أنا مسلم قبطى بمعنى مصرى، ولدت وعشت، وإن شاء الله سأموت وأدفن فى قريتى الجميلة جميانة التى أحبها من كل قلبى أنا وأهلى، مسلمون وأقباط، والسبب بسيط، وهو أننا مسلمون ومسيحيون نعيش وبلا فخر كمصريين عائلة واحدة منذ مئات السنين فى هذه القرية، نأكل من خيراتها ونشرب من نيلها، والأهم أننا متشاركون فى حب الشهيدة العفيفة دميانة.
لما لا وهى إحدى المسيحيات التى قتلها الرومان الوثنيون فى عهد الإمبراطور دقلديانوس فى أواخر القرن الثالث الميلادى ومعها أربعون بنتا عذراء مثلها لسبب وحيد وهو اعتناقهن المسيحية ولا ذنب لهن إلا اعتناقهن المسيحية، وإيمانهن بالمسيح عيسى بن مريم نبيا ورسولا، ومازالت أجسادهن فى الكنيسة التى شيدتها الملكة هيلانة وتم تجديدها وعمل ضريح بالموزايكو فى عام 1968م فى عهد الرئيس عبدالناصر، وقدر لى أن أرى القبر وتجديده، وأنا طفلا فى الثانية عشرة من عمرى، شهيدة الدين المسيحى الذى هو حلقة من حلقات الدين السماوى الذى ارتضاه الله لنا، واستشهادها قبل الإسلام بعدة قرون يعطينى الحق فى اعتبارها شهيدة الإسلام لأن الإسلام فى معتقدى هو دين الله الذى ارتضاه للبشر هو دين الخليل إبراهيم، وهو مكون من ثلاث حلقات متصلة وليست منفصلة، حلقة موسى وحلقة عيسى وحلقة محمد عليهم الصلاة والسلام جميعا، وكلهم على ملة أبينا إبراهيم أبو الأنبياء وخليل الرحمن حنيفا عليه السلام.
فى شهر مايو من كل عام على مر السنين تستعد قريتنا لاستقبال الآلاف المؤلفة من المصريين وبعض الأجانب للاحتفال بعيد تكريس كنسية الشهيدة العفيفة دميانة، يبدأ الاستعداد لهذا الاحتفال المسمى بمولد جميانة من منتصف شهر إبريل من كل عام حيث يتم تجهيز أرض الاحتفالات بآلاف الخيام لإقامة الزائرين، ويقوم المسئولون بعمل استعدادات تامة من إصلاح للطرق، وتجميل لشوارع القرية، والاستعداد للطلب الزائد من الكهرباء ومياه الشرب، وفوق كل ذلك الاستعدادات الأمنية والخدمات العاجلة من إسعاف ومطافئ وخدمات صحية، وكذلك المرور، تصل الاستعدادات إلى الذروة مع بدء الاحتفالات رسميا يوم 12 مايو لتنتهى يوم 20 مايو من كل عام، خلال هذه الفترة نظرا لأن الزوار المقيمين بالآلاف وزوار اليوم الواحد بالملايين من جميع أنحاء مصر المحروسة، ينعقد أكبر سوق تجارى فى أعماق أرياف مصر (البرارى) ويعم الخير على الجميع مسلمين وأقباط.
وكل هذه الاستعدادات الضخمة لاستقبال الضيوف حيث يتوافدون على الدير طوال فترة الاحتفال ويقيم بعضهم فى خيام فى الأراضى الفضاء حول الدير والبعض الآخر يأتى فى رحلات يومية من كافة أنحاء مصر المحروسة.
هذا العام كان الزحام شديد جدا بسبب الروح الجديدة التى ظهرت بعد ثورة مصر، وانصهر فيها المصريون بجميع أطيافهم وخاصة أن دير القديسة دميانة يوجد به عدد كبير من الكنائس منهم ثلاثة على الأقل كنائس أثرية مكتشفة حديثا بمعرفة هيئة الآثار المصرية والمنطقة تعد من الأماكن السياحية الكبيرة على خريطة السياحة الداخلية والخارجية.
أقولها بصراحة فى هذا العام كنت قلق جدا على قريتنا وخائف من البلطجية والفلول الضالة، لنظام الرئيس المخلوع وضرب استقرار القرية مستغلين الزحام الشديد والإشاعات المغرضة، ولكن الحمد لله كل شىء انتهى على خير ما يرام بسبب التكاتف والتعاون التام بين شباب القرية ورجال الأمن وخاصة ائتلاف ضباط الشرطة، ورجال القوات المسلحة فى حفظ الأمن والنظام فى هذا المكان الحساس، وفى هذه الفترة الحرجة من تاريخ مصر.
وفرحت كثيرا واطمئن قلبى عندما شاهدت الاستعدادات الأمنية المكثفة والبوابات الأمنية الإليكترونية ومدرعات القوات المسلحة والشباب وأهل القرية من أصدقاء القوات المسلحة مع ملحوظة الغياب التام لضباط أمن الدولة المنحلة.
والحق أقول إن غياب مباحث أمن الدولة كان له أثر كبير فى نجاح الاحتفالات، وللمرة الألف أثبت الشعب المصرى العظيم أنه الشعب الجدير بالحرية والعدالة والمساواة، وضربت قريتنا جميانة مثلا متميزا ورائعا للتعايش والسلام والمواطنة بين أبناء الوطن الواحد، يستحق أن نسجله فى التاريخ المشرف لهذه القرية الجميلة التى بها أجساد الشهيدة دميانة والأربعين عذراء حيث جسدنا الانصهار الوطنى بطريقة عملية والحمد لله أننا على مر العصور آمنين.
كنيسة القديسة دميانة - صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة