كرم جبر

الفتنة.. بين الفزع والفزاعة!

الجمعة، 20 مايو 2011 12:46 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄◄ لماذا لا تكون الوحدة الوطنية هى المشروع القومى الذى يلتف حوله المصريون؟
ليس من قبيل المبالغة أن نقول إن الفتنة الكبرى التى وقعت فى إمبابة وبعض المناطق، تمتد جذورها إلى أكثر من مائة عام، عندما جاء اللورد كرومر المندوب السامى البريطانى إلى مصر، مكلفا من حكومته بإشعال الفتنة بين المسلمين والأقباط، ليقضى على روح المقاومة، ويعزل مصر عن محيطها العربى والإسلامى، ويضعها على شفا التقسيم.

قال كرومر عبارته الشهيرة «إن المصريين لن يفلحوا أبداً طالما ظل فى أيديهم هذا الكتاب».. وخاض حرباً ضارية ضد القرآن الكريم، طاعناً فى الشريعة الإسلامية، وزاعماً أن الإسلام دين مناف للمدنية.. وأطلق الحرية للإرساليات والمبشرين، ليبثوا بذور الفتنة، ويزرعوا الفرقة بين عنصرى الأمة لطمس هوية مصر وجعل أبنائها «إخوة أعداء».

بعد ربع قرن من التآمر عاشها كرومر فى مصر، أرسل لحكومته يقول «ذهبت إلى مصر، فلم أجد فيها سوى مصريين بعضهم يذهب إلى المساجد وبعضهم إلى الكنائس ولا فرق».. وعاد إلى بلاده يجر أذيال الخيبة والفشل، وظل الإسلام بتعاليمه السمحة ومبادئه السامية هو الحارس الأمين الذى يحمى الوحدة الوطنية، والسلام الاجتماعى، وتوصل المصريون إلى مفهوم رائع هو «الدين لله والوطن للجميع».

لم ترحم «عدالة التاريخ» كرومر حياً وميتاً، فعندما نجح فى الضغط على بطرس غالى باشا رئيس الوزراء فى ذلك الوقت للتوقيع على اتفاقية الحكم المشترك مع السودان، قتله المصريون فى ثانى حادث اغتيال سلبى فى تاريخ مصر بعد الجنرال كليبر قائد الحملة الفرنسية، ثم كانت الصفقة الكبرى التى دكت عظام كرومر فى قبره، عندما أسلم حفيده ألكسندر يارنج بعد زواجه من فتاة مصرية اسمها زينة أحمد الجندى، وعبر المصريون مسلمين وأقباطا عن ارتياحهم الشديد لهذا الزواج، الذى يقضى على أحلام هذا الوجه الاستعمارى البغيض.

تغيرت الدنيا وتراجع التسامح أمام التشدد، وغاب العقل فى مواجهة الصراخ، وأصبح «الزواج المختلط» هو البوابة الكبرى للفتنة وأهم أسبابها، وتحول زواج المسلم من مسيحية أو العكس إلى سجادة من النيران تشتعل تحت أقدام المسلمين والأقباط معاً، وتضع الوطن كله فى قبضة الفوضى والحرق والتخريب والدماء.

لا يتسع المجال الآن للتنقيب فى أنقاض مثل هذا الزواج البائس المحكوم عليه بالإعدام، ولكنه ملف شائك وملتهب ومسكوت عنه منذ سنوات طويلة، وآن الأوان أن يتم اقتحامه بجرأة وشجاعة من عقلاء الأمة المستنيرين، مسلمين وأقباطا، شيوخاً وقساوسة، علماء نفس واجتماع وقانون، لتحديد معالم الطريق، ومنع حالات التحول الظاهرى بين الأديان التى تشعل الفتن وتؤجج الصراع.

السبب الثانى لاندلاع أحداث الفتنة الطائفية من واقع دفتر أحوال الحوادث الأخيرة يأتى بسبب الخلاف على بناء الكنائس، وشكوى الأقباط المستمرة من القيود والظلم وعدم المساواة، وكلما طرأت أزمة يتم التلويح بقانون دور العبادة الموحد علناً، ولكن فى السر تثار اعتراضات كبيرة عليه بين المسلمين والأقباط معاً، وهو أيضاً من الملفات التى يجب إدارجها فى أجندة موضوعات «بيت العائلة» التى يرعاها الأزهر والكنيسة.

السبب الثالث هو النزاع على الأراضى، كأن يتم تحويل أحد منازل المسيحيين إلى كنيسة دون الحصول على ترخيص، أو توسيع إحدى الكنائس بضم منازل قبطية مجاورة، فيتصدى لذلك أهالى القرى والمدن، وتتحول الشرارة إلى نيران يصعب السيطرة عليها، مثلما حدث فى المنيا والجيزة ووادى النطرون.

لا يكفى أن يكون التعامل مع هذه الحوادث بعبارة «نامت الفتنة لعن الله من أيقظها».. لأن الفتنة مستيقظة ومفتوحة العينين، ولا يصلح فيها العلاج بالمسكنات والمهدئات والحلول الصورية بالأحضان والقبلات بين الشيوخ والقساوسة أمام الكاميرات، انتظاراً لحادث جديد.
ليس من قبيل «الفزاعة» أو المبالغة أن نقول إن أصابع للشياطين تعبث فى الظلام لتدمير الرصيد الاستراتيجى بين المسلمين والأقباط الذين يواجهون به المحن والنكبات والأزمات يداً واحدة، أصابع فى الداخل والخارج يجب الإسراع بقطعها بمنتهى السرعة والحسم والجدية.
إسرائيل مثلاً ليست شماعة نعلق عليها الفتنة، ولكنها لاعب رئيسى يحرك ويحرض ويستعد للانقضاض، لأنها تعلم جيداً أن مصر القوية المتعافية هى حجر عثرة فى مواجهة أطماعها ومشروعها الاستعمارى، مصر بالذات هى القلب النابض بالعروبة والإسلام، وإذا قويت صحت الأمة، وإذا ضعفت أصابها المرض والهزال.

المخطط الإسرائيلى قديما وحديثا بدأ منذ اغنصاب فلسطين ودعوة بن جوريون لتحريك الأقليات المسيحية فى العالم العربى ضد الأغلبية المسلمة لإذكاء النار فى مشاعر الأقليات المسيحية، وتثبيت ميولها الانعزالية لتدمير الاستقرار داخل المجتمعات العربية، وينفذ هذا المخطط الآن بعض المنظمات اليهودية الإسرائيلية الصهيونية الأمريكية عن طريق رؤوس حراب فاسدة مثل موريس صادق الذى يوجه نداءات مستمرة لإسرائيل بأن تغزو مصر لحماية الأقباط، والأكثر غرابة أن يدعو المسيحيين فى مصر لجمع التبرعات لصالح إسرائيل، بينما فى مصر ملايين المسلمين والأقباط الذين يحتاجون ذلك.

وليس من قبيل الفزاعة أن نقول إن فلول النظام من الطرفين يحركون الأحداث وصولاً إلى الفوضى التى تضعف الثورة وتجعلها تدور فى دوامة المشاكل والأزمات التى لا تعطى الفرصة للمجلس العسكرى والحكومة للالتفات للداخل والتصدى للمشاكل الحقيقية التى يعانى منها المصريون، وفى صدارتها استئناف عجلة الإنتاج وجذب الاستثمارات وإعادة بناء الاقتصاد الوطنى، ولا يتحقق ذلك إلا فى أجواء الهدوء والاستقرار.

البتر العادل هو الحل، عن طريق محاكمات سريعة تجتث أصابع الشياطين وتكشف مؤامراتهم أمام الرأى العام وتبرئة ساحة هذا الشعب الطيب المتسامح الذى تحيط به المؤامرات من كل جانب، وتعرى المفسدين الذين يعيشون بيننا، وتجعل المصرى يحارب أخاه فى الوطن ويقتله ويحرق دور العبادة التى لها مكانة مقدسة وسامية فى النفوس.

ليس من قبيل الرفاهية أن نقول إن استدعاء روح مصر هو الحل وإن الحديث عن الشعب الواحد والنسيج الوطن المتين من قبيل الذكريات الجميلة التى يحكيها كبار السن لأحفادهم، فينصرفون عنهم إلى «البلاى ستيشن».. إنها الرصيد الحى الذى يقوى المناعة ويجعل جسد الوطن قادراً على مقاومة الأمراض والفيروسات.

أولاً: أعجبتنى عبارة قالها نجيب ساويرس «لن يحمى الأقباط سوى المسلمين».. لأننا نعيش سويا فى نفس الشارع والبيت ونركب نفس الأتوبيس ونجلس على مقهى واحد، ولا يمكن أبداً أن يحدث فض التعايش بين أبناء الشعب الواحد، هكذا خلقوا وسيعيشون إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.

ثانياً: مصر بلد المصريين الذين عمروا الأرض وسكنوها وأقاموا عليها حضارة خالدة استقبلوا المسيح والعذراء مريم وقدموا لهما الحماية والأمان وفتحوا قلوبهم للمسيحية، وبنفس الروح المصرية الأصيلة استقبلوا عمرو بن العاص الذى حفظ أقباط مصر وأرواحهم وممتلكاتهم رغم الحكايات الكاذبة التى يثيرها بعض المستشرقين.

ثالثاً: فى أوقات الخطر يصبح المصريون روحاً واحدة فى جسد واحد، وهى حكمة فرعونية قديمة تثبت صحتها فى مختلف المحن، وهذا ما يعطى الثقة بأن مصر ستعبر الخطر الحالى إلى بر الأمان بروح التسامح والمحبة والوئام وبعودة الهدواء والاستقرار.

رابعاً: لماذا لا يبرم الطرفان الآن «معاهدة هدوء» بلا مظاهرات أو اعتصامات أو مسيرات مثلما يحدث أمام ماسبيرو، ويتركون الفرصة لالتقاط الأنفاس حتى تنزاح الغمة، وتسترد البلاد عافيتها وتزداد قوة الدولة فى فرض مسيرة القانون، وإعادة الطمأنينة إلى النفوس الخائفة على المستقبل من أتون فتنة لن تترك أخضر ولا يابسا.

خامساً: أين المشروع القومى الذى ينشغل به الناس فينصرفوا عن الفتنة والصراعات، ويلتفوا حول راية مصر وعلمها ونشيدها بالقول والفعل، والعمل والصبر؟ ولماذا لا تكون الوحدة الوطنية هى المشروع القومى الذى يلتف حوله جميع المصريين؟

سادساً: مصر لا تبنيها الشماتة ولا التنابذ بالأديان والفتنة أشد خطراً من إسرائيل والأوبئة والأمراض والزلازل والبراكين.. مصر استطاعت أن تحرر أراضيها المحتلة بعد ست سنوات، لكنها قد تحتاج مائة عام لتحرر شعبها من الفتنة.

فشل اللورد كرومر فى مؤامراته الكبرى منذ مائة عام ولم ينجح فى شق وحدة المصريين، فهل نفعل بأيدينا ما فشل فيه هذا الوجه الاستعمارى الكريه؟

الشيطان يكمن فى التفاصيل، والتمسك بالتسامح هو الذى يخفف حدة الاحتقان، لكنه الاحتقان الكاذب الذى يعكر صفو الحياة بين أبناء شعب يعشقون الحياة.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة