حمدى خليفه

رموز صنعت التاريخ

الخميس، 26 مايو 2011 07:16 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ولد على باشا مبارك فى قرية برنباى بمحافظة الدقهلية، عام 1823، لأسرة متوسطة الحال، ترك لها محمد على باشا من إرثها ما يعينها على الحياة، فوالى مصر أخذ أراضى من الأغنياء لصالح الدولة لتستقيم الأمور وتنصلح أموال البلاد، خاصة أنها كانت خارجة من منعطف عصر السلب والنهب والاضمحلال المملوكى الذى ضعف فى أخريات حكمه.

على نهر طناح كانت نشأته وكان تعليمه على يد الشيح أحمد الخضرى، الذى حفظ عنه القرآن الكريم فى عامين، قبل أن يبلغ الحلم، وبجوار تعليمه عمل لدى أحد كاتبى هيئة المساحة التى تحفظ حدود الأرض ومعالمها وكان راتبه خمسون قرشاً شهرياً، وعمله فى جمع المستحقات الشهرية لماسح الأرض وفض أى نزاع ينشأ حول الحدود، خاصة مع حرث الأرض عند زراعتها كل موسم.. فأكل الماسح حقه ولم يعطه أجره ثلاثة أشهر، فلجأ على مبارك لأخذ حقه بالحيلة، فعندما جمع المستحقات الشهرية لسيده ألقاها فى حجرة وهرب مسرعاً بعدما حصل على أجر الثلاثة أشهر، ففطن الماسح لهذا المكر فأخذ يستميل فيه بالوسطاء حتى ألقاه فى سجن بوليس المنصورة، وظل شهورا عديدة حتى خرج عام 1938 بعفو الوالى محمد على باشا، الذى كان يتفقد أحوال الولاية ويعفو عن المظالم التى ترد إليه برسالات خطية.

وحينما نما إلى مسامع والى مصر ذكاء هذا الفتى وروعة خطه وكتاباته أمام مركز البوليس لشكاوى المظالم، ضمه للأزهر الشريف وأرسله فى بعثة إلى فرنسا لتلقى العلم هناك.. وهذه الرحلة التى استبقت رحلة رفاعة الطهطاوى الذى كان يكبره باثنين وعشرين عاماً، وبدأت عملية إصلاح التعليم فعهد إليه والى مصر بنظارة التعليم والسجون والمرافق فشرع فى بناء القاهرة وتنظيم شوارعها، على غرار رؤيته لباريس، فنظم منطقة وسط البلد وأبنيتها عبر شوارع سليمان باشا وقصر النيل وشارع فؤاد، وبدأ يمهد الصورة التى نراها اليوم أجمل ما تكون.. فعمارات وسط البلد الشامخة الجميلة فى تحفتها المعمارية، والتى لم تأتها العشوائية ولم تطرأ عليها كما رأينا فى سنين مضت، ففساد المحليات قضى على الأخضر واليابس.

ثم تولى سعيد باشا بن محمد على حكم مصر، وكانت ميوله فرنساوية، فعصف بكل ما صنعه على مبارك وأعفاه من نظارة التعليم وإدارة المرافق والسجون، فعاد به إلى مسقط رأسه فى برنباى بالدقهلية، ليعمل بالزراعة فلم يحصل على مسكن يعينه على الحياة فى القاهرة أو حتى مالاً سواء بطرق مشروعة أو غير مشروعه وكان يبكى عندما يستعصى عليه الفأس فى كلتا يديه وتقدح الشمس جبهته ويطول معه النهار حتى انقشعت ظلمة سعيد وأتى من بعده إسماعيل، الذى بعث فى طلبه وولاه النظارات التى كان قائماً عليها فأنشأ مدرسة دار العلوم عام 1873 من الميلاد للحفاظ على اللغة العربية التى كادت تغيب شمسها وسط الهجمات الأجنبية بلغاتها القوية وتحيا فى دار العلوم.

كما أنشأ مدرسو الترجمة المعروفة بكلية الألسن حالياً وشاركه فى ذلك رفاعة الطهطاوى الذى لم يواصل معه المسيرة لوفاته عام 1873 فانطلق على مبارك فى إصلاح حال البلاد ومعه بدأت النهضة التشريعية للبلاد، وجاء مجلس شورى النواب عام 1879 المأخوذ عن مبدأ الولاية فى الخصومة عن مجلس تجارى الإسكندرية 1845 الذى جاءت على غراره نقابة المحامين فى أول تنظيم رسمى لها عام 1912 وشهد سعد باشا زغلول أول اجتماع كونه وزير العدل وانتخاب إبراهيم باشا الهلباوى أول نقيب للمحامين.

لقد شهد على مبارك على حفر وافتتاح قناة السويس، وساهم فى محو أمية المصريين عندما ترك الوزارة وعمل كفلاح أجير لدى الغير، كان يستغل مساءه فى تعليم ذويه القراءة والكتابة.

إن هؤلاء الشرفاء من بنى الوطن عاشوا كذلك ورحلوا أكثر شرفاً فلم يستغلوا نفوذهم فى جمع المال أو القصور، ولكنهم عاشوا من أجل الوطن وخدمته وتركوا لنا تاريخاً ذاخراً بكل عزة وكبرياء وعندما حاد توفيق باشا فى حكم البلاد وتولى أمورها الإنجليز والفرنسيون وغضبت الخلافة العثمانية وغضب الشعب وقامت ثورة عرابى الذى هزم الطغاة فى موقعة كفر الدوار عام 1881 ولكنهم هزمونا فى موقعة التل الكبير عام 1882 ودخلت مصر تحت طائلة الاحتلال الإنجليزى الرسمى حتى قيام ثورة يوليو 1952.

رحل على باشا مبارك عام 1893 عن عمر يناهز السبعين عاماً بعد أن شارك فى صنع تاريخ مصر الحديث تعليماً وثقافة وتشريعا وقانونا وهذه النهضة هى التى أتت بأول دستور مصرى عام 1923 وأول انتخابات برلمانية رسمية فى العام التالى، وقامت ثورة 19 من الاحتقان الذى عاناه الشعب من وطأة الاحتلال وتدخل الإنجليز فى شأن البلاد.

بعد 37 سنة من الاحتلال الإنجليزى قامت ثورة مصر بقيادة سعد باشا زغلول، وتعانق الهلال مع الصليب فى أطهر معركة شهدتها مصر حتى أجواء الثورة التى نعيشها الآن.

وواصل طه حسين مسيرة على مبارك بعد أن تم إنشاء أول جامعة فى مصر عام 1908 هى جامعة القاهرة وتوالت الجامعات. حتى أضحت الآن أكثر من الهم على القلب.. إن إصلاح حال البلاد يبدأ من إصلاح التعليم، فكما شاهدنا النجاح المذهل لثورة (25 يناير) الذى أتى من التفوق فى التواصل الاجتماعى عن طريق الشبكة العالمية الإنترنت ما كان يأتى سوى من النهضة التعليمية وشعور الشباب بظروف البلاد القاسية عن طريق التعرف على أحوال العالم.

إن الدولة الوحيدة التى لم تقم فيها مظاهرات مناهضة للحكم كانت هى السودان، وهذا مرجعه إلى الاتفاق على فصل الجنوب عن الشمال وإصلاحات البشير فى التعليم والصحة والاقتصاد وعودة الطيور المهاجرة لحضن السودان.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة