علاء البحار

"الدين".. نقطة ضعف اليساريين والعلمانيين

الأربعاء، 18 مايو 2011 07:35 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
دور "الدين" فى بناء مصر الجديدة بعد ثورة 25 يناير أصبح المحور الرئيسى الذى يطرحه السياسيون والإعلاميون ليل نهار على طاولة وسائل الإعلام ومختلف المنتديات والفعاليات.. واهتمت جميع القوى السياسية بمناقشة هذا المحور بكل أبعاده وتأثيراته المستقبلية.. وجاءت أحداث الفتنة الطائفية فى إمبابة وقبلها أطفيح لتعطى بعدا إضافيا لهذا الموضوع، الذى لا يمكن تجاهله أثناء المرحلة الانتقالية، التى تواجه العديد من المصاعب والعقبات وفى مقدمتها دور الدين فى العمل السياسى.

وحتى لا يفهم كلامى خطأ.. فأنا أتحدث عن الدين بشكل عام سواء الإسلامى أو المسيحى، فعندما ننظر إلى قضية مهمة مثل صياغة دستور جديد سوف نجد أن أكثر مادة أحدثت جدلا كبيرا هى المادة الثانية التى تؤكد على الهوية الإسلامية للدولة، وأنها المصدر الرئيسى للتشريع وطالب البعض بإضافات تعطى للأقباط حقهم فى الاحتكام إلى شرائعهم فى قضايا الأحوال الشخصية وغيرها مما يؤكد أن الدين سواء الإسلامى أو المسيحى سوف يكون له دور محورى وأساسى فى هذه المرحلة.

ويدور حاليا جدل بين شعارين يعكسان منهجين مختلفين فى إدارة هذا الصراع الأول "الإسلام هو الحل" والثانى "الدين لله والوطن للجميع" وإذا نظرنا إلى كل شعار سوف نجد أنه يركز على قضية "الدين".

فالإخوان المسلمون تحديدا رفعوا شعار "الإسلام هو الحل" منذ الثمانينيات من منطلق أن المسلمين هم الأغلبية ويجب أن يكون للدين دور محورى فى صياغة برنامجهم بشكل خاص وبناء الدولة بشكل عام.. وفى نفس الوقت لم يغفلوا حقوق الأقباط وأقروا بحقوقهم كاملة وطوروا أداءهم فى هذه النقطة تحديدا لدرجة ترشيحهم للدكتور رفيق حبيب لكى يكون نائبا لرئيس حزب الحرية والعدالة لإيمانهم أهمية دور الدين فى حياة المصريين، وبالتالى عدم إغفال مطالب الأقباط فى هذه المرحلة التى يستعد فيها الإخوان لأول مرة للمشاركة فى تركيبة الحكم فى مصر.

واكتسب الشعار الذى رفعته الجماعة منذ الثمانينيات أرضية كبيرة فى الشارع المصرى، حيث قاموا بترجمة هذا الشعار إلى برامج عملية فى الاتحادات الطلابية ونوادى التدريس والنقابات والانتخابات البرلمانية وبعيدا عن تقييم هذه البرامج وهل ترقى إلى أن تقود دولة فى هذه المرحلة فإن الإخوان نجحوا نجاحا كبيرا فى الشارع وحققوا مكاسب كبيرة منها الحصول على 88 مقعدا فى انتخابات مجلس الشعب فى عام 2005، كما استحوذوا على عدد من النقابات وأدوا بها أدوارا مؤثرة وتركوا علامات واضحة وظهرت لديهم كوادر على مستوى عال مما يؤهلهم لدور كبير فى مرحلة ما بعد الثورة.

واللافت للانتباه أن رؤية الإخوان للدين واضحة جدا اختلفت معها أو اتفقت فهى تعتبر الإسلام ديناً ودولة، واهتمت بالمساجد كأحد آليات دعوتهم من هذا المنطلق، بالإضافة إلى أنهم نجحوا فى الوصول إلى الناس عبر الآليات الأخرى.

أما اليساريون والليبراليون والعلمانيون فتعاملوا مع قضية "الدين" بمنطق آخر وهو أنه عبادات وشعائر يؤديها المسلم والمسيحى فى داخل دور العبادة والدين علاقة بين العبد وربه، أما عالم السياسة فيجب أن يكون بعيدا عن "الدين" الذى يؤدى فى هذه الحالة إلى التعصب والتطرف وعدم قبول الآخر فالدين حلال وحرام أما السياسة فهى فن "الممكن" الذى يقبل الجدل والنقاش.

كما أن الدولة الإسلامية أو الدينية كما يطلقون عليها سوف تعبر عن المسلمين فقط وتقصى الأقباط ولن تأتى بكوادر متميزة وجيدة فى إدارة الدولة سياسيا واقتصاديا وثقافية بل ستأتى بمجموعة من الشيوخ بجلابيب بيضاء ولحى طويلة يحكمون باسم الدين وبالتالى فإن الحل يكمن فى عدم خلط الدين بالسياسة.

ورغم إقرار هذا الطرف بأهمية الدين مع تبنى مفهوم الدولة المدنية إلا أنه لم يقدم حتى الآن رؤية واضحة عن هذه القضية وخاصة على أرض الواقع.. فأين هو من المساجد على سبيل المثال.. وهل يعنى "الدين لله" عدم الاهتمام بتوعية الناس دينيا؟.. ولماذا لا نرى كوادر منهم تذهب إلى المساجد وتنافس الإسلاميين وتقوم بتوعية الناس برؤيتهم حول الدين والسياسة؟ بل المحير أنه لا توجد رموز دينية لهم توضح توجهاتهم، ففى النهاية نحن فى دولة تتعامل مع الدين بقدسية شديدة جعلت عدد أتباع الطرق الصوفية تبلغ أكثر من 10 ملايين على سبيل المثال.

وبالتالى أعتقد أن هذا الخطاب لم يعط لقضية الدين الاهتمام الكافى وهو ما يؤكد أنها أصبحت نقطة ضعف لديهم، تثير الشك عند عدد ليس بالقليل فى الشارع المصرى، فليس معقولا وأنت فى دولة ذات أغلبية مسلمة أن تقول إن "الدين لله" هو كل ما أستطيع أن أقدمه فى هذا المجال وكيف ترى إذاً قضية المعاملات الإسلامية فى الاقتصاد وغيرهما.. وما هى الرؤية الفقهية لمسألة الحدود فى الإسلام؟ بدلا من الهجوم على الإخوان أو غيرهم عندما يتكلمون عنها.. بل كان تركيز الكثير من النخب والمثقفين الذين ينتمون إلى اليساريين والعلمانيين هو سب وقذف المشروع الإسلامى مستغلا أخطاء بعض المتطرفين دون أن يقدم رؤية مقنعة للشارع حول دور الدين فى حياتنا من ناحية وعن رؤيته البديلة لإدارة وبناء الدولة فى ظل التعددية التى اتسعت قاعدتها بعد الثورة.

أعتقد أن الفترة المقبلة سوف تتطلب مزيدًا من التفاعل بين الطرفين وبدلا من اتهامات طرف باستغلال الدين وطرف آخر بإقصائه المطلوب طرح رؤى متقاربة تساهم فى إنجاح المرحلة الانتقالية لكى نستفيد جميعا من مكتسبات الثورة.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة