خرج المصريون فى الخامس والعشرين من يناير منتفضين ضد الظلم، مطالبين بحرية الرأى والتعبير وعدم الإقصاء، التى حُـرموا منها على مدار 30 عاماً وأكثر، إلا أن الأنفس الآن ربما يعكر صفوها شىء ما، ويبدو أننا نسير فى نفس الاتجاه.
لم أفهم حتى الآن لماذا يلجأ معظم النخبة المثقفة فى مصر إلى سياسة إقصاء الآخر، وكأنهم ورثوا هذا الأسلوب عن النظام السابق، فقد ألصق إعلام المخلوع مبارك كل التهم والمصائب والكوارث للإخوان لاستخدامهم فزاعة، فجاءت الثورة وكأن شيئا لم يتغير اللهم وضع السلفيين مكان الإخوان.
وسأضرب لك مثلا وهو إذا كان النخبة صدقوا النخبة أن السلفيين وراء أحداث إمبابة فلماذا يريدون أن يقنعوا الرأى العام عبر وسائل إعلامهم أنهم السبب، مع العلم أنهم يدركون، أى النخبة، أن الأمر لا يخرج عن كونه شائعات خرجت من هنا أو هناك، وما أكثرها هذه الأيام، فى وقت ترتفع فيه نسبة الأمية، حيث تقدر بحوالى 12 مليون أمى، أى ما يعادل 28% من عدد السكان وفق تصنيف منظمة اليونسكو فى تقرير لها صدر 2010، حصلت فيه مصر على السابع عالميا.
فإذا علمنا أن عدد سكان اليهود فى فلسطين 7 ملايين نسمة، فإننا نملك كمصريين ضعف عددهم لا يعرفون القراءة ولا الكتابة، لذا فتخيل عزيزى القارئ أننا نملك دولة من الأميين؟!
لست الآن بصدد الحديث عن السلفيين، أو الدفاع عنهم، واقعاً فى خطأ النخبة أنفسهم من ناحية، ومتجاهلاً المصلحة الأكبر والأعم وهى الوطن، فحديثى هنا عبارة عن وضع الكثير من علامات التعجب والاستفهام على دور النخبة لما بعد الثورة، واهتمامها - ربما - بأجندة خاصة على حساب الوطن فى هذا الظرف الطارئ، وإقصاء الآخر وإبعاده - قصداً أو تعصباً - عن المشاركة السياسية... إلخ
فلماذا مثلا لم يُـتهم الهاربون من السجون الذين يقدر عددهم الآن أكثر من 8 آلاف، أو كما قال وزير العدل محمد عبد العزيز الجندى: "إن هناك ما يتراوح ما بين 300 ألف ونصف مليون بلطجى محترف يتم تأجيرهم لليوم الواحد بـ5000 جنيه، من أجل التفرغ للخراب فقط"؟!
لماذا مثلا لم توجه أصابع الاتهام إلى الكيان الصهيونى؟!، فهل أدرك النخبة أن هذا الوقت هو وقت دخول العملاء وشبكات التجسس فى ظل غياب ملحوظ لجهاز الشرطة، واستغلال ضعف هيبة الدولة الآن، هل أدرك السادة النخبة، أن المجلس العسكرى أعلن منذ أيام اكتشافه ثلاث شبكات تجسس إسرائيلية؟!
فضلاً عن أن أعداء مصر - والصهاينة على وجه التحديد - يتربصون بنا ويتحينون الفرص لإضعافنا، خصوصا بعدما نجح المجلس العسكرى والوزير نبيل العربى "بعد الثورة" فى إتمام المصالحة بين فتح وحماس، وأن النظام السابق كان حجر عثرة فى إنجاحها، وهذا معناه بالطبع أن سياسة "الطبطبة" قد انتهت، وأننا الآن بصدد سياسة أكثر صرامة وحدة؟!
وما يؤكد كلامى ما قاله موشى يعلون، وزير الشئون الإستراتيجية ونائب رئيس الوزراء الإسرائيلى: "أن تل أبيب لديها (وسائلها) للتعبير عن سخطها مما فعلته القاهرة ورعايتها لاتفاق المصالحة" إذن فلماذا لم نتهم أعداء الخارج؟!
فهل أدرك "النخبة" أن مصر الآن أعلى من أى أيدلوجية؟، ولا تحتاج الآن إلى سياسة الإقصاء والتخوين بقدر ما تحتاج إلى وعى وإدراك وحلول جذرية لمرحلة بعد الثورة؟!
هل فكر النخبة أو الإعلام ما عواقب تخويف الجماهير من الإسلاميين؟ وهل هذه الثقافة تصنع ديمقراطية كما يزعمون؟ هل فكروا فى أن مصر الآن أكبر مما يتم تصديقه من شائعات؟، وأن الوقت حان لتضييق الفجوة بين الأيدلوجيات فى المجتمع، وترك "ثقافة الصراع" و"التخوين" و"نبذ الآخر".
هل فكروا أنهم لو ظلوا منشغلين بسياسة الصراعات والإقصاءات وتهويل حالة الاحتقان الطائفى وعدم التفكير فى كيفية معالجتها، لضاعت الثورة والوطن كله بمن فيهم أنتم أيها النخبة و"يبقى بلا مولد بلا حمص".
لماذا لا يهتم النخبة والإعلام بمصلحة الوطن الآن، الوطن الذى سرق على مدار ثلاثين عاماً، ونحاول إنقاذه فوراً، حتى صرنا نستدين من الغرب، آخرها ما أعلنه أوباما فى خطابه أن أمريكا ستقرض مصر مليارى دولار.
فما رأيكم أيها السادة النخبة فى أن العجز فى الموازنة هذا العام بلغ - وفق ما قاله وزير المالية - 150 مليار جنيه، والعام القادم 180 مليارا!!!.
فأين من يزعمون أنهم "النخبة" الآن وحملاتهم الإعلامية الحقيقية والقوية لحث رجال الأعمال للاستثمار فى مصر والنهضة الاقتصادية، وأين هم من تنشيط السياحة، ودورهم فى عودة الشرطة وانتشار الأمن والأمان فى الشارع، ودورهم فى تثقيف وتوعية أبناء الوطن فى هذا الوقت الحرج؟!
لماذا لا يتقبل الكثير من علمانيى وليبراليى النخبة أو اليساريين بشكل عام آراء السلفيين أو أى أحد يخالفهم فى الرأى .