حصل رجل الاقتصاد العالمى محمد يونس من دولة بنجلاديش على جائزة نوبل للسلام لعام 2006 عن فكرته الرائدة بشأن القروض الدوارة متناهية الصغر، وقد أشارت لجنة نوبل النرويجية فى إعلانها فى أكتوبر منذ سنوات أن محمد يونس استطاع أن يصبح القائد الذى يحول الرؤى والأفكار إلى عمل يعود بالنفع على ملايين البشر ليس فقط فى بنجلاديش، ولكن فى الكثير من بلدان العالم الأخرى كما أوضحت اللجنة أن رؤيته البعيدة تتمثل فى القضاء على الفقر فى العالم.
سبق ذلك فى عام 1999 حصوله على جائزة الروتارى للسلام والتفاهم الدوليين تقديرا لعمله فى مساعدة الفقراء فى إقامة مشروعات صغيرة من خلال قروض متناهية الصغر وقد وضع محمد يونس قيمة الجائزة وقدرها مائة ألف دولار فى بنك جراميين مباشرة، مما يتيح للفقراء الحصول على قروض متواضعة بدون ضامن، وفى هذا المضمار يقول رئيس الروتارى الدولى جيمس ليسى عام 1999 لقد حققت فكرة الدكتور يونس البسيطة طفرة فى حجم جهود المساعدات الإنسانية ولقد أبدى أعضاء الروتارى باعتبارهم من أبرز النشطاء فى مجال الخدمات الإنسانية إعجابهم الشديد بعمله لدعم التنمية الاقتصادية، ولا تزال أفكار الدكتور يونس هى المصدر الملهم لنوادى الروتارى ومشروعات المناطق، ولقد أقام الروتاريون برامج القروض متناهية الصغر من خلال برنامج المنح الإنسانية التابع للمؤسسة الروتارية وخدمة المجتمع العالمى منذ عام 1984 وهى فكرة مستوحاة من جهود رجل الاقتصاد العالمى الدكتور يونس، لقد بدأها عام 1976 فى نظام الإقراض، الذى أصبح أساسا لبنك جراميين بعد أن أدرك عجز سكان القرى المجاورة عن الحصول على القروض العادية واليوم حققت القروض المقدمة من هذا البنك نجاحا هائلا خاصة مع النساء المعيلات واللاتى استطعن إنقاذ عائلاتهن من الفقر وإن معدل الاسترداد الذى حققه هذا البنك والذى بلغ 98% كان مصدرا لغبطة أكبر البنوك الأخرى فى العالم كله ويجرى الآن العمل بنظام القروض متناهية الصغر فى عشرات من دول العالم، إن هذه الأفكار النيرة التى بثها رجل بسيط فى دولة أكثر بساطة ملقاة فى أطراف القارة السمراء عنوان الفقر والمجاعة فى العالم، كانت بمثابة شعاع النور الذى يضىء لفقراء العالم كله أنهم ليسوا وحدهم، بل عناية اقتصاديى العالم ترعاهم، وكأننا جميعا فى خندق واحد أغنياء وفقراء، وقد انتشرت هذه الأفكار النيرة فى مصر فى الآونة الأخيرة أو بالتحديد فى الألفية الثالثة، بعد مشاكل البنوك وفوائدها العالية بالنسبة للفقراء، أو عدم ما يتاح لهم من ضمانات، أيضا مؤسسات المجتمع المدنى مثل الجمعيات الأهلية والأندية الاجتماعية العالمية دخلت إلى هذا المنحنى، ولكن مع وجود فوارق فى التطبيق بين كل جهة وأخرى، فالجمعيات الأهلية تحصل على ضمانات على بياض من الأهالى والسداد بأقساط منتظمة وفوائد مرتفعة، أما قروض وزارة التنمية المحلية متناهية الصغر فلابد أن يكون هناك ضامن موظف حكومى، فإذا ما تعثر المستفيد تم الحجز على مرتب هذا الموظف وهى فكرة شردت الكثير من المواطنين ورفعت درجة الخصومة بينهم إلى حد أقسام الشرطة والمحاكم، أما القروض متناهية الصغر التى تمنحها البنوك فهى أكثر سوءا من سابقتها فلابد أن يضمن الرجل زوجته والعكس فى هذه القروض والتى تسدد بأقساط شهرية وفوائد عالية، وأيضا هناك فكرة رائدة تبنتها نوادى الروتارى المصرية والتى يبلغ عددها فى مصر 129 ناديا تابعة للروتارى الدولى بأوروبا وأمريكا، ويتولى أمرها فى مصر علية القوم وصفوة المجتمع وغالبيتهم من الأثرياء الذين زهدوا الحياة وأرادوا أن يتجهوا لخدمة الفقراء ويجوبون القرى والمناطق النائية حتى يحصلوا على خدمات لهؤلاء، وفكرة القروض متناهية الصغر التى بثتها هذه النوادى بدون فوائد وتسدد فى نهاية العام لكى يستفيد منها مواطن آخر ومن هنا جاءت فكرة الدوارة وتتطلب هذه القروض الممنوحة للفقراء فى قرية واحدة أن يجتمع الجميع على العمل فى مشروع واحد حتى يتسنى للروتارى تسويق هذه المنتجات وتصديرها للخارج والحصول على عائد كبير يعم خيره على المواطنين وفى هذا المضمار يقتبسون المثل "لا تعطنى السمكة ولكن علمنى كيف أصطادها"، ولكن ثمة مشاكل تعرضت لها بعض الأندية وهى ضرورة وجود قرى قديمة مثل عزب الصفيح ومساكن زينهم قبل التطوير وأكواخ الريف، وذلك حتى يقوم أبناء الروتارى الدولى وضيوفهم بتصوير هذه المنازل ويتندرون بها فى الخارج، فقد رفضت أحد الأندية قرية أهلها فقراء بدعوى أنهم من ساكنى شقق العمارات مع أنهم يدفعون الإيجارات وظروفهم صعبة تظهر للعامة، ولكن عقدة الخواجة عطلت نهر الخير لفقراء هذه القرية التى تحتضن الجبل صوب الهرم، ويريدون تطبيق نظام السداد بالأقساط الشهرية وأن يضمن كل مستفيد الآخر ورغم هذه الأفكار النيرة رفض هذا الروتارى فكرة القرية والذى عز عليه أن يسكنوا العمارات وكأنه يريدهم أن يكونوا من سكان المقابر وعشش الصفيح!.
إن أفكار محمد يونس والتى من أجلها حصل على جائزة نوبل للسلام مع أنه رجل اقتصاد ساهم فى أن يعم السلام كثيرا من فقراء العالم والرخاء والعيش فى رغد وهذه هى أهم أفكار السلام، أفكاره لم تجد من يطبقها فى مصر ودول كثيرة وفشل فيها الكثير لأن سياستها أن تكون بلا ضمانات وهى قروض متناهية الصغر لا تتعدى الألف جنيه بالعملة المصرية فقد عاش عليها كثير وأنقذت العالم من الهلاك والمجاعات وأراد الروتارى أن يطبقها ولكنه باء بالفشل فى كثير من الأحيان.
إن محمد يونس نجح فيما فشلت فيه شعوب وحكومات كثيرة، ولكن نوبل للسلام كرمته، وأبرز إنجازاته يستطيع كل فقير أن يذهب إلى بنك جراميين ويحصل على هذا القرض ويقوم بسداده بعد ذلك، ففشل الفكرة فى مصر هل مبعثه التلاعب من بعض المواطنين؟ أم فشل سياسة منظمات المجتمع المدنى؟، الأمر يحتاج إلى دراسة أفكار الدكتور يونس بالحرف الواحد وتطبيقها حتى يستفيد كل الفقراء من ذلك، ولا تكتفى الحكومة بتحفيز مؤسسات الدولة المدنية على القروض الدوارة فقط بل وتعمل على تفعيله، ومحاسبة المقصرين لتكون الحكومة الوسيط بين الغنى والفقير التى اتسعت فجوته فى الآونة الأخيرة قبيل الثورة.
* نقيب المحامين ورئيس اتحاد المحامين العرب .
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة