احتفالات بالسينما الصامتة فى مهرجان كان

الأربعاء، 18 مايو 2011 06:00 م
احتفالات بالسينما الصامتة فى مهرجان كان مهرجان كان
رسالة كان: أحمد رزق الله

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مرت الأيام الأولى لـلدورة الرابعة والستين لمهرجان كان السينمائى الدولى سريعاً ودون أن تشوبه أية أحداث غير اعتيادية، نفس النشاط المعتاد الذى تستيقظ عليه المدينة الساحلية الفرنسية، والإعلاميون يسابقون الزمن للحاق بعرض الثامنة والنصف صباحاً لمشاهدة فيلم جديد من أفلام المسابقة الرسمية، ونفس الطوابير الطويلة التى تنتظر أن تفتح أبواب قاعات العرض ليجد الواقفون بها لأنفسهم مكاناً مميزاً أمام شاشة العرض، وهى نفس السهرات الليلية التى تنظمها المهرجانات والشركات السينمائية المختلفة الحاضرة بالمهرجان على شواطئ المدينة لتضيء ليل "كان" حتى لحظاته الأخيرة.

ولكن يبقى رغم كل شىء ظواهر بسيطة تميز كل دورة عن الأخرى وتعطيها طعماً مختلفاً، مما يفسّر الحرص الشديد للسينمائيين على التواجد فى كل دورة من دورات هذا المهرجان العريق، وهذا– فى رأيى- أهم ما ميّز الدورة الرابعة والستين بعد انقضاء أكثر من نصف مدته.

الأفلام
المتابع لجدول عرض أفلام المسابقة الرسمية كان يعلم أن مسئولى المهرجان قد احتفظوا للنصف الثانى من الدورة بالجرعة الرئيسية من الأفلام التى متوقع أن تثير الجدل والتى ينتظر الجمهور رؤية ما سيقدمه مخرجوها هذه المرة، ومثال على ذلك أفلام المخرجين المتميزين الدنماركى "لارس فون تريير" و"الأسبانى "بيدرو ألمودوفار" والإيطالى "باولو سورنتينو"، بخلاف ذلك لم يعرض فى الأيام الأولى للدورة من الأفلام، التى كانت منتظرة بقوة سوى الفيلم الإيطالى "Habemus Papam" للمخرج والممثل الإيطالى الساخر "نانى موريتى"، وقد نال الفيلم إعجاب الكثيرين لجمال قصته التى تتناول مراسم تنصيب بابا جديد للفاتيكان بعد وفاة البابا السابق، ولكن يلاقى هذا التنصيب مشاكل، حيث يختفى البابا الجديد ولا يظهر فى مراسم تقديمه، مما يسبب قلقاً كبيراً فى الفاتيكان. الأسلوب الساخر اللاذع المعروف به "موريتى" لم يكن فقط سبب إعجاب المتابعين للفيلم ولكن أيضاً الأداء المتميز للمثل الفرنسى الكبير "ميشيل بيكولى" (فى دور البابا) كان له نصيب كبير، مما يضع "بيكولى" فى مقدمة المرشحين حتى الآن لنيل لقب أفضل ممثل بالدورة.

شهدت الأيام الأولى أيضاً عرض فيلم "صبى الدرّاجة" للأخوين البلجيكيين "داردين" المعروفين بشدة لجمهور "كان" لنيلهما السعفة الذهبية للمهرجان مرتين من قبل. غير أن فيلمهما لم يلق قبولاً واسعاً ففى حين أثنى الكثيرون على سيناريو الفيلم وأداء الممثلة الفرنسية "سيسيل دو فرانس"، إلا أن كثيرين رأوا أن المستوى العام للفيلم لا يرقى لأعمال الأخوين "داردين".

ولكن هذا الاختلاف فى الرأى لم يقتصر على هذا الفيلم فقط، ولكن الاختلاف الأكبر كان حول الفيلم الأكثر انتظاراً "Tree of Life" (أو شجرة الحياة) للمخرج الأمريكى الكبير "تيرينس مالك" ومن بطولة "براد بيت" و"شون بين" (وإن لم يتعد ظهور الأخير أكثر من ربع ساعة من زمن الفيلم). ففى حين كان الفيلم مخيباً لآمال الكثيرين الذين لم يجدوا به أى خط درامى واضح فإن البعض قد وجد فى هذا الفيلم الروحانى الفلسفى لوحةً فنيةً تلخّص الحياة البشرية والصراع الدائم بين الطبيعة والفضيلة، فتناول الفيلم نفسه كان مختلفاً وصادماً بشدة، حيث إن نصف الساعة الأولى منه لم تتعد الدراما بها أكثر من خمس دقائق، بينما كان المسيطر على الشاشة لوحات من الطبيعة وما بها من كواكب وبحار وجبال يصاحبها تعليق صوتى يغلبه الطابع الروحانى.

أما قصة الفيلم نفسه فلم تتعد سوى توثيق لحياة أسرة أمريكية بسيطة من منظور فلسفى أكثر يصور المداخل النفسية لعلاقة رب الأسرة القاسى (بيت) بأولاده الثلاث، وخاصةً الابن الأكبر الذى كان الفيلم قد بدأ بتلقّى الوالد لخبر وفاته.

إذاً فالملاحظ أن حتى انتصاف المهرجان لم يلق فيلم إجماع المتابعين على تميزه واستحقاقه لإحدى الجوائز الرئيسية، وذلك على غير المعتاد، ففى أغلب الدورات يحصد فيلم أو اثنان توقعات أغلب الحضور بنيل السعفة (حتى وإن خابت تلك التوقعات فى النهاية، مثلما حدث فى الدورة الماضية عندما نال السعفة فيلم "العم بوم" الذى كان خارج الترشيحات تماماً).

ولكن ربما تأتى الأفلام القادمة بما هو أفضل ويظهر من يحصد إجماع الجمهور والنقاد لتبدأ لعبة التوقعات المفضلة عند الجميع قبل الإعلان الرسمى عن النتائج فى اليوم الختامى للمهرجان.

التواجد الأمريكى
يربط الكثيرون بين توهج المهرجان وبين حضور نجوم هوليوود لفعاليات المهرجان لما لهم من قدرة على جذب الجمهور، ممن يمضون ساعات طويلة فى أنظار ظهور هؤلاء النجوم للحظات قليلة على السجادة الحمراء التى تقود لمسرح "لوميير".

وقد نجحت إدارة المهرجان هذا العام فى جذب عدد كبير من نجوم هوليوود، وكانت الخبطة الكبرى فى قبول النجم "روبرت دى نيرو" لدعوة المهرجان لرئاسة لجنة التحكيم، فوجود "دى نيرو" فى أى بقعة من بقاع أرض المهرجان كفيل بإحداث هرج ومرج لتدافع الجمهور، محاولين فقط رؤيته عن قرب، وقد شهد حفل تكريم مهرجان "ترايبيكا" و"دى نيرو" باعتباره من مؤسسى هذا المهرجان الأمريكى محاولات مضنية من منظمى المهرجان لإقناع الجمهور بالتزام أماكنهم والتوقف عن التقاط الصور لـ"دى نيرو"، حتى يتسنى بدء التكريم وعرض فيلم "A Bronx Tale".

وبالإضافة إلى لجنة التحكيم التى تضم أيضاً الممثلة الأمريكية المعروفة "أوما ثورمان"، فقد شهدت السجادة الحمراء لـ"كان" هذا العام نشاطاً هوليودياً ملحوظاً بوجود النجمين المحبوبين "جونى ديب" و"براد بيت" والأخير مع زوجته "أنجلينا جولى"، بالإضافة أيضاً إلى الممثلة والمخرجة "جودى فوستر" والممثل "شون بين" (الذى لم يصاحب فيلم Tree of Life ولكن من المتوقع حضوره فعاليات الفيلم الإيطالى الذى يلعب بطولته أيضاً This must be the place)، كما حضر أبطال فيلم الافتتاح "Midnight in Paris" ومخرجه "وودى آلن" إلى جانب عدد من الممثلين الذين جاءوا إلى كان للترويج لأفلامهم الحديثة مثل "جاك بلاك"، الذى شارك فيمله التحريكى Kung Fu Panda-2 فى سوق المهرجان.

