فى مصر ستجد مشهداً يعجبك، كل صليب يرتفع إلى جواره هلالاً، الداعين للسياحة يعدونه رمزاً للتسامح الدينى، ورمزاً لقبول الآخر، لكن الأمر عكس ذلك تماماً، ودعونا نعيد قراءة الأمر مرة أخرى.
عندما قرر السادات أن يحارب الشيوعيين وقوى اليسار عن طريق التيار الدينى لم يكن يدرك حجم اللعبة جيداً، ولسنا بصدد مناقشة قرار السادات لكن فى آلية استخدام الدين لمحاربة الآخر، هذه الإشكالية التى تعطى للبعض حق الوصاية باسم الله لمحاسبة المختلف عنهم.
لم يكن نجاح التيار الدينى فى محاربة الشيوعيين انتصاراً بقدر ماكان هزيمة لمصر، هزيمة لم تتوصل لها كل قوى الغزاة على مدار تاريخ مصر، استخدام التيار الدينى نفس طريقة الكنيسة فى الانتشار، اهتمام بالفرد مأكله ومشربه ورعايته صحياً ودوراً للمناسبات، فعلوا ذلك لسنوات دون مقابل، استطاعوا تحويل العقول للثقة بكل من هو دينى، مرتدياً جلبابه ومطلقاً لحيته، أصبح عقد القران فى المسجد أمراً مقدساً، التبرع لبناء مسجد واجب مقدس، وبنيت المساجد بلا قانون يحكمها، كل من أراد الفرار من ضريبة العوايد بنى تحت بيته مسجدا أو زواية، غير مكترث هل الشارع الذى يسكنه بحاجة إلى مسجد أم لا، ولا أحد يستطيع أن يصدر قرار بمنع بناء مسجد فهو قد ارتكب بذلك الشرك الأعظم ومن ثم بدأت العشوائية فى البناء، ذكر لى أحد المهندسين المختصين بالبناء ملاحظة أنه فى كل بداية منطقة عشوائية سنجد مسجداً تم بناؤه دون اهتمام بشكل المنطقة أو ما فد يتسبب فيه هذا المسجد من ضيق فى الشارع أو أى شىء.
امتد الأمر وأصبح بناء مسجد أمام كل كنيسة أمر بمثابة الجهاد الذى لا يستطيع أحد أن يتخلى عنه، لم يدرك أحد أن التيار الدينى بعد أن استطاع أثر قوى اليسار وتحجيم دورهم المجتمعى، التفت ليبحث عن قوى أخرى يدير صراعه معها، كانت القوى الأخرى الواضحة الاختلاف هم المسيحيون، ومن قبل كان البهائيون.
كانت النية المعلنة بناء بيوت يتم رفع اسم الله فيها ولم يتوقف أحد ليسأل لماذا أمام الكنيسة وليس بعيداً، ولن نكون سيئى الظن أو مفترضين فروض سوء النية إن قلنا ان المسجد وجد للتشويش على صلوات المسيحيين، فالآذان يتم رفعه يوم الجمعة فى نهاية القداس، وكأنها مباراة للتبارى بين الدينين أيهما له الغلبة والصوت الأعلي، إنها فكرة الوصاية التى اتشح بها التيار الدينى هم وحدهم أوصياء لحمل هموم المظلومين إلى الله وما دونهم لا يملكون.
الآن تنتشر الدعاوى لحرق الكنائس وهو الأمر الذى لا أتعجب له، فالتيار الدينى يدرك بخبرته فى العمل فى الشارع أن احدا من الناس لن يتحرك لحماية الكنيسة، وسينسون أن عمر بن الخطاب رفض أن يصلى فى الكنيسة خوفاً أن يتخذها المسلمون ذريعة لتحويل الكنيسة إلى مسجد، وليس لأى سبب آخر.
دعاوى حرق الكنائس ليست سوى غرزة جديدة فى صوف التريكو الذى يكر ونحن لا ندرى على من الدور المرة القادمة.
الكتلة الصامتة تسرب لها عبر سنوات من عمل القوى الدينية ذات التوجه المتشدد وان بدت أكثر حرية، تسرب لها حق الوصاية هم فقط من يملكون مفاتيح الجنة، وبتنا نسمع سؤال الديانة، ولم اندهش حين فاجأتنى سيدة وأنا فى عربة المترو بالسؤال عن دينى، وحين أجبتها أنى مسلمة وكانت هى مسيحية أبدت دهشتها من كونى لا ارتدى حجاب.
الأمر ليس طرفة ولكنه مؤشر خطير، فالمصاحف التى ظهرت فى عربات المترو ووسائل المواصلات بديلا للكتب، استدعت أمامها ظهور الأجبية والكتاب المقدس، الحجاب المبالغ فيه استدعى أمامه صلبان بحجم أكبر وبطرق متعددة وصلت لوجود صلبان فى مسبحة معلقة فى السيارات، هذا التبارى المزعج للإعلان عن الهوية الدينية كشكل من أشكال الاستقواء بابناء الدين فى مواجهة الاخر، كل هذه التفاصيل التى لا يتوقف أمامها أحد جعلت من الدعوة لحرق الكنائس أمر وارد وطبيعى، خاصة وأننا أمام حوادث عديدة كانت الكنائس فيها هدفاً ولم تتخذ الدولة وسيلة لردع المعتدى، وحفظ دور العبادة، ذلك أن الدولة بجهازها مسلميها ومسيحيها تسرب إليهم إحساس الوصاية.
هل رأى احدكم مسجدا تم هدمه لأن وجوده يعيق طريق يتم تمهيده او كوبرى يتم إنشاؤه، من يجرؤ فيك يا مصر على اتخاذ هذا القرار، ولا أطالب بهدم المساجد، ولكن أطالب وبشدة بإصدار قانون دور العبادة ليتم تطبيقه على الجميع، قانوناً يراعى تخطيطاً حقيقاً يراعى عدد السكان فى الحى الذى يتم بناء دار العبادة فيه، ومدى ملائمة دار العبادة لاستيعاب عدد أصحاب الدين، يراعى ألا يرهق الإنسان لأداء فرضه وعباداته، فليس مبرراً لأن عدد المسيحين قلة فى منطقة وأن هناك كنيسة على بعد مسافة ألا يتم بناء كنيسة اخرى.
الداعون لعدم افتتاح كنيسة عين شمس لم يتوقفوا لسؤال أنفسهم من المسئول عن تحويل مصنع من مؤسسة صناعية لدار عبادة ومن منح التصاريح بذلك، ولماذا لم يثوروا هكذا عندما تحولت الأرض التابعة للمصنع والتى تم بيعها لمسلمين تحولت إلى مسجد، هل سيتم إدارة الأمر كذلك إذا اشترى المسيحى مؤسسة أو قطعة أرض صار من حقه أن يحولها إلى كنيسة والعكس، أتصور أننا بحاجة إلى حزم وحسم فى هذا السياق، أن يكون تنفيذ القانون رادعاً بما لا يقبل المساومة على كلا الطرفين.
الأمر اللافت أن مثقفى الوطن ومنظريه حاملى ألوية المعرفة لم يستخدموا نفس الآلية التى استخدمها التيار الدينى فى بث وعى، يجعل من كل فرد واصياً عن الله، هؤلاء المثقفون الذين ظلوا يراقبون يشجبون ويدينون، ويستنكرون، أقول لهم جميعا الوطن يحترق، وحين تشتعل النيران تأتى على الأخضر واليابس، ابحثوا عن نجاة هذا البلد فى وعيه وثقافة شعبه، ابحثوا بداخل نفوس المصريين عن الطبية والتسامح، لن تشقوا كثيراً لكن الثمن يستحق أكثر من الشقاء.
ولتكن هناك دعوة لانشاء كنيسة فى كل حى، ولنكتفى بكوننا أوصياء عن الله، ولنذكر ان الله خلق الناس على فطرة دينية، ولو أنه سبحانه وتعالى يريد جميع من بالأرض مسلمين ما كانت جاء فى القرآن انه لا اكراه فى الدين، لنفكر بطريقة أخرى ماذا لو ولد من هو مسيحى مسلم والعكس هل كان أحد سيفكر فى تغيير دينه لمجرد ان من يدينون بدينه عددهم أقل فى المنطقة التى يعيش فيها، الدين ميراث كالوطن لا يستطيع أحد التخلى عنه أو تركه، وحين يفعل يواجه بالازدراء من الجميع.
لا بديل عن قانون دور العبادة، ولا بديل عن اتخاذ اجراءات صارمة ضد التمييز الدينى بأشكاله وممارساته، هذا الوطن مسئولية الجميع، حتى لو هاجر كل المسيحيين وتركوها للمسلمين، فهؤلاء من نصبوا أنفسهم أوصياء عن الله، سوف يبحثون عن فريسة جديدة يهاجمونها، وغدا تكون دعاوى حرق الجاليرهات، والمكتبات ودور السينما ولا حصر، فهل سنشترك فى حرق الوطن؟
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرى
دور عبادة موحد ولكن