أمضى جمهور مهرجان "كان" السينمائى الدولى ساعة ونصف الساعة بصحبة المخرج الإيرانى المغضوب عليه فى بلده "جعفر باناهى" وذلك من خلال فيلمه "In Film Nist" والتى تعنى "هذا ليس فيلماً"، وهو وصف دقيق، فالعمل ليس سوى توثيق ليوم فى حياة المخرج الإيرانى داخل منزله بشكل بسيط وبدائى إلى حد كبير.
وقد ساعد "بناهى" فى تصوير هذا "الفيلم" صديقه مخرج الأفلام التسجيلية الإيرانى "موجتابا مير تاهمسب" الذى حضر عرض الفيلم وألقى كلمة قصيرة أكد فيها أنه وصديقه "باناهى" صنعا هذا الفيلم رغم صدور حكم بالسجن على "باناهي" ومنعه من تصوير أى أفلام حتى تنفيذ الحكم - بعد البت فى الطعن المقدم ضد الحكم - وذلك لإثبات أن الفن لا يمكن منعه بأى أحكام تعسفية.
أحداث الفيلم، الذى يعرض خارج إطار المسابقة الرسمية، تقع خلال يوم واحد، وهو يوافق يوما احتفاليا بإيران معروف باستخدام الصواريخ الضوئية خلاله تعبيراً عن الاحتفال، إلا أن ذلك أدى إلى اندلاع مواجهات بين الشرطة الإيرانية ومستخدمى هذه الصواريخ بسبب الإفراط فى استخدامها.
خلال الساعة والنصف ساعة التى يصطحب "باناهى" الجمهور معه داخل منزله يعرض عليهم سيناريو فيلم كان ينوى تقديمه شارحاً لهم حركة شخصيات الفيلم وتتابع اللقطات من خلال رسم تخيلى لأماكن وقوع أحداث هذا الفيلم، قام "باناهى" بتصميمه على الأرض، تصل إلى "باناهى" عدة مكالمات تليفونية خلال اليوم لمتابعة تطور الموقف بشأن الطعن الذى تقدم به لوقف حكم سجنه ست سنوات الذى كان قد صدر ضده مؤخراً عقاباً له على التعرض للنظام الإيرانى ووصفه بالفاسد من خلال أفلامه، وتؤكد له محاميته الشخصية صعوبة إلغاء الحكم نهائياً، مشيرة إلى أنه يمكن فى أفضل الأحوال خفض عدد سنوات وأن السبيل لذلك هو تزايد الضغط الخارجى والداخلى من المجتمع المدنى والسينمائى ضد النظام الإيرانى لعلهم يستجيبون إلى تلك الضغوط.
الجزء الأخير من الفيلم ربما يكون الأكثر إمتاعاً وهو عبارة عن حديث طويل يدور بين "باناهى" وشاب يقوم بجمع قمامة شقق البناية التى يقيم بها "باناهى" حيث يصحب الأخير هذا الشاب فى رحلة مروره على مختلف الشقق ويدور بينهما حديث يسرد خلاله الشاب طموحاته فى أن ينتهى من دراسة الماجستير التى يقوم بها حتى يأخذ أجازة طويلة تبعده عن هذا العالم، مشيراً إلى خوفه من عدم عثوره على وظيفة تليق به بعد الانتهاء من دراسته هذه خاصةً وأنه قد ضاق من أعماله الكثيرة التى يقوم بها بحثاً عن دخل يعيش به والتى منها مساعدة أخته التى تعمل حارسة للبناية التى يقيم بها "باناهى".
ينتهى الفيلم والاثنان يخرجان من البناية ليقوم الشاب بإلقاء القمامة بالصندوق الخارجى ويطلب من "باناهي" أن يأخذ حذره ناصحاً إياه بالرجوع داخل البناية خشية أن يراه أحد حاملاً كاميرته وهو يصور.
الفيلم ليس سوى صرخة تحد ضد التعسف والظلم الذى يتعرض له الفن فى الدول القمعية وأراد مهرجان "كان" أن يساعد فى وصول هذه الرسالة وأعتقد أنها قد وصلت خاصةً مع الحضور الكبير الذى شاهد عرض هذا الـ"لا فيلم" والذى اهداه "باناهى" فى نهايته إلى جميع المخرجين الإيرانيين.