تحية للسينما الصامتة
قامت إدارة المهرجان برد بعض من الاعتبار إلى السينما الصامتة وذلك بعرض الفيلم الفرنسى "The Artist" (أو الفنان) فى إطار العروض الرسمية، خارج المسابقة، وهو فيلم روائى طويل من إنتاج 2011 بالأبيض والأسود عن ممثل حقق نجاحاً عظيماً فى الأفلام الصامتة ولكن هذا النجاح يتحول إلى فشل مع بدء ظهور الصوت فى السينما، حيث لم يستطع أن يواكب هذا التطور وأصبح فى طى النسيان، وقد حاز الفيلم على إشادة واسعة من المشاهدين بسبب فكرته المختلفة وأسلوبه الساخر المتميز، بالإضافة إلى قدرة صانعيه على محاكاة عصر السينما الصامتة، رغم حداثة إنتاج الفيلم وقدرتهم على توصيل رسالتهم باستخدام نفس آليات السينما الصامتة من أبيض وأسود والاستعانة باللوحات بديلاً عن الصوت.

التكريم الآخر للسينما الصامتة كان بعرض، ولأول مرة، نسخة تم ترميمها وتحويلها إلى نسخة رقمية من الفيلم الفرنسى الصامت "رحلة إلى القمر" لأحد أهم مخرجى هذه السينما "جورج ميلييس"، إنتاج هذا الفيلم يعود إلى عام 1902 وقد عُثر فى عام 1993 على نسخة ملونة يدوياً من الفيلم الذى كان طوال تلك الفترة فى عداد المفقودين وتم الانتهاء من ترميم هذه النسخة فى عام 2010 مع إضافة موسيقى مميزة لها (لفريق الموسيقى الإلكترونية الفرنسى Air) ليتم عرضها لأول مرة على الجمهور فى إطار فعاليات الدورة الحالية للمهرجان.

دورة الثورات
بالإضافة إلى دعوة مصر كضيف شرف للمهرجان (فى سابقة هى الأولى من نوعها) وتخصيص اليوم لتكريم السينما المصرية بعرض فيلم "18 يوم" (وعرض فيلم البوسطجى فى قسم كلاسيكيات كان، وفيلم صرخة نملة فى قسم سينما الشاطىء)، تميزت هذه الدورة بطابع ثورى واضح، حيث يتم أيضاً تكريم السينما التونسية بعرض فيلم "لا خوف بعد اليوم" للمخرج التونسى "مراد بين شيخ" فى عرض خاص خارج إطار المسابقة الرسمية وهو الفيلم الذى يوثق ثورة الياسمين منذ لحظاتها الأولى، كما أيضاً يتم تحية المخرج الإيرانى المعروف "جعفر بناهى" الذى يعانى من تضييق الخناق عليه من قبل النظام الإيرانى بعرض فيلم "In Film Nist" (أو هذا ليس بفيلم) من إخراجه بالمشاركة مع "موجتابا ميرتحمسب" ولم يتم كشف تفاصيل كثيرة عن طبيعة هذا العمل، وأخيراً ولإثبات أن فرنسا لا تقل قدرةً عن دول الشرق على مواجة أنظمتها الفاسدة فيعرض المهرجان أيضاً خارج المسابقة الرسمية الفيلم الفرنسى الروائى "La Conquete" الذى من المتوقع أن يحدث ضجيجاً كبيراً بسبب الانتقاد القاسى الذى يوجهه المخرج "زافييه دورنجر" إلى الرئيس الفرنسى الحالى "نيكولا ساركوزى" من خلال هذا الفيلم الذى يعد سابقة فرنسية أولى فى صنع فيلم روائى يوجه النقد لرئيس لم تنتهى ولايته ويقوم أحد الممثلين بلعب دوره درامياً.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة