ما بين الليبرالية والعلمانية،الاِشتراكية والماركسية،الشيوعية والرأسمالية، ما بين النظم الحكومية، سواء برلمانية أو رئاسية، ما بين الطرق والمذاهب الإسلامية السلفية منها والصوفية، كثر الحديث فى كافة الأوساط الإعلامية المصرية عقب ثورة يناير حول تلك المسميات، التى هى جديدة على أسماع قطاع عريض من الشعب المصرى والذى تعدت نسبة الفقر بين أبنائه نسبة ال40% وبدأ إعلامنا النخبوى يتحدث إلى نخبة مجتمعنا المصرى الذى لا تمثل النخبة فيه شيئا يذكر فى الحديث عن مستقبل مصر السياسى، وهو أمر قد يبدو مشروعا فى ظل تلك المرحلة التى نعيشها عقب ثورة يناير، بما تتطلبه من نشر للوعى العام سياسى، اقتصادى، ثقافى، بين عموم الشعب المصرى، ولكن هنا يجب أن نتوقف قليلا لنتساءل أين هو الإعلام المصرى من فقراء مصر، أين هو من طرح قضاياهم، أين هو من دوره فى نشر الوعى العام الذى تتطلبه تلك المرحلة ليس فقط بين نخبة المجتمع ولكن بين عموم الشعب فقرائه قبيل نخبته؟.
عقب ثورة يناير سمعت كثيرا عن انطلاق العديد من القنوات الفضائية حسبما أتذكر تقريبا أن ما يقرب من ثلاثين قناة فضائية سوف يتم إطلاقها فى القريب العاجل، فتمنيت أن تحمل إحداها خطا جديدا عن نظيراتها، خط يضع فى أولى أولوياته جمهور الفقراء يتوجه إليهم، يتعرف على مشكلاتهم، يحاول تنمية الوعى، الذى نتحدث عنه نحن من أبراج عاجية أبعد ما تكون عن معرفتنا بالفقير ونبتاهى دائما بأن شعبنا المصرى هو من أكثر الشعوب وعيا واستيعابا لمجريات الأمور حوله، لكننى أتساءل أيضا من أين لنا الحكم وكيف توصلنا لتلك الخلاصات وبناء على ماذا افترضنا فى الشعب وعيه، وبناء على ماذا أيضا نفترض نقص الوعى لديه؟، فالعديد من القنوات تجد القاسم المشترك بينها إما التحرير أو الحرية أوالخامس والعشرين من يناير، فى محاولة لوضع نفسها على الخريطة الثورية وهو ما لا نرفضه بل نرحب به دائما، ولكن استمر الحديث عن مجريات السياسية النخبوية واستمرت حلقات مسلسل إهمال الفقير، ولدى تساؤل هل قامت الثورة من أجل تغيير دستور أو نظام حكم برمته، أم أنها نادت أول ما نادت به العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية بكل ما تحمله الكلمة من معان أبسطها هو توفير رغيف العيش واحتياجات الإنسان الأساسية، ولكننا للأسف ظللنا داخل غرف مغلقة نتحدث عن المستقبل دون النظر لما يدور ويحدث فى عشوائيات مصر، التى دكها نظام مبارك والمؤسف أننا أذا تحدثتنا عن تلك القضايا سوف يكون طرحها كجزء من أحد آليات الدعاية الانتخابية ليس أكثر.
فى الفترة الأخيرة ازداد الحديث عن السعى لعمل مشروع قومى لمحو الأمية السياسية بين بسطاء المصريين سعدت كثيرا بهذا، ولكن تمثلت آلية تلك الأحلام فى تحركات لبعض منظمات المجتمع المدنى والمنظمات الحقوقية وبعض النشطاء السياسيين فى قرى ونجوع مصر، لكننى أود أن أتوقف قليلا لنفترض أن جهود تلك التحركات ترمى بالفعل لنشر الوعى العام بين بسطاء مصر، أم أنها مجرد أداة دعائية لاتجاه أو أيدلوجية سياسية معينة، فأخشى أن من هو ليبرالى يحاول نشر ما يؤمن به وأن من هو إخوانى يحاول نشر معتقداته التى يراها هى فقط ولا يؤمن بغيرها وبالتالى إن حدث ذلك فنحن بصدد استمرار لحلقات أخرى من مسلسل خداع الشعب وتصييره ككتلة تصويتية، ليس كغيره من الشعوب لهم حقوق وواجبات مجتمعية عليه أن يدركها ويلم بها، حتى نستطيع أن نحلم بمصر جديدة نبغتيها جميعا، والدليل على ذلك أننا حينما نتحدث عن تعداد مصر الحقيقى الذى تضعه التكتلات السياسية دائما فى الحسبان نفأجا بأن تعدادنا قد أصبح خمسة وأربعين مليون نسمة، وحينما تتساءل لماذا يأتيك الرد بأنهم هم فقط من لهم الحق فى التصويت وكأن مصر الدولة ذات الحضارات قد تم اختزالها فى موسم انتخابى يتصارع فيه الجميع على مصالح معلومة دون الاهتمام الحقيقى بتلبية احتياجات المجتمع الحقيقية.
وأخيرا وليس آخرا إن لم تنزل وسائل الإعلام كافة إلى الشارع وتخرج من تلك الغرف المغلقة لتتحدث إلى عموم فقراء وبسطاء الشعب المصرى وإن لم تحاول أن تعمل على تنمية وعيه العام بماتفترضه مقتضيات الثورة وطبيعة تلك المرحلة الانتقالية التى نعيشها أهنئكم بثورة أخرى فى القريب العاجل، لكنها ثورة ليست على غرار ثورات مواقع التواصل الاجتماعى، لكنها ستكون الثورة الحقيقة من أجل رغيف العيش وبالتالى هل سنشرع فى الاهتمام ببسطائنا أم سنظل نحن من نصنع الأكاذيب ونحاول تصديقها؟.
محسن عبد الحميد يكتب: أين الفقير من أعلام التحرير؟
الجمعة، 20 مايو 2011 02:22 م
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة