وقد ضمت مائدة الحوار الأستاذة الدكتورة سعاد صالح أستاذة الفقه المقارن بجامعة الأزهر، ورئيس لجنة قضايا المرأة بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، والدكتورة فرخندة حسن أمين المجلس القومى للمرأة والأستاذة بالجامعة الأمريكية، والأستاذ الدكتور عبد الله النجار أستاذ ورئيس قسم القانون الخاص بكلية الشريعة جامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية، وحازم سلطان نائب رئيس حركة إنقاذ الأسرة.
بدأت الدكتورة سعاد صالح كلمتها بأن حق الحضانة هو أساس حق خالص للطفل وليس للأم، بل هو واجب عليها، لان الطفل يحتاج إلى من يحفظه ويرعاه، وعلى كل أم احتضان طفلها ورعايته، وأنه لا يوجد نص شرعى فى ترتيب أصحاب الحق فى الحضانة، بل هى مسألة متروكة لاجتهاد الفقهاء الذين تركوها للأقارب من جهة الأم إلى الدرجة السادسة.
وأوضحت أن الأب من حقه رؤية طفله فى أى وقت، سواء أكانت الزيجة قائمة أو غير قائمة، لأن الطفل جاء من صلب أبيه، كما جاء من ماء أمه، كما أن الرؤية ليست استثناء، بل هى حق أصيل للوالد، وعلى الأبوين أن يتفقا دون تدخل القانون فى تحديد الوقت والمكان كما يتم الآن.
وعن الاستضافة أضافت أنها كلمة مرفوضة وتفضل عنها كلمة (اصطحاب) مستشهدة بالمذهب الملكى فى ذلك، وترى أن اصطحاب الأب لابنه لابد منه لتدعيم صلة القربى بين الطفل الصغير وأهل أبيه فهى صلة أوجدها الله سبحانه وتعالى فى القرآن الكريم، حين قال "واتقوا الله الذى تساءلون والأرحام"، ومن يرَ جعل الاستضافة والاصطحاب غير جائز لا بموافقة الأم فهو معارض للشريعة الإسلامية.
وأضافت أن هناك الكثير من الأجداد والأعمام وأقارب الأب يحرمون من رؤية صغيرهم بسبب تعنت الأمهات ورغباتهن فى الانتقام من الأب فى الابن.
وتساءلت د.فرخندة حسن: "هل هناك ما يمس الرؤية فى الشريعة الإسلامية أم أن هذا اجتهاد من الفقهاء؟" موضحة أن الهدف من هذا اللقاء هو ذكر رأى المختصين والمطالبة بتعديل القانون المصرى بما يكفل حق الطرفين الحاضن وغير الحاضن، ومؤكدة أن أهل العلم والاختصاص فى ذلك عليهم مراعاة مصلحة الصغير أولا.
وقالت فرخندة إنها تعرف أبناء يمرون بمعاناة شديدة بسبب المشاكل بين الآباء والأمهات "المفتريات" أو الأم التى تتمسك بصفتها الطرف الحاضن بتشويه صورة الآخر فى عين الأبناء، انتقاما من الأب، موضحة أن القانون يجب أن يوضع بما يسمح بتمتع غير الحاضن بولده.
وهنا رد الدكتور "النجار" قائلا إن حق الرؤية والولاية والحضانة لا تقدر إلا وفق مصلحة الصغير، وذلك يقتضى بقاؤه مع أمه إلى أن يصل إلى سن الاستغناء حتى يستعد نفسيا وذهنيا، وذلك لأن انفصال الطفل عن أمه قبل هذه السن يؤثر سلبيا فيه بسبب معاناته من عدم الاستقرار.
وقال الدكتور النجار إن فقهاء الإسلام قالوا هذا ليس فى البشر فقط، وإنما فى الحيوانات فقد حرموا بيع البهيمة دون وليدها مستشهدا بالحديث النبوى: "من فرق بين أم وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة".
وأضاف بأن تنازل الأم عن حضانة طفلها فى هذه الفترة غير جائز، لأن هناك أصولا فقهية يجب أن يراعيها الحاضن، وإلا كان هذا التنازل باطلا بقوة الشرع والقانون منذ مولد الطفل إلى انتهاء فترة الحضانة.
وقد أجمع العلماء على ثلاثة آراء فى ذلك الموضوع وهو السن الذى تنتهى عنده الحضانة:
1) سن التمييز (هو الفترة التى تبدأ من السابعة حتى البلوغ الطبيعى إلى 15 سنة).
2) البلوغ: هو ظهور العلامات الطبيعية على الولد والبنت.
3) المحدد الثالث وهو رأى حديث لبعض المجتهدين الذين ينظرون فيه لمصلحة الصغير والذى يجيز قطع حضانة الأم عن الصغير من سن السابعة أو العاشرة أو حتى الخامسة وعشرين إذا ما اقتضت مصلحة الطفل ذلك.
وتساءل الدكتور النجار: هنا هل من المصلحة أخذ صغير فى السابعة من عمره، وترك والدته فى ظل انشغال أبيه لمواجهة أعباء الحياة؟ " وأجاب على سؤاله بالنفى.
وأشار إلى أن الفقهاء حددوا سن البلوغ بأسلوب متدرج يبدأ من 15 سنة عند بعضهم، وتنتهى إلى 24 سنة، وبعضهم حدد هده السن بالسابعة عشره على الأقل للفتى وثمانية عشرة للفتاة، أبو داوود الظاهرى تمسك بأنه إذا لم تظهر علامات البلوغ على الفتى فيجوز بقائه مع أمه حتى لو وصل إلى سن الخامسة والعشرين أو أكثر، ما لم تظهر عليه علامات البلوغ الطبيعية.
فقاطعته د.فرخندة مؤكدة أن توجيه الكلام إلى الأم على أنها الطرف الذى يتولى الحضانة دائما غير دقيق وأن علينا التمسك بكلمة الحاضن وغير الحاضن فى ذلك، وأنه بالرغم من أن المعتاد ذهاب الحضانة للأم إلا أن بعض الآباء يحتفظون بالحضانة دون الأم فى بعض الأحيان وعلينا مراعاتهم كذلك.
فرد الدكتور النجار: أن الأم لها الحق المطلق فى التمسك بحضانة الطفل حسب أحكام الشريعة الإسلامية، وأن الهدف من وضع القوانين هو حل النزاعات بين المتشاجرين وليس المتراضين.
وهنا خالفته فرخندة موضحة أن القانون لا يوضع للمتشاجرين، بل يتم وضعه للمجتمع كله، وسواء أكان الأبوان متشاجرين أو متصالحين فإن القانون يحمى مصلحة الطفل فى الحالتين.
وطالبت بدراسة يقدمها علماء طب النفس للأطفال لتحديد ما هو سن البلوغ؟ ومتى يمكن الجزم بأن الطفل وصل لسن الاستغناء؟ وهل الفتاه مثل الولد فى ذلك أم أن الاختلاف فى الجنس يحتم الاختلاف فى الحكم؟.
وطالب حازم سلطان بالنزول إلى الواقع وعدم الاكتفاء بالتحدث عن تعديل القوانين ورأى الفقه وخاض فى الحديث عن تجربته الشخصية، حيث إنه مطلق وله ابنة محروم منها، ولا يراها إلا ثلاث ساعات كل أسبوع بدون أهله.
وأبرز مخاوفه من أن يصل به الحال إلى عدم تعرفه على ابنته فى الشارع بسبب قانون الرؤية الحالى، مضيفا أنه فى ظل القانون المصرى يظلم الآباء حتى ولو كان المطلق مثاليا ويدفع النفقة ويتولى تعليم الأبناء.
وعن حركة إنقاذ الأسرة التى يتولى منصب نائب الرئيس فيها قال حازم: "إنهم يريدون أعطاء حق مبيت الصغير لغير الحاضن ولو يوم واحد فى الأسبوع".
وأكد أن هذا القانون يفرض عليه تولى جميع النفقات بعد الطلاق، ويصل ببعض المطلقين إلى الحبس فى حالة عدم تسديدهم للنفقة، وفى الوقت ذاته يمنع غير الحاضن من تمتع الأب بولده لمدة تزيد عن ثلاث ساعات أسبوعيا فى مكان ووقت يحدده وزير العدل!!!
وهنا قاطعه د.عبد الله النجار قائلا: "الشرع يؤيد اصطحاب الوالد لابنه فى مدة الرؤية دون إن تنفرد يده عليه، ولا تجوز الاستضافة إلا أن تكون الأم موافقة على ذلك".
وهنا سألته دكتورة سعاد صالح: "لماذا؟ هل سيقتل الأب ابنه؟ وإذا لم توافق وفى الأغلب لن توافق فهل نترك الأمور على هواها".
فأجابت د.فرخندة قائلة إن هذا يحتم علينا عمل تراضٍ بين الطرفين مع تحديد شروط الرؤية والولاية والاستضافة أثناء الطلاق، مثلما تتحدد باقى الأمور، حيث يتم الاتفاق على الأيام التى يذهب فيها الطفل إلى غير الحاضن، وإذا لم يلتزم أى من الطرفين بهذه الشروط يتم حرمانهم من حقوقهم فى الأولاد سواء كانت الرؤية أو الحرمان من الحضانة.
ووافقتها د.سعاد مضيفة: "إن هذا التراضى يجب أن يتم وفق ضمانات، وإلا سيكون بلا فائدة.
وعلى عكسهما اتجه د.عبد الله النجار إلى التراضى وحسب، موضحا أنه حق قانونى وشرعى ويتم بين أغلب الآباء ذوى المستوى التعليمى العالى، ووجه سؤاله إلى د. فرخندة قائلا يجب أن نسأل أنفسنا الآن "ماذا سيحدث لو لم يتفق الطرفان على التراضى هل تضيع مصلحة الصغير بينهما؟، أم يظل مع أمه كما ينص الشرع؟.
فردت عليه د.فرخندة قائلة: "إذا يجب أن تظل معلقة دون طلاق طالما أنها لا ترضى بالقانون.
وهنا تدخلت د.سعاد قائلة: "نعم وهذا يردنا إلى مسألة الضمانات والتى تقلل الضرر الناتج عن حالات الخلع والطلاق التى نراها كل يوم.
وبالعودة إلى تجربة حازم سلطان الذى أكمل حديثه عن الفرق بين الشرع الذى أصدر فتواه بأن تكون الرؤية فى أضيق الحدود فى عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) والذى كان يسكن فيه المطلق إلى جوار خيمة مطلقته، ويرى أولاده دون تحديد مكان وزمان وبين عصرنا الحالى فهو من سكان أكتوبر وابنته فى مصر الجديدة، مما يجعل بينهما مسافات تصعب عليهما التلاقى.
وبين أنه يرى ابنته فقط، ولكن طموحه فى تعديل المادة رقم 20 من قانون 25 لسنة 1929 ليتمكن من الإبقاء على ابنته لمدة 24 ساعة على الأقل و48 ساعة على الأكثر، متسائلا عمن يقولون إن هذا فى مصلحة تعليم الصغير مع أن جميع الأطفال يدرسون خمسة أيام فى الأسبوع ويأخذون يومان للإجازة.
وأعلن عن رغبته فى قضاء يوم واحد فقط أسبوعيا مع ابنته دون أن يخالف بذلك القانون أو يرضخ لهوى أم الطفلة، بحيث تكون الاستضافة بشكل حضارى ومتمدن لتحقق مصلحة الصغير.
وهنا تدخل الدكتور النجار قائلا: "نحن لا نريد أن يكون الطفل وقود النار مستعرة بين الطرفين"، مؤكدا أن الحضانة بشكلها الحالى حتمية للأم واستشهد بموقف الرسول – صلى الله عليه وسلم- حينما ترك لأحد الأطفال حرية الاختيار بين البقاء مع أمه أو أبيه فكان اختياره الأم، وأنه كما هو معلوم أن فقهاء الأمة أجمعوا من أول عصر الصحابة إلى يومنا هذا على أن مصلحة الصغير تحتم بقاؤه مع أمه فى أول حياته وحتى البلوغ.
وهنا أقسمت د. فرخندة على أن نساء الجمعيات ممن يطالبونها بزيادة حقوق المرأة بشكل يظلم الآباء جعل من المجلس القومى للمرأة يقف فى صف الآباء فى بعض الأحيان لوقوع ظلم بين عليهم.
وتؤكد دكتورة فرخندة أن كلمة رؤية التى ينص علها القانون يجب أن تتغير بمصطلح (اصطحاب)، لأنه يبنى مزيدا من العلاقات القوية بين الأبناء وغير الحاضنين، ويوفر فرصة أكبر لبقاء الآباء مع أبنائهم بعد الانفصال ووافقها فى ذلك دكتورة سعاد صالح، وحازم سلطان.
وعن الولاية التعليمية تحدث الضيوف عن ضرورة تولى كل من الأب والأم مسئولية تعليم أبنائهما، وجاء فى صف القانون الحالى الذى يلزم الأب وحده بتولى مصاريف التعليم دون مشاركة الأم بها كل من د.سعاد ود.فرخندة حسن مع وضعهما شرط أساسى، وهو مراعاة مستوى دخل الأسرة ودخل الأب، لأن بعضهم يخرجون أبناءهم من المدارس توفيرا للنفقات وغيظا فى الأم ودون مراعاة منهم لمصلحة الصغير الذى يضيع وسط المشاحنات القائمة بين الآباء.
وأضافت د. سعاد: أن الولاية التعليمية حق للأب أساسا فى الدرجة الأولى وبمشاركة الأم ثانيا فهو يقوم بعملية التمويل وهى تشاركه برعاية الطفل، حيث إن نصوص القران والأحاديث النبوية التى جاءت فى وجوب حق التعليم والتأديب ومنها قوله تعالى: "وأمر أهلك بالصلاة وأصطبر عليها "وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "علموا أبناءكم وأحسنوا أدبهم"، وغير ذلك من النصوص التى دعت إلى تقويم وتأديب الأب لأبنائه فى حالة الزواج أو الطلاق.
بينما خالفها فى الرأى د.عبد الله النجار قائلا إنه ضد أن يستبد أحد الأطراف بتعليم الصغير، ولكن الأمر يتحكم فيه القدرة التعليمية والعقلية للطفل والحالة المادية للأب، على أن يكون هناك تراضِ بين الأم والأب من خلال تشاور الأب والأم، وإذا لم يتم الأمر بالتراضى عليهما الرجوع للقضاء لحل النزاع بينهما وتغليب مصلحة الطفل.
وأوضح أن استخدام مصطلح "حاضن" و"غير حاضن" غير دقيق، فالصراع منذ البداية بين أم وأب وليس بين حاضن ومحضون.
فردت د. فرخندة حسن عليه بالنفى، موضحة أن هناك حالات تنتقل فيها الحضانة إلى الأب دون الأم، ولكننا تعودنا على استخدام الأب والأم، واعتبار أن الأم دائما هى الحاضنة، وهذا غير صحيح وختمت كلامها بسؤال لسعاد صالح عن الحالات التى تنتقل فيها الحضانة إلى الأب.
وردت دكتورة سعاد على التساؤل موضحة أن الحالات التى يحكم فيها الشرع بانتقال حضانة الطفل إلى الأب هى زواج الأم، وعدا ذلك فإن لها الحق فى الاحتفاظ بالصغير طالما لم تنكح.






