لماذا المثقفون هم النخبة؟ سؤال كثيرا ما طرحته على نفسى، ربما هى تلك العزلة اللغوية والثقافية التى يحيط بها المثقفون أنفسهم، ربما هى اللغة المغرقة فى التقعر التى سادت لفترة زمنية ليست بالقصيرة، ربما هى للخيال المفرط الذى يعيش فيه المثقف.
افتراضات عديدة لكن الحقيقة والواقع يطرحون المثقف كفرد نخبوى فى الوطن، ظل المثقف هكذا لفترات طويلة، ولم يكترث أحد بذلك، لم يكترث أحد بخلق حالة من التواصل بين مثقفى الوطن ومواطنيه، وتظل الهوة مطاطية القطر تضيق وتتسع تبعاً للظرف التاريخى والاجتماعى.
لاشك أننا فى ظرف شديد الخصوصية، ثورة لشعب لم يعرف ثورة شعبية قرابة القرن من الزمان، فلا يمكن أن نسمى ثورة يوليو 1952 بثورة شعبية لأنها لم تكن كذلك، كانت انقلاباً عسكرياً حظى بتأييد الشعب، لكن ثورة يقودها الشعب ليغيروا بها فلم تحدث منذ ثورة 1919، كان الأمر مبهج بعد ثمانية عشر يوماً من صمود حقيقى لكافة القوى الوطنية بمختلفى توجهاتها وأيديولوجياتها، كالجميع تصورنا أن الثورة نجحت ولم يكن التنحى أو خلع الرئيس هو صك النجاح فقط، نعم هناك تغييرات نراها، لكن هناك تغييرات أخرى حدثت فى اتجاهات أخرى.
حين سقطت هيبة الشرطة لم تمنح القوة فقط للمواطن البسيط أن يدافع عن حقه، ولكنه أعطت حق فى مقابله للبلطجى والحرامى أن يتجرأ على ضابط الشرطة، ويعلن عن بلطجته، ويروع الآمنين، الفارحين بانكسار الشرطة وأنا منهم لم ننظر لباقى المشهد، هؤلاء اللصوص الذين خرجوا من جحورهم واثقين أنه إذا تعرض لهم شرطى سيكسرونه متحدين بجمهرة من الشارع الذين سيتحدون معه دون علم بحقيقة الأمر فنحن شعب لا يتحرى الدقة فى معلوماته ولا فيما يتناقله.
من يتحدثون عن الأمن والأمان لا يجدون أنفسهم مشاركين فى كسر الأمان، لكننا تغيرنا وفرحنا بالتغير لم ننظر لبقية المشهد.
نعم صحب الثورة تغييرات أصبحنا أكثر جرأة، أصبحنا جميعا أكثر جرأة وتهوراً، صاحب الحق وصاحب الباطل، كلنا نمتلك القدرة للدفع بآرائنا دون سند ودون مساندة، فالكل يصيح ويعلى من نبراته ولا أحد ينظر لبقية المشهد.
السلفيون الذين ادعوا أن الخروج على الحاكم ذنب، يخرجون الآن بما اكتسبوه من ثورة يناير من جرأة، يخرجون ويفرضون آراءهم، البلطجية يخرجون، اللصوص يخرجون، صغار الفاسدين يخرجون، والكل يتخبط.
أين مجتمع النخبة فى كل ما يحدث؟ أين هم المثقفون؟
المتابع لما يحدث سيجد تنظيرات عديدة ورؤى عن دور المثقف، ودور وزارة الثقافة، واستراتيجية العمل، فى مجمله كلام جيد يمكن أن نجلس ونتناقش حوله حين نخطط لدولة سنصنعها خلال السنوات القادمة، لكن ماذا عن الآن؟
ماذا عن الخطوة الضرورية الآن، من يعيد الفاسدين والبلطجية واللصوص والمتاجرين بالدين إلى جحورهم؟ الحقيقة إن من يعيد كل هؤلاء هو الوعى، هذا الوعى الذى يتربى فى الفرد ولا يتم تلقينه عبر كبسولات مركزة.
هذا الوعى الذى يحتاج أن ينعدم قطر الهوة التى تفصل بين المثقفين وبين الناس العادية، والحل هنا من وجهة نظرى له مكان واحد ووحيد لابد من العمل عليه فوراً الحل يأتى فى بيوت الثقافة ومراكز الشباب، هذه الوحدات التى تضم عددا غفيرا من الموظفين، الأمر لا يحتاج سوى تفعيل دور لجان وإدارات المتابعة فى هذه الجهات، لا يحتاج سوى عمل حقيقى، لن ننشئ وحدات جديدة، لن نعين موظفين يضيق بهم حال الدولة الآن وميزانيتها.
نحتاج لعشرات ومئات الندوات واللقاءات والمؤتمرات التوعوية فى كل مكان فى مصر، نحتاج لوسائل لجذب المواطنين للذهاب إلى هذه الأماكن، نحتاج مساحات بوح حقيقية وتوجيه حقيقى من مثقفين يعرفون دورهم ويتنازلون ولو مؤقتا عن حساباتهم الشخصية ورؤاهم وتنظيراتهم حول الاستراتيجية والخطط المستقبلية لعمل الوزارة، نحتاج أن يكون فى كل بيت ثقافة وفى كل مركز شباب مثقف بدرجة وزير، أن تعمل كل الجهود متضافرة مسرعة للحاق بأمن الوطن الذى يضيع تحت وطأة ترويع الآمنين ومخاوف لها علاقة بالعقيدة.
لابد أن يتحرك المثقفون متطوعين هابطين من كوكب ميكى إلى كوكب الأرض مقتربين من الناس، حاملين همومهم ساعين إلى طمأنتهم، باثين فيهم وعياً حقيقياً عن العقيدة والأمن وهيبة الدولة، مشيرين إلى بواطن الفساد قاضين بما ينشرونه من وعى على بؤر الفساد، وخلاياه المسرطنة المنتشرة فى جسد الوطن.
بالفعل هو أمر سهل للغاية لا يحتاج سوى قرار من الوزير بتفعيل دور إدارات المتابعة فى هيئة قصور الثقافة، وأن يتحرك المثقفون متطوعين مشاركين فى فاعليات هذه القصور كل فى موقعه ومحل سكنه أهذا صعب إذا ما كان المقابل وطنًا؟؟؟