إلى كل متعصب أعمى لدينه أو جاهل بأوامره ، لو كان الإسلام أمرنا بحرق أو هدم الكنائس أو المعابد لكان لن يتبقى فى القدس كنيسة واحدة بعد أن تسلّم مفتاحها عمر بن الخطاب أو بعد أن دخلها صلاح الدين الأيوبى، وبالمثل فى مصر عندما فتح عمرو بن العاص مصر وانتصر على الرومان وكان أقباط مصر مطاردون وفى أضعف حالتهم، فلم يجبرهم عمرو بن العاص على دخول الإسلام، ولم يهدم لهم دار عبادة واحدة.
ولو كان بن العاص فعل غير ذلك لكانت مصر الآن إسلامية مائة بالمائة (رضاء وجبراً ) لايوجد لأهلها دين آخر غير الإسلام، ولا يوجد على أرضها كنيسة واحدة يرفع على قُبتها صليب ونسمع صوت جرسها يوم الأحد.
بل الأدهى والأعجب من ذلك. والكلام موجه للمتشددين من الطرفين، لكان عمرو هدم معابد الفراعنة فى جنوب مصر بما أنها تمثل آثارا متبقيةً من أهل كفر، ولكنه تركها على حالها كما هى، لأن الناس لم تعد يعبدون ما بداخلها من أصنام، بل أنها أصبحت عبرة لقوم قد قضى الله عليهم عندما تجبروا فى الأرض، وجزء نسترشد به على حقيقة ما جرى فى هذه الفترة من التاريخ.
هكذا كان تعامل الإسلام مع غير المسلم، وهكذا تعامل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع مقدسات غير المسلم وأماكن عبادتهم، فهم حافظوا عليها حتى وصلت إلينا، ولم يتم تحت لواء الإسلام الصحيح أن تعرض غير المسلم للقهر أو الظلم، بل عاش معززاً مكرماً تحت لواء الدولة الإسلامية.
وأعترف كمسلم أن الإخوة المسيحيين لهم كل الحق من الخوف أو الهلع من إقامة دولة إسلامية على أرض مصر، لأن بعض النماذج التى يرونها أمامهم وللأسف محسوبة على الإسلام، نماذج تسىء إلى الإسلام ومبادئه، فى ظل دعاوى البعض بعدم التعامل مع كل نصرانى، ومقاطعتهم، ومعاملتهم على أنهم مواطنون ليس لهم حقوق فى هذا الوطن إلا ما يسمح لهم منا عن طريق الهبة.
وبالطبع هذا تطرف وليس من طبيعة الإسلام فى شىء، وهو مايوّلد تطرفا موازيا من بعض الأقباط لمواجهة هذا الفكر، ولحماية أنفسهم وكنائسهم ودينهم، ليتحوّل الأمر فى النهاية إلى فتنة تشق صف الوحدة الوطنية، ويتحوّل الأمر إلى صراع متبادل بين الطرفين تظهر بوادره بين الحين والآخر فى ظل غياب سلطة القانون.
فالحل لهذه المشكلة البسيطة التى يرى الكثير بأنها مشكلة مزمنة ومستعصية، هو فى أمرين:
عودة الأزهر إلى دوره الطبيعى كمرجعية إسلامية لكل مسلم نسترشد بهِ فى كل ما يخص ديننا الحنيف، وهذا لن يحدث لو ظل الأزهر الشريف مقحماً فى السياسة ومقيداً بسلطة النظام، فانتخاب شيخ الأزهر أفضل من تعيينه من قبل النظام، وكذلك المفتى، وأن يحتضن الأزهر كل الجماعات الإسلامية أيّاً كان توجهها ليصحح من آرائها، ويرشدها نحو تعاليم الإسلام السمحاء البعيدة عن أى تعصب أعمى.
وكذلك تطبيق القانون على المسلم والمسيحى بميزان واحد، فمثلاً الشاب المسلم الذى شجّع فتاة أسوان ذات السابعة عشر عاماً على الهروب يحاكم كما لو كان مسيحياً حرض فتاة مسلمة على الهروب معه، لأن العكس لوحدث لثار الناس وذهبوا لأقرب كنيسة لحرقها أو هدمها.
وكذلك المسيحية التى تعلن إسلامها عبر الأزهر الشريف بإرادتها، فهى تكون فى حماية الدولة ولا يجب حجزها أو إجبارها على العودة للمسيحية أو قتلها من أقاربها، ومن يفعل ذلك يعاقب بأشد مواد قانون العقوبات، ولو طبقنا هذا مرة لن نجد نفس الفعل فى مراتٍ أخرى.
ومن الآن يجب على الأزهر والكنيسة أن يكون المتحدث بلسانهما هم المعتدلون لا المتشددون الذين يثيرون الفتن أكثر بأحاديثهم فى وسائل الإعلام، وأن نتوقف عن التظاهرات والوقفات الاحتجاجية لأن مصر على شفا الانهيار بسبب المؤامرات التى تُحبك لها داخلياً وخارجياً، ونحن نشارك بدور فى تنفيذها بدون قصد، لأننا لا نعطى لبلدنا وقتاً لالتقاط الأنفاس، وبمرور الوقت قد تنجح حكومة طرة فى قيادة البلاد نحو الهلاك المؤكد، وقد تتعالى النبرات القائلة (الله يرحم أيامك يا..).
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة