مرت الأيام الأولى لـلدورة الرابعة والستين لمهرجان كان السينمائى الدولى سريعاً ودون أن تشوبه أية أحداث غير اعتيادية، نفس النشاط المعتاد الذى تستيقظ عليه المدينة الساحلية الفرنسية والإعلاميون يسابقون الزمن للحاق بعرض الثامنة والنصف صباحاً لمشاهدة فيلم جديد من أفلام المسابقة الرسمية، ونفس الطوابير الطويلة التى تنتظر أن تفتح أبواب قاعات العرض ليجد الواقفون بها لأنفسهم مكاناً مميزاً أمام شاشة العرض، وهى نفس السهرات الليلية التى تنظمها المهرجانات والشركات السينمائية المختلفة الحاضرة بالمهرجان على شواطيء المدينة لتضيء ليل "كان" حتى لحظاته الأخيرة، ولكن يبقى رغم كل شيء ظواهر بسيطة تميز كل دورة عن الأخرى وتعطيها طعماً مختلفاً مما يفسّر الحرص الشديد للسينمائيين على التواجد فى كل دورة من دورات هذا المهرجان العريق، وهذا – فى رأيي- أهم ما ميّز الدورة الرابعة والستون بعد انقضاء أكثر من نصف مدته.
الأفلام:
المتابع لجدول عرض أفلام المسابقة الرسمية كان يعلم أن مسئولو المهرجان قد احتفظوا للنصف الثانى من الدورة بالجرعة الرئيسية من الأفلام التى متوقع أن تثير الجدل والتى ينتظر الجمهور رؤية ما سيقدمه مخرجوها هذه المرة، ومثال على ذلك أفلام المخرجين المتميزين الدنماركى "لارس فون تريير" و"الأسبانى "بيدرو ألمودوفار" والإيطالى "باولو سورنتينو". بخلاف ذلك لم يعرض فى الأيام الأولى للدورة من الأفلام التى كانت منتظرة بقوة سوى الفيلم الإيطالى "Habemus Papam" للمخرج والممثل الإيطالى الساخر "نانى موريتي"، وقد نال الفيلم إعجاب الكثيرين لجمال قصته التى تتناول مراسم تنصيب بابا جديد للفاتيكان بعد وفاة البابا السابق، ولكن يلاقى هذا التنصيب مشاكل حيث يختفى البابا الجديد ولا يظهر فى مراسم تقديمه مما يسبب قلقاً كبيراً فى الفاتيكان. الأسلوب الساخر اللاذع المعروف به "موريتي" لم يكن فقط سبب إعجاب المتابعين بالفيلم ولكن أيضاً الأداء المتميز للمثل الفرنسى الكبير "ميشيل بيكولي" (فى دور البابا) كان له نصيب كبير مما يضع "بيكولي" فى مقدمة المرشحين حتى الآن لنيل لقب أفضل ممثل بالدورة.
شهدت الأيام الأولى أيضاً عرض فيلم "صبى الدرّاجة" للأخوين البلجيكيين "داردين" المعروفين بشدة لجمهور "كان" لنيلهما السعفة الذهبية للمهرجان مرتين من قبل. غير أن فيلمهما لم يلق قبولاً واسعاً ففى حين أثنى الكثيرون على سيناريو الفيلم وأداء الممثلة الفرنسية "سيسيل دو فرانس" إلا أن كثيرون رأوا أن المستوى العام للفيلم لا يرقى لأعمال الأخوين "داردين". ولكن هذا الاختلاف فى الرأى لم يقتصر على هذا الفيلم فقط ولكن الاختلاف الأكبر كان حول الفيلم الأكثر انتظاراً "Tree of Life" (أو شجرة الحياة) للمخرج الأمريكى الكبير "تيرينس مالك" ومن بطولة "براد بيت" و"شون بين" (وإن لم يتعد ظهور الأخير أكثر من ربع ساعة من زمن الفيلم). ففى حين كان الفيلم مخيباً لآمال الكثيرين الذين لم يجدوا به أى خط درامى واضح فإن البعض قد وجد فى هذا الفيلم الروحانى الفلسفى لوحةً فنيةً تلخّص الحياة البشرية والصراع الدائم بين الطبيعة والفضيلة. فتناول الفيلم نفسه كان مختلفاً وصادماً بشدة حيث أن نصف الساعة الأولى منه لم تتعد الدراما بها أكثر من خمس دقائق بينما كان المسيطر على الشاشة لوحات من الطبيعة وما بها من كواكب وبحار وجبال يصاحبها تعليق صوتى يغلبه الطابع الروحاني. اما قصة الفيلم نفسه فلم تتعد سوى توثيق لحياة أسرة أمريكية بسيطة من منظور فلسفى أكثر يصور المداخل النفسية لعلاقة رب الأسرة القاسى (بيت) بأولاده الثلاث وخاصةً الابن الأكبر الذى كان الفيلم قد بدأ بتلقّى الوالد لخبر وفاته.
إذاً فالملاحظ أن حتى انتصاف المهرجان لم يلق فيلم إجماع المتابعين على تميزه واستحقاقه لإحدى الجوائز الرئيسية وذلك على غير المعتاد ففى أغلب الدورات يحصد فيلم أو اثنان توقعات أغلب الحضور بنيل السعفة (حتى وإن خابت تلك التوقعات فى النهاية مثلما حدث فى الدورة الماضية عندما نال السعفة فيلم "العم بوم" الذى كان خارج الترشيحات تماماً). ولكن ربما تأتى الأفلام القادمة بما هو أفضل ويظهر من يحصد إجماع الجمهور والنقاد لتبدأ لعبة التوقعات المفضلة عند الجميع قبل الإعلان الرسمى عن النتائج فى اليوم الختامى للمهرجان.
اليوم المصرى فى مهرجان كان
احتفل اليوم الأربعاء مهرجان كان السينمائى الدولى بالسينما المصرية بصفتها ضيف شرف الدورة الحالية للمهرجان وذلك تكريماً لثورة 25 يناير. تبدأ الاحتفالية فى السابعة والنصف مساءً بعرض فيلم "18 يوم" وهو تجميع لعشرة أفلام قصيرة تتناول جميعها الثورة المصرية من أوجه مختلفة.
تعرض الأفلام خارج المسابقات الرسمية للمهرجان ومنها: "احتباس" من تأليف وإخراج شريف عرفة وبطولة مجموعة من الشباب (منهم محمود سمير وهشام منصور وأحمد شومان ومحمد أبو الوفا)، و "خلقة ربنا" من إخراج كاملة أبو ذكرى وتأليف بلال فضل وبطولة ناهد السباعى وسلوى محمد علي، و"19-19" من إخراج مروان حامد وتأليف عباس أبو الحسن وبطولة باسم سمرة وعمرو واكد وإياد نصار، و"الطوفان" من إخراج محمد على وتأليف بلال فضل وبطولة رؤوف مصطفى وماهر عصام وماهر سليم، و"حظر تجوال" من إخراج شريف البندارى وتأليفه بالمشاركة مع عاطف ناشد وبطولة أحمد فؤاد سليم وعلى رزيق ورمضان خاطر ومجموعة أخرى من الممثلين، وأعقب عرض الأفلام حفل عشاء رسمى تقيمه إدارة المهرجان على شرف المشاركة المصرية ثم يختتم اليوم بحفل موسيقى يحييه فريق "وسط البلد".
واستكمالاً لهذا التكريم شهد أمس الخميس عرض الفيلم المصرى "البوسطجي" للمخرج حسين كمال فى إطار قسم "كلاسيكيات كان"، كما يشهد مساء نفس اليوم عرض الفيلم المصرى "صرخة نملة" للمخرج سامح عبد العزيز فى إطار قسم "سينما الشاطيء" الذى تقام عروضه على شاشة عملاقة على شاطيء الكروازيت الفرنسى ويسمح للجمهور بالدخول وحضور العرض مجاناً نظراً لكونه قسماً ترفيهياً.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة