذلك سنتمكن من الخروج بدستور حقيقى وأحزاب قادرة على القيام بمصر من وعكتها التى تعانيها الآن .
وعن المظاهرات التى تتواصل فى ميدان التحرير قال الدكتور حجازي، أنه يشعر أن معظم متظاهرى ميدان التحرير الآن هم فى حالة حنين الى أيام الثورة أكثر من كونهم متعصبين، لافتا إلى أن هدفهم هو لى ذراع الحكومة والضغط عليها لتنفيذ مطالبهم، وذلك لأنهم لم يلتفوا حول مشروع وطنى حقيقى من عقب التنحى .
وأضاف أنه قبل 25 يناير كان لدينا حاكم يريد وشعب يرضخ أما بعد 25 يناير فنحن سنخلق حاله أخرى تتكون من شعب يريد وحكومة تتفهم هذه الإرادة الشعبية.
وأوضح "جريس" أن الدولة القادمة ستقوم على ما ينجزه المجتمع المصرى، وليس ما تنجزه الحكومة وهذا هو التحدى الحقيقى.
وعن دور الإعلام قال حجازى إن الإعلام الآن يهدم ولا يبنى ويسعى للإرشاد وليس الترشيد، لذا يلاقى الخطاب الإعلامى غير المرشد بتأثيرات سلبية، وينشر رسائل غير حريصة على التوعية للمصريين.
وحول مدى الدعم الذى يلاقيه التيار من المجلس العسكرى ومجلس الوزراء، قال المعتز بالله إن المجلسين على علم كامل بهذا التيار، وهم لن يتأخروا عن تقديم أى دعم طالما أن هذا فى الصالح العام.
واتفق المشاركون فى الندوة على أن أوليات المرحلة الراهنة تتمثل فى الملفات الآتية:
التعامل الوطنى غير المتعصب مع ما يطلق من محاولات بلبلة للوعى والملفات قصيرة المدى مثل شكل الدولة القادمة والدستور والرئاسة والبرلمان، وما يتعلق بالملفات التنموية مثل إصلاح التعليم والصحة وكل مؤسسات الدولة، فضلا عن الملفات النهضوية التى تعنى مصر القادمة.